الضمانات والوعود
أتى اليهود الى فلسطين منذ البداية عبر دهاليز السياسة البريطانية عندما كانت بريطانيا هي صاحبة الكلمة الاولى في ألعالم، وبدعم مباشر وغير مباشر من بريطانيا قامت المنظمات اليهودية المتعددة التي تولت استعمار فلسطين ويلاحظ الباحث المتفحص ان اليهود في جميع مراحل اغتصابهم لفلسطين كانوا يحصلون على الضمانات والوعود التي تكفل لهم نجاح خططهم ومساعيهم مقدما وخاصة من بريطانيا والدولة العثمانية قبل ان تسقط ومن الولايات المتحدة الامريكية الحامية الاولى في العالم لدولة اسرائيل الآن.
وكانت الضمانة الاولى التي تمتع بها اليهود المقيمون في فلسطين والمهاجرون اليها هي الحماية البريطانية التي بدأت منذ العام 1839م عندما اصدرت الدولة العثمانية ما عرف بنظام الامتيازات الاجنبية الذي منح الدول الاوربية حق حماية رعاياها ومن تشاء حمايتهم من الاقليات في الدولة العثمانية من ان تطبق بحقهم القوانين العثمانية حيث اعلنت آنذاك بريطانيا حمايتها لليهود في فلسطين وفتحت قنصليتها في القدس لهذا الفرص ولمنح التائهين والمطاردين من يهود العالم جوازات سفر بريطانية توفر لهم الحماية المطلوبة وتعطيهم حق دخول فلسطين والاقامة فيها (1) .
وكانت الضمانة الثانية الفرمان الذي اصدره السلطان عبدالمجيد عام 1856م بتخويل اليهود تملك الاراضي في فلسطين وهو الفرمان الذي تزامن صدوره مع اول فوج مهاجرين قدموا الى فلسطين (2) .
وفي عام 1870م حصل اليهود على موافقة الحكومة العثمانية والسلطان عبدالعزيز ومجلس الشورى العثماني على اقامة اول مستعمرة يهودية في فلسطين (3) .
ثم توالى تدفق المهاجرين اليهود الى فلسطين واقامة المستوطنات فيها تحت مظلتي الحماية البريطانية والتسهيلات العثمانية فكانت بريطانيا تشجع اليهود على التوافد الى فلسطين وتبذل قصارى جهدها في هذا السبيل، وكانت الدولة العثمانية تذلل اية عقبات قد تعترض سبيلهم سواء بانتزاع الاراضي من ملاكها الفلسطينيين وتسليمها لليهود او بطرد الموظفين الذين يحاولون الحد من عمليات الاستيلاء على الاراضي واحلال موظفين متعاونين محلهم، من ذلك - مثلا - طرد رئيس المحكمة التجارية في يافا الذي رفض تسجيل الشركة الانجليزية الفلسطينية التي كان هدفها الحصول على امتيازات استعمارية في فلسطين (4) وكذلك تعيين احد المتحمسين للهجرة اليهودية الى فلسطين متصرفا للقدس (5) .
لكن رموز اليهودية العالمية ورواد الهجرة الى فلسطين لم تكفهم تلك الضمانات والتسهيلات التي فتحت لهم ابواب فلسطين على مصاريعها ليتوافدوا اليها من كل حدب وصوب، بل أرادوا ما هو اكثر من ذلك حيث تنادوا الى عقد المؤتمر الصهيوني الاول في مدينة بازل في سويسرا عام 1897م ورأوا ان ماتم من هجرة الى فلسطين وما تحقق من بناء العديد من المستعمرات والمؤسسات الاستعمارية فيها ما هو الا انجازات عشوائية لم تحقق الطموحات المرجوة وانه لابد من عمل منظم يؤدي الى قيام الدولة اليهودية التي يتطلعون اليها او لعل هذا هو ما ارادته السياسة الامبريالية البريطانية فحركت اليهود اليه من وراء الكواليس باعتبار ان فكرة تحويل فلسطين الى مستعمرة يهودية هي فكرة بريطانية في الاساس، وباعتبار ان ما تحقق من نجاح الى ما قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الاول كان مشجعا للتقدم خطوة اخرى الى الامام في تنفيذ تلك الخطة نحو غايتها القصوى.
ومما يعزز الاعتقاد بأن السياسة البريطانية هي التي حفزت رموز اليهودية العالمية على عقد المؤتمر الصهيوني والمضي قدما في خطة استعمار فلسطين ان الذي تصدى لهذه المهمة هو الصحفي النمسوي اليهودي البارع تيودور هرتزل الذي لم يكن اكثر من صحفي محترف ولم ترصد له اية اهتمامات في هذه القضية قبل عام 1895م عندما شرع يعد كتابه (الدولة اليهودية) الذي اصدره عام 1896م مستلهما مادته من الخطة التي تبناها من قبل رئيس وزراء بريطانيا اللورد فايكنت بالمرستون وبعد ذلك بدأ تيودور هرتزل نشاطه المكثف واتصالاته المحمومة لعقد المؤتمر الصهيوني الاول من اجل وضع البرنامج العملي المنظم لاستعمار فلسطين.
ان ظهور هرتزل المفاجىء على الساحة الدولية كزعيم للصهيونية اي زعيم ليهود العالم دون ان يكون له ماض نضالي انما يؤكد ان قوة امبريالية عظمى كانت تقف وراءه، ومن تكن هذه القوة غير بريطانيا العظمى التي اعدت الخطة اصلا وايقظت اليهود لتنفيذها؟ واذا كان هذاصحيحا فلماذا لا تكون هي التي صنعت هرتزل ليقوم بما قام به؟
لقد كافح الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وناضل نضالا مريرا اكثر من جيل كامل منذ ان كان طالبا ورئيسا لنقابة الطلبة وفدائيا وقائدا لفدائيي (فتح) وزعيما لمنظمة التحرير الفلسطينية حتى صار اسمه يردد يوميا من قبل ملايين الاشخاص وآلاف الاقلام وفي مئات النشرات والاذاعات من شعبه الذين هبوا معه الى ساحات النضال ضد العدوان اليهودي عليهم وعلى بلادهم وكذلك من قبل الاطراف الاخرى الموالية او المناوئة في مختلف اقطار العالم، ومع ذلك لم يعترف به كزعيم وبمنظمته كممثل للشعب الفلسطيني الا بعد عشرين سنة على مستوى العالم العربي وثلاثين سنة على مستوى الرأي العام العالمي وأربعين سنة على مستوى الدول العظمى، فكيف تم الاعتراف ب هتزل زعيما صهيونيا بين عشية وضحاها وهو لم يكن اكثر من صحفي محترف، لم يطلق طلقة واحدة من اجل فلسطين او حتى تطأها قدماه, وكيف يعترف بالمنظمة الصهيونية ساعة ولادتها مع ان جميع اعضائها هم مواطنون في الدول الاوربية وليست لاي منهم اية صفة من صفات المواطنة الفلسطينية الا يدل ذلك على ان جهة امبريالية معينة هي التي اختلقت تلك الترتيبات في دهاليزها السرية؟ ومن تكون هذه الجهة ان لم تكن هي المخابرات البريطانية؟ ويعدد الدكتور عبدالوهاب الكيالي في كتابه (تاريخ فلسطين الحديث) الاسباب الاستراتيجية الكامنة وراء تأييد بريطانيا للحركة الصهيونية والتي نلخصها على النحو التالي:
اولا: حماية قناة السويس.
ثانيا: حماية طريق الهند البري.
ثالثا: الحيلولة دون قيام دولة عربية قوية.
رابعا: وضع عقبة كأداء دون توسع النفوذ الالماني في المنطقة.
خامسا: الحد من النفوذ الفرنسي.
سادسا: تحويل هجرة اليهود الروس من اوربا الى فلسطين لتخفيف الضغط الذي تسببه تلك الهجرة على اوربا وخاصة على بريطانيا (6) .
ويبدو أن رموز الصهيونية العالمية وعلى رأسهم تيودور هرتزل قد ادركوا ما هي المنافع الامبريالية التي تعود على الانجليز من وراء تحويل فلسطين الى مستعمرة يهودية فبالغوا في المساومات والاشتراطات ذلك انهم بعد الاتفاق على اتخاذ جميع التدابير التي تمكنهم من تحويل فلسطين الى ارض يهودية وخلق وطن قومي فيها وبالتالي دولة لهم قرروا ايضا الحصول على ضمانة دولية تكفل تحقيق هدفهم (7) .
وكانت بريطانيا هي الدولة الوحيدة التي يمكن ان تعطيهم مثل هذه الضمانة فيما لو كانت فلسطين تحت سيادتها، وبما ان فلسطين كانت تحت الاحتلال العثماني، والدولة العثمانية هي التي كانت تستطيع ان تقول نعم او لا لمثل هذا المطلب فان بريطانيا ما كانت تستطيع الا الاستمرار في حمايتها لليهود حسبما يعطيه لها نظام الامتيازات الاجنبية العثماني وتقديم جوازات سفر بريطانية لليهود بما يخولهم دخول فلسطين والاقامة فيها والضغط السياسي الى اقصى حد ممكن على الدولة العثمانية لتقديم المزيد من التسهيلات للمستعمرين اليهود.
ولذلك اتجه هرتزل الى السلطان عبدالحميد وقدم له العروض المغرية وبذل الرشاوى الكبيرة لموظفي البلاط العثماني مقابل ان يتعهد السلطان عبدالحميد بمنح فلسطين وطنا قوميا لليهود وبما انه لم يتوفر حتى الآن اية وثيقة خطية توضح ماذا تم من محادثات بين الاثنين حسب علمي رغم كثرة ما قيل حول هذا الموضوع فان الذي يمكن ان يجزم به الباحث الموضوعي هو ان السلطان عبدالحميدرأى ان الامتيازات والتسهيلات التي اعطيت لليهود حتى ذلك الوقت كافية لتحقيق طموحات اليهود في فلسطين وان اعلان تعهد جديد قد لا يفيد اليهود بل قد يضر بهم وبالدولة العثمانية لانه سوف يفجر الاوضاع في المنطقة لاسيما ان الاحتجاجات العربية قد تصاعدت من قبل الاهالي ووصلت الى درجة الاصطدام المباشر بين العرب واليهود في فلسطين وان الرأي العام العربي أخذ يدرك مخاطر الهجرة اليهودية الى فلسطين ويدرك مغزى اقامة المستعمرات فيها فصارت الصحف تنشر سيلا من الاحتجاجات والتحذيرات عما يجري فعلا وتكشف تواطؤ الموظين العثمانين مع اليهود، واخذ المثقفون يوجهون النقد مباشرة الى الحكومة العثمانية ويحملونها مسئولية ما يجري خاصة ما يتعلق ببيع الاراضي للمنظمات اليهودية ووصل ذلك الى اوساط المسئولين العثمانين انفسهم حيث كان يطرح المنتقدون العرب مخاطر ما يحدث وطالبوا بوضع حد لعملية تهويد فلسطين (8) .
ان السلطان عبدالحميد بن عبدالمجيد لم يتخذ اي اجراء للحد من تدفق الهجرة اليهودية الى فلسطين او الحد من عملية استيلاء اليهود على المزيد من الاراضي وتهويد فلسطين، لم يلغ السلطان عبدالحميد الفرمان الذي اصدره والده عبدالمجيد عام 1856م بحق اليهود في تملك الاراضي في فلسطين، ولم يلغ الامتياز الاستعماري الذي وافق عليه عمه السلطان عبدالعزيز عام 1870م ولذلك فان الذين يبرئون السلطان عبدالحميد من مسئولية تسليم فلسطين لليهود لا يستندون الى اي دليل مادي، والقول ان السلطان عبدالحميد خسر عرشه ونفسه لانه رفض مطالب هرتزل غير واقعي والصحيح ان يقال ان السلطان عبدالحميد خسر عرشه وملكه لانه رفض المطالب العربية في الحيلولة دون تهويد فلسطين فالقياديون العرب في الجيش العثماني كان لهم دور فاعل في الانقلاب الذي اطاح بالسلطان عبدالحميد، ومن ذلك ان اخر محاولة قام بها السلطان عبدالحميد للتشبث بالحكم تم سحقها من قبل القائد العربي لمنطقة سالونيك محمود شوكت باشا (9) .
واذا اخذنا في الاعتبار سياسة السلطان عبدالحميد القمعية وبالذات ضد العرب والتي استفاد منها اليهود، وكذلك تدخل الدول الاوربية في الشئون الداخلية للدولة العثمانية وبالذات التدخل البريطاني والذي اضر بالعرب واستفاد منه اليهود الذين كان لهم وضع دولة داخل الدولة بفضل الحماية البريطانية اذا اخذنا هذا في الاعتبار فإن القضاء على السلطان عبدالحميد هو لمصلحة العرب وليس لمصلحة اليهود، ولكن هذا لا ينفي الا تكون لليهود يدمع مع الايدي التي طوحت بهذا السلطان المستبد، وذلك من باب الحسابات المستقبلية على الاقل والتي ان فاتت على اليهود فلن تفوت على الانجليز اصحاب فكرة تحويل فلسطين الى مستعمرة يهودية والذين كان لهم نفوذ واسع على الدولة العثمانية قبل السلطان عبدالحميد وبعده.
كانت قضية تهويد فلسطين واحدة من القضايا العربية الجوهرية التي كانت الطلائع العربية آنذاك تطمح الى حلها والتي دفعت بعدد من القياديين العرب في الجيش العثماني ان يتحالفوا مع زملائهم القياديين الاتراك في الاطاحة بالسلطان عبدالحميد، وعلى مدى بضعة اشهر فقط من سقوط السلطان عبدالحميد عمل العرب على تعزيز فكرة الاخاء العربي التركي باخلاص وحسن نية وأسسوا جمعية بهذا المعنى ولهذا الغرض، وبدا لهم اي للعرب، ان كل ما يطمحون اليه سوف يتحقق في ظل الاوضاع الجديدة، لكن هيهات، فقد عمد القادة الاتراك الجدد الى انتهاج قومية طورانية متطرفة وتشددوا في تطبيق ادارة مركزية ألغت كل نوع من انواع الانفتاح الاداري في الولايات العربية وجاهروا بسياسة (التتريك) التي كانت مطبقة من قبل ولكن بشكل اخف، وضربوا بكل اماني العرب وطموحاتهم عرض الحائط واندفعوا خطوات اكثر من اسلافهم في التواطؤ على تهويد فلسطين (10) .
وفي عام 1909م سمحت جمعية الاتحاد والترقي التركية للمنظمة الصهيونية بفتح مكتب لها في استانبول وكان من بين مهامه شراء المزيد من الاراضي والحصول على المزيد من الامتيازات الاستعمارية في فلسطين وفي الوقت ذاته صرح وزير الداخلية العثماني طلعت بك بانه يرحب بالهجرة اليهودية الى جميع انحاء الدولة كما سمح لليهود في فلسطين بتشكيل وحدات حراسة يهودية باسم ها شومير للدفاع عن المستعمرات اليهودية (11) .
وفي عام 1912م بلغ عدد المستعمرات اليهودية في فلسطين اربعين مستعمرة، وفي هذا العام خرجت من الحكم جمعية الاتحاد والترقي وحل محلها حزب الحرية والائتلاف فاستمر التواطؤ مع اليهود، بل زاد وفي عام 1913م شهدت سوريا بوجه عام وفلسطين بوجه خاص حملة عارمة من الاحتجاجات ضد بيع اراضي الدولة في بيسان التي كانت قد صادرتها من الملاك العرب في بيسان وغيرها، تم بيعها لليهود، وجاء في احتجاجات الاهالي الفلسطينيين ان اراضيهم اغتصبت منهم وسجلت باسم السلطات وهي الآن تباع لليهود, (12) .
وفي هذا العام اتخذت السلطات العثمانية اجراءات تأديبية ضد الصحف المعارضة للخطط اليهودية الاستيطانية في فلسطين وتأكد للعرب آنذاك ان الحركة الطورانية التركية والحركة الصهيونية متحالفتان ضد العرب، ففي عام 1914م اقام المستوطنون اليهود في فلسطين وتحت سمع وبصر السلطات العثمانية استعراضا عسكريا في مستعمرة رحبوت حضره اليهود من جميع انحاء المستوطنات اليهودية في فلسطين, (13) .
وفي عام 1915م وضع الاتراك ايديهم على خطة عربية للتخلص من الصهيونية تقضي باضرام النار في المستعمرات اليهودية وطرد اليهود وجاء في تلك الخطة ان الصهيونية هي ألد اعداء العرب (14) وجاء ايضا ان هذا هو السبب الذي من اجله كان الاتراك على استعداد لمساعدة الصهيونية، وفي هذا العام والعام الذي يليه صدرت احكام عثمانية باعدام ثلاثة وثلاثين من زعماء العرب في مناطق سوريا، وكان من بينهم ثمانية فلسطينيين هم من ابرز المعارضين للمؤامرة اليهودية لاغتصاب فلسطين وهؤلاء الثمانية هم كل من:
- الشهيد حافظ السعيد من وجهاء يافا خفف عنه الاعدام بالمؤبد ومات في السجن.
- المجاهد الشيخ سعيد الكرمي من وجهاء طول كرم خفف عنه الاعدام بالمؤبد.
- الشهيد علي القشاشيبي من وجهاء القدس اعدم.
- الشهيد سليم الاحمد عبدالهادي من وجهاء يافا اعدم.
- الشهيد محمد الشنطي من وجهاء يافا اعدم.
- الشهيد سيف الدين الخطيب من وجهاء حيفاء أعدما.
- الشهيدان جميل الحسيني وابنه مصطفى من وجهاء القدس أعدما (15) .
وقبل ان ترتكب الدولة العثمانية تلك الجريمة ضد العرب كان العرب قد بذلوا جهودا مكثفة في محاولة احتواء الهجرة اليهودية الى فلسطين بشكل لا يتعارض مع هوية فلسطين العربية اي ألا تتم هجرة اليهود الى فلسطين على شكل استعمار اجنبي، لكنّ الصهيونيين لجؤوا الى رجال الدولة العثمانية من الاتراك وبذلوا لهم الاموال الطائلة وعقدوا معهم الاتفاقيات السرية من اجل تحقيق مطامعهم في فلسطين دون التفات الى معارضات العرب وما يطرحونه من افكار من شأنها ان توجد شروط وضوابط معقولة للهجرة اليهودية الى فلسطين، ولذلك نظر العرب الى غدر الاتراك بهم ودسائسهم التي يحيكونها مع الصهاينة من وراء ظهورهم على انها مما لا يجوز السكوت عليه فكان ذلك من اهم العوامل التي ادت الى الفراق بين العرب والاتراك ومطالبة العرب سرا وعلنا بالاستقلال العربي التام عن الدولة العثمانية (16)
وينبغي ألا يفوتنا ان الفلسطينيين لم يغمضوا أعينهم على الضيم فقد جاهدوا جهادا جبارا للحيلولة دون تهويد فلسطين وعملوا على التمسك بارضهم، ولكن المؤامرة كانت اكبر منهم، فقد كان الفلسطينيون لا يزيدون على ستمائة الف نسمة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ويشمل ذلك اهالي المدن والقرى والارياف والبادية، وكانوا في حالة من التخلف كبقية الشعوب العربية التي ترزح تحت الحكم العثماني الموغل في الانحطاط في كل جانب من جوانب الحياة ما عدا بناء القصور الفخمة التي يسكنها ارستقراطيوهم وبعض المساجد التي كان الهدف من تشييدها تخليد اسماء سلاطينهم، وكان الفلسطينيون من افقر الشعوب العربية بسبب ما هو مفروض عليهم من تخلف وبسبب الضرائب التي كانت تُفرض عليهم عندما يتخلفون عن التجنيد والتي كثيرا ما ادت الى مصادرة اراضيهم وبيعها لليهود، وزاد من ضعف الفلسطينيين امام مؤامرة تهويد فلسطين تمزيق فلسطين اداريا حيث جعلت القدس وما حولها تابعة لوزارة الداخلية العثمانية مباشرة، يبيع الموظفون ويشترون في اراضيها بمعزل عن بقية مناطق فلسطين الاخرى التي الحق بعضها بولاية بيروت والحق البعض الاخر بولاية دمشق، فكان الاقطاعيون من بيروت ودمشق فريقا اخر في عملية سمسرة بيع الاراضي لليهود افرادا ومنظمات, (17)
لقد كانت هذه هي حال عرب فلسطين في حين كان اليهود مسلحين بثلاثة اسلحة لم يكن الفلسطينيون يملكون مثلها، اولها المال حيث فتح اثرياء اليهود في العالم خزائنهم الهائلة لتمويل المهاجرين اليهود بكل ما يمكنهم من تملك الاراضي الخصبة واقامة المستعمرات الناهضة والعلم في مجالات الاستثمار الاقتصادي في المدن الفلسطينية، الامر الذي مكن اليهود من السيطرة على اقتصاد فلسطين بسهولة ، وثانيها ان المهاجرين اليهود كان يتم اختيارهم اصلا من العناصر القوية القادرة على بناء مجتمع استعماري ناهض، وثالثها ان اليهود كانوا يعملون وفق برامج منظمة تشرف عليها مؤسسات اعدت لهذا الغرض, (18)
وكانت الدولة العثمانية التي ارهقت كواهل المواطنين الفلسطينيين بالضرائب والخدمة الاجبارية واخضعتهم للقوانين الجائرة لا تكلف اليهود باي شيء، فهم مُعفون من الضرائب ومن الخدمة العسكرية ولاتتدخل الادارة العثمانية بشئون المستوطنات اليهودية باي شكل من الاشكال فقد كانوا دولة داخل الدولة تحميهم بريطانيا وترعى مصالحهم بواسطة قنصليتها في القدس التي انشئت اصلا لهذا الغرض.
وبالاضافة الى هذا الواقع على الارض فان فكرة اجتثاث الفلسطينيين من ارضهم وارض ابائهم واجدادهم واحلال اليهود محلهم كانت فكرة امبريالية بلورتها على ساحة السياسة الدولية بريطانيا العظمى وتبنتها بشكل أو بآخر اكبر الامبرياليات في العالم انذاك فرنسا وامريكا والمانيا وروسيا ولكن الدور الاساسي الذي يعود اليه البدء في تنفيذ هذه الفكرة انما هو الدور الذي لعبته الدولة العثمانية التي لولا انها تواطأت مع اليهود والانجليز لما وجدت المقومات المختلفة التي قامت على اساسها دولة اسرائيل اللقيطة.
المراجع:
(1) تاريخ فلسطين الحديث ص 23 الدكتور عبدالوهاب الكيالي.
(2) مقدمة في تاريخ فلسطين الحديث ص 69 الدكتور عبدالعزيز محمد عوض.
(3) المرجع السابق ص 72.
(4) المرجع السابق ص 83.
(5) تاريخ فلسطين الحديث ص 42.
(6) المرجع السابق ص 28 - 33.
(7) المرجع السابق ص 29.
(8) المرجع السابق ص 39 - 43.
(9) يقظة العرب ص 180 جورج انطونيوس.
(10) لمحات عن القضية الفلسطينية ودور الملك عبدالعزيز آل سعود ص 61 ابراهيم المسلم.
(11) مقدمة في تاريخ فلسطين الحديث ص 58.
(12) تاريخ فلسطين الحديث ص 45 - 67.
(13) المرجع السابق ص 32.
(14) مقدمة في تاريخ فلسطين الحديث ص 173.
(15) يقظة العرب ص 282 - 284.
(16) مقدمة في تاريخ فلسطين الحديث ص 166 - 173.
(17) كيف اغتصبت فلسطين ص 81 للباحث.
(18) تاريخ فلسطين الحديث ص 31.
|