هناك في باحة المسجد الواسعة كان (سعيد الصغير) يجلس هناك على حصبائه,, يلتقط الحصباء بيده ويلقي بها قريبا منه, او يتناقلها بين يديه الصغيرتين في لهوه البريء الذي اعتاده هناك صباح كل يوم,, وفجأة يستلفت انتباهه (عصفور المسجد) على مقربة منه, وهو يقفز قريبا هنا وهناك,, فيظل (سعيد الصغير) يتابعه بنظراته اينما توجه,, وحينما طار (عصفور المسجد) راح (سعيد) - وقد احبه - يعدو خلفه ورام ان يمسك به,.
وهناك على الجانب الآخر من المسجد كان صبي الحي الآخر (مبروك الصغير) يهم بدخول باب المسجد ساعة خروج (العصفور),, فإذا ب(سعيد) يصطدم به بشدة وسط الباب, ليقع كل منهما هناك بالجانب القصي لشدة الاصطدام,, ويظلان يئنان من شدة الألم,, ولكن هول المفاجأة جعلهما ينسيان تلك الآلام, وأخذ كل منهما يربت على كتف الآخر ويسأله بصدق وببراءة الطفولة: عسى ألا يكون قد لحقه اذى بسبب ذلك,.
لقد تناسى صبيا الحي (سعيد) و(مبروك) من هول ذلك الاصطدام تلك الشحناء القديمة بينهما, وتناسيا رواسب الاحن وتلك الثارات والجراحات التي كانت عالقة بينهما منذ دهر وزمن بعيد,.
وبجانب المسجد وفي ساحته الواسعة المترامية الاطراف, راحت (حمامة المسجد) هناك بأعلى مأذنته, وسط فرخيها الصغيرين تغرد لما تراه من جميل اتفاقهما ونعيم اجتماعهما في عش واحد:
تبكي على فرخ لها ثم تغتدي مدلهمة تبغي له الدهر مطعما نؤمل من مؤنساً لانفرادها وتبكي عليه إن زقا او ترنما |
وبجانبه القصي ايضا راح كبار السن - وهم يرقبون طلوع الشمس هناك يتعجبون مما اتفق وقوعه بين (سعيد) و(مبروك) الصغيرين ويقولون ساعتها (سعيد أخو مبارك,, سعيد أخو مبارك),.
وينهض شيوخ الحي المسنين ليمسحوا على رأسي الصبيين,, وليغادروا باحة المسجد بعد ان صلوا وسألوا الله حسن العمل والتوفيق في الرزق,, وهناك راح كل منهم في دكانه,, ليحكي قصة (سعيد) و(مبارك) وكيف استطاع (عصفور المسجد) الصغير ان يوفق بينهما, وان يزيل ذلك الخصام الطويل, والذي كان قائما بينهما منذ زمن طويل,, الذي لم تفلح فيه كثير من التوسطات,, فكان ذلك الاصطدام العنيف الذي اتفق وقوعه بينهما, سببا في جعلهما يعيدان حساباتهما الصغيرة,.
حسن بن سعيد الدوسري
** بالنسبة لنا يمثل حسن الدوسري ظاهرة مثيرة، هو كاتب بالغ الغزارة في الانتاج ولكنه الى جانب ذلك يتمتع بحس تراثي رائع وبقدرة على الالتقاط لافتة لا تفلت منها ادق التفاصيل وكأنه يقف امام المشهد يتأمله ويتفحص جزئياته الصغيرة، يمسكها بيديه ليصفها بدقة، وهو فنيا ينحصر معظم انتاجه من القصة القصيرة في قصص المشهد الوصفي، وان تجاوزه قليلا فلكي يتحول إلى الكشف عن العلاقات التي تربط الاشخاص بالمشهد الذي توقف امامه, له قصص اكتملت حبكتها الفنية،
ولكنه غالبا ما يفسد هذا الاكتمال بدرجة من الدرجات باصراره على اقحام الاستشهادات من الشعر حتى وان كانت شديدة الارتباط بسياق القص فإنها توقظ القارئ من انسيابه مع القصة ليشعر انه امام كاتب يمارس حرفة الكتابة، وكذلك باصراره على الشرح وقد تقدم هذه القصة (عصفور المسجد) مثلا على هذه الملاحظات فاستشهاده بأبيات اليمامة التي تبكي فرخها ربما جاء في سياق عصفور خاضع لنفس الحالة من حيث تأمله لذلك السكوت وتلك الهدأة التي يشمل بها المكان (المسجد) كل الذين يدخلونه مع ذلك فالاستشهاد مقحم على سياق القص كذلك السطور الاخيرة من القصة (وهناك راح كل منهم في دكانه,,,, الخ) لان تلك السطور تقول بالضبط ما يمكن ان يخرج به من القصة قارئها الذي يدرك حكمة الخالق في ان عداوة تستمر سنوات طويلة وتنتقل من جيل إلى جيل يشاء الله ان يضع لها حداً بعصفور صغير كان ينعم بالسلام في بيت الله، ليأتي صديقنا حسن - بإصرار ان يضمن ان الاثر النفسي الذي تتركه القصة هو هذا بالتحديد - فيكتبه صراحة في سطوره الاخيرة.
هذه السطور بغير شك زيادة لا مبرر لها تثقل القصة اكثر مما تضيف إليها شيئا.
نحن سعداء بانتاج صديق الصفحة حسن الدوسري وأكثر سعادة بأي عمل جديد نراه قد تخلص فيه من هذه الهنات الصغيرة.