Sunday 4th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 20 ربيع الاول


حروف شفقية
المثقف العصري
بديعة داود كشغري

كثيرا ما نخلط في تعريفنا المثقَّف بين التأهيل الأكاديمي وتحصيل الثقافة بمفهومها الاوسع ومجالاتها المتعددة في شتّى صنوف المعارف والعلوم والمهارات، واذا اتفقنا على ان المثقَّف هو الانسان الملمُّ بعدد من العلوم والمعارف الماما يؤهّله لتناول موضوع ما بأسلوب علمي وطريقة منهجيّة تتيح للمتلقّي ان يقف على مجاهل ومضامين لم يكن على دراية بها، يصبح تعريف من هو المثقَّف يسيرا، وقلما يثير جدلا او يكون سببا في تباين الآراء والاجتهادات.
من الطبيعي ان التأهيل الأكاديمي الذي هو مصدر مهم في التحصيل المعرفي والثقافي، يقاس في مجمل وصفه بعدد سنوات التحصيل العلمي المنهجي التي يقضيها طالبها على مقاعد الدراسة, امّا مصادر الثقافة والمعرفة الاخرى التي لا تقلَّ اهمية، فتقاس بعمر الانسان الزمني وتراكمات الخبرة والمعرفة التي يتمكّن من اكتسابها والاستفادة منها ذاتيا وموضوعيا، وتحدد موقف المرء من نفسه وعلاقته بمن وبما حوله في مجتمعه الآني وبيئته، وفي المجتمعات قاطبة عامة, لذا مع اهمية التأهيل الاكاديمي وضرورته لا تقل عناصر الثقافة الاخرى ومصادرها اهمية, فالمصدر الاول يشكّل القاعدة والاساس، وتكون المصادر الاخرى المادة التي تمكّن الملقِّن من استهواء المتلقِّي واستمالته، وبالتالي تقبله المادة للاستفادة منها واضافتها الى رصيده الثقافي الذي يتحدد في نهاية الامر بسعة الاطلاع والمقدرة على الفهم والاستيعاب وايصالها للآخرين.
المثقف العصري في زمن الكمبيوتر و(العولمة) وتعميم الانترنيت لا تتحدد ثقافته بما يكتسب من علم ومعرفة وخبرة اكاديمية او ذاتية بل بمدى تقبل المتلقّي قارئا او مستمعا للمادة التي هي موضوع ما يقدمه المثقف فكما ان المثقَّف العصري يختلف عن سلفه ما قبل عصر (ثورة المعلومات) التي تجتاح العالم وعالم الفضائيّات التي يغزو المجتمعات كذلك المتلقّي العصري هو غير سلفه، وباختلاف الاثنين تختلف الطريقة والاسلوب اللذان تصل بهما الثقافة وتعم, فالمثقف العصري هو الذي يمتلك مادة الثقافة عامة من مصدريها، ويتمكن في الوقت ذاته من استغلال وسائل الاعلام العصرية للوصول للمتلقّي العصري، في خضم المعلومات والمعارف والعلوم التي اضحت في متناول الجميع بيسر وسهولة، تبرز قضية (التثقيف الذاتي) التي تعتمد مصادر متنوعة للمعرفة واكتساب الخبرة, ومع اهمية الدور المسموع والمنظور في المجال الاعلامي، وبالتالي الثقافي يبقى الاعلام المكتوب - الكتب والصحف والمجلات والدوريات هي الاوقع اثرا والابلغ تأثيرا في نفس المتلقّي, فالكلمة المكتوبة هي اساس المرتكز العقلي والبناء العلمي - المعرفي في التفكير, ولان اللغة هي اداة المخاطبة والتواصل والتفاهم تُمسي الثقافة رهينة اللغة ومدى مقدرتها على المخاطبة وتبادل الآراء وبالمقدار الذي تتمكن فيه اللغة من تقديم الفكرة بمقدار ما تؤدي الثقافة دورها في حياة الافراد والمجتمعات, وهكذا تتضح المسؤولية الثقافية الملقاة على عاتق المثقف العصري من حيث تمكنه من اللغة ومقدرته على استعمالها كوسيلة اتصال معرفي بينه وبين القرَّاء, ومن هذا المنطلق تتجلى اهمية تراثنا الادبي واتخاذه مرتكزا وأساساً لثقافتنا التي في تلقيها المعلومات الانسانية والحضارية لا تلغي سماتها ولا تتنكر لذاتها, فكم من مثقف عربي ابدع في هذا المجال وترك بصماته شاهدا على صحة هذا القول، وخلّد اسمه في صفحات الادب باقيا ابدا.
من نافلة القول ان نؤكد على ان الحياة بما تقدمه من كنوز خبرة وتجارب ومعرفة هي المدرسة الكبرى التي تصهر الفرد في بوتقتها فتزيل شوائبه وتنقِّي معدنه في مختبراتها الانسانية والاجتماعية وتضعنا امام تحد مستمر مع انفسنا, والمثقف الواعي هو الذي يثري مداركه من هذا التحدي ويتمكن في الوقت ذاته من التفاعل مع محيطه انسانا وشيئا.
في نهاية المطاف اذا ما اردنا التعرف الى مقدار ثقافتنا الكمِّي والنوعي الذي تعلّمناه من (المدرسة الكبرى) فما علينا سوى جمع حصاد هذه التراكمات، وتقدير مدى استيعابنا لها واستغلالها في وجودنا اليومي سلوكا وتطبيقا.
الثقافة العصرية في موجزها، هي السلوك الانساني في جوهره والحضاري في مظهره الذي يرتقي بصاحبه في سلم الحياة اخذاً وعطاء, وهذا هو المعيار الذي يتحدد في نسبته المثقف العصري في عصر العولمة والنظام العالمي الجديد
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved