Tuesday 6th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الثلاثاء 22 ربيع الاول


مثلث برمودا الاقتصادي!!

إن ثالوث الشر في نظامنا الاقتصادي المعاصر هو: الفقر وعدم المساواة والدورة التجارية وما تسببه من اضطراب في الانتاج وماتؤدي اليه من بطالة بين صفوف العمال.
هكذا يرى اكثر من منظّر اقتصادي واقعنا الاقتصادي المعاصر ، وعناصر الاضطراب والهدم المؤثرة في واقعنا.
فاول مشكلة يواجهها المصلح الاقتصادي هي كيفية زيادة الثروة المادية للقضاء على ظاهرة الفقر.
فالعالم الآن لاينتج من الثروة المادية مايكفي لاشباع الحاجات الضرورية الاساسية التي يحتاجها الافراد.
فدولة غنية نسبياً كإنجلترا لاتستطيع ان تنتج ما يكفي حاجات سائر سكانهاو ولو اشتغل كل قادر على العمل في اعمال منتجة.
إن الناس لايموتون جوعاً في انجلترا، ولكن يعاني عدد كبير من السكان سوء التغذية، فهناك نسبة تقدر بحوالي 25%من عدد السكان تعاني من قلة الغذاء اوسوء التغذية اي الجوع النسبي ومن ثم فإن الاولى بنا ونحن نواجه الجوع وسوء التغذية والفقر ان نوجه رؤوس الاموال للاستثمار في مشروعات اكثر نجاحاً.
علماً بان مضاعفة الانتاج او زيادته، لاتتيسر بين عشية وضحاها.
كما ينبغي ان يفكر الانسان في نفسه كمستهلك قبل ان يفكر فيها كمنتج، اذ ماجدوى ارتفاع الاجور النقدية اذا اشترى بها كميات اقل من السلع والخدمات, ان جنة المنتجين هي جحيم المستهلكين اذ يتعرض جمهور المستهلكين لاخطار شديدة من قبل جماعة من المنتجين.
لقد مضى ذلك الزمن، الذي كان فيه المستهلك هو صاحب اليد العليا والكلمة النافذة في النشاط الاقتصادي، حين كان يستطيع بواسطة حريته في الشراء والامتناع عن الشراء ان يحدد نوع السلعة والكمية المنتجة والى حد كبير السعر الذي تباع به,.
ولكن اخذت السلطة الاقتصادية وزمام الموقف ينتقلان بالتدريج الى ايدي المنتجين، وانتهى الامر الى تحكمهم عن طريق الاحتكار وحملات الدعاية في طلبات المستهلكين ، وكذلك في الاسعار .
واصبح المستهلك هو الرجل المنسي في النشاط الاقتصادي.
يقول الدكتور احمد دويدار في كتابه: الديمقراطية الاقتصادية : لماذا لانعيد المنافسة الحرة الى عرشها، اذا كانت تؤدي الى زيادة الكمية المنتجة والى انخفاض الاسعار.
ان المنافسة الحرة تدفع المنتجين الى تحسين وسائل الانتاج واستخدام الاساليب الفنية والمخترعات الجديدة لزيادة الكمية المنتجة وتخفيض الاسعار، ولكنها في الوقت نفسه تدفع المنتجين الى انفاق مبالغ طائلة على الدعاية.
خاصة ان السوق الحر يرتكز على المنافسة الكاملة ولكن اين هذا السوق الذي تتوفر فيه المنافسة الكاملة؟!
ان قيام حالة المنافسة الكاملة او الحرة تكاد تكون نادرة.
فلم يعد يؤمن بمبادىء المنافسة الحرة، كما قال بها الحريون انصار مدرسة الحرية الاقتصادية، في القرن التاسع عشر ، الا الذين اشرفوا على الجنون, فاكثر الناس مغالاة في تمجيد مبدأ المنافسة الحرة، لايستطيع ان يزعم بأنه من صالح المجتمع ان تكف الحكومة يدها عن كل تدخل, فيكاد يتفق الجميع على ان هناك عدداً من الوظائف ينبغي ان تقوم به الدولة.
بيد ان قائمة هذه الوظائف تختلف في الطول او القصر باختلاف وجهات النظر.
لقد اصبح الاتجاه نحو تحقيق مزيد من المساواة في دخل الافراد وثرواتهم، محور تفكير كثير من الاقتصاديين ورغبة جامحة تساور نفوس المصلحين.
اذ لاينبغي ان يستخدم جزء كبير من موارد الثروة لتوفير الكماليات وسلع الترف لعدد قليل من الافراد بل ينبغي ان نستخدم موارد الثروة لاشباع الحاجات الضرورية اولاً، حتى يتيسر القضاء على الفقر وما يقترن به من جهل وبؤس وكآبة، تؤذي النفوس قبل ان تؤذي العيون.
ان مصدر النزاع الدائم بين الاغنياء والفقراء هو ان الاغنياء يورثون ابناءهم الثروة فيحصلون بذلك علىدخل لايتناسب مع الخدمات التي يؤدونها للمجتمع.
ففي كثيرمن الحالات اشترى الاغنياء طريقهم الى المجد والشهرة ومراكز الصدارة باالمال.
فالثروة تهيىء الفرصة، وتفتح ابواب النجاح في حين ان الفقر يضيعها ويغلقها.
اما تفاوت تقدير المجتمع للخدمات التي يؤديها الافراد، فهذا امر طبيعي، فمما لاشك فيه ان العمل الذي يؤديه الجراح اكثر قيمة في نظر المجتمع من العمل الذي يؤديه الرجل المكلف بتنظيف حجرة العمليات.
ولكن، ليس معنى ذلك ان تقدير المجتمع سليم دائماً، فالدخل الذي يحصل عليه احد نجوم السينما في يوم واحد يزيد عما يحصل عليه المأذون الشرعي في سنة كاملة.
وما اظن ان هناك من يطالب بالمساواة في دخل الافراد بصرف النظر عما يؤدونه من خدمات الا الحمقى والجهلاء.
فالمجتمع الذي يكافىء المنتج المجد كالكسول الخامل، والذكي الماهر كالغبي العاجز، لابد ان يهوي الى قرار سحيق من الفقر.
المهم، الا يكون هناك تفاوت واسع واختلاف كبير وتباين عظيم في الدخول والثروات، قد يحدث اضطرابا وازمات اقتصادية وسياسية واجتماعية فضلاً عن الازمات النفسية, يقول الاقتصاديون ان الفرد يقسم دخله بين الاستهلاك والادخار، فينفق جزءاً من دخله على شراء سلع استهلاكية، وقد ينفق الدخل كله، ويدخر ما يتبقى وان المجتمع يقسم انتاجه الى سلع استهلاكية وسلع انتاجية رأسمالية, ومن الواضح ان مدخرات اي مجتمع ماهي الا مجموع مدخرات الافراد الذين يتكون منهم هذا المجتمع ويؤكد الاقتصاديون ان المجتمع الذي يقتصر افراده في اشباع حاجاتهم على الضروري من الغذاء والكساء والمأوى، هو مجتمع اقل عرضة للتقلبات الاقتصادية، اذ يضيق المجال الذي يضطرب فيه الطلب زيادة ونقصاً، على حين ان المجتمع الذي يتيسر لافراده التمتع بالسلع الترفية وشبه الترفية يكون اكثر عرضة للتقلبات الاقتصادية حيث يتسع المجال لزيادة الطلب ونقصه اتساعاً كبيراً.
ومن ثم، يمكن القول بصفة عامة، انه كلما ارتفع مستوى معيشة مجتمع معين عن حد الكفاف كان اكثر عرضة لظهور التقلبات الاقتصادية وان اغنى الدول واعلاها مستوى معيشة اكثرها اصابة باشد انواع الكساد.
لذا، ترى احدى المدارس الاقتصادية ان الاسباب الرئيسية التي تكمن وراء الدورة التجارية انما هي اسباب نفسية, وان الدورة التجارية انما هي نتيجة اخطاء متعاقبة من الاسراف في التفاؤل الى اسراف في التشاؤم.
حيث تقترن موجة التفاؤل باشتداد روح المضاربة في الاسواق المالية ونشاط الحركة التجارية والصناعية وزيادة استثمار رؤوس الاموال، وكما ان التفاؤل يولد تفاؤلاً، فكذلك التشاؤم يولد تشاؤماً.
يمكن تشبيه الدورة التجارية التي تصيب النظام الاقتصادي بالمرض المستعصي الذي يصيب الافراد، فكلاهما مرض عجز المختصون سواء كانوا اطباء ام اقتصاديين عن علاجه والقضاء عليه، ولكنهم استطاعوا كسر حدته وشوكته.
ولاتعدو الدورة التجارية ان تكون هذه الحركة المنتظمة من ارتفاع وانخفاض وقوة وضعف وشدة ولين وصحة ومرض والتي تشاهد في كل جانب من جوانب الحياة.
الدورة التجارية ظاهرة دولية، فالعالم كله وحدة اقتصادية، لاتستطيع اي دولة ان تكون بمعزل او منجاة من القوى الاقتصادية التي تعمل في الدول الاخرى.
ان الدورة التجارية احدى المساوىء الرئيسية للنظام الاقتصادي المعاصر، مثل الفقر وعدم المساواة,, مبعثها اختلال التوازن، وعلاجها في ان يلائم هذا النظام الاقتصادي بين نفسه وبين الظروف المتغيرة.
كما ان التخلص من الفقر يتطلب نظاماً اقتصادياً اكثر كفاءة وانتاجية من النظام القائم, ولإزالة الفوارق، للتقريب بين دخل الافراد، ينبغي ايجاد تناسب معقول مقبول بين ما يتمتع به الافراد من خيرات الانتاج، وبين ما يقومون به من اعمال ومايؤدونه من خدمات.
وللوقاية من تقلبات الدورة التجارية وما تحدث من نكبات تكاد تعصف بكيان الحياة الاقتصادية ، وتقتلع جذور النظام المعاصر، ينبغي ان يلائم النظام الاقتصادي المعاصر بين متطلبات وحاجات الناس المتزايدة والموارد المحددة نسبياً, فليس هناك خطة محكمة كاملة تحل جميع مشاكلنا الاقتصادية، فالاحكام التام والكمال هما من غرور الانسان وهما امنيتان عزيزتا المنال.
حيث لن نستطيع اعادة الصحة والعافية الى الهيكل الاقتصادي بوصف جرعات من دواء واحد سحري او بعض حبوب من صندوق المثل العليا.
ختاماً اقول ان العلاج الاقتصادي مسألة مهارة في التطبيب قبل كل شيء,, تطبيب يمتاز بالمرونة وعدم التقيد بأفكار وآراء جامدة,,، فالتشبث بفكرة واحدة او رأي واحد هو الخطأ القاتل في كل علاج, فالاقتصادي الناجح كالطبيب الناجح له من صفات الفنان والمبدع اكثر مما له من صفات العالم والفقيه,.
د,زيد بن محمد الرماني
عضو هيئة التدريس بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية
عضو الجمعية الدولية للاقتصاد الاسلامي
عضو الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
مشكلة تحيرني
منوعــات
القوى العاملة
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved