قد لا أكون مسرفا بالقول ان بعض الاصطلاحات والمفاهيم الانسانية يصعب تعريفها او قياسها مجردة اذ لابد لنا من معرفة ما يصاحبها من سلوك! فهناك مساحة وابعاد (سيكولوجية) يجب تشخيصها لمعرفة تلك المفاهيم ومدلولاتها, فالغيرة مثلا ثمة من يعرفها بأنها صفة ذميمة! وآخر يصفها بأنها محفزة للنجاح!! والسؤال الناجز ايهما اصح؟!
والجواب الجازم كلاهما صحيح وهذا ليس (لغزا) لان تعريفاتهم اتت من الزاوية النظرية والتي غالبا ما تخضع لاختلاف الرؤى! زد على ذلك وهو الاهم ان بعض المفاهيم الانسانية تقبل القسمة على اثنين! الى ذلك فالامر يختلف عمليا فانك ان اردت ان تصف غيرة شخص ما لابد من معرفة سلوكه وتبعاته وتضع المفهوم في حيزه العملي وعلى اية حال فما تقدم من سياق لا يبعد عن محور الموضوع ان لم يكن مدخلا له,, فالقلق كثيرا ما يوصف بأنه مرض ونذير سوء لدرجة انك عندما تسمع ان فلانا قلق يتبادر للذهن ان شخصيته مضطربة ينخرها اليأس والهواجس المعتمة؟! وأبعد من ذلك فالبعض لا يكاد يفرق ما بين القلق والاكتئاب والوساوس القهرية وغيرها من الامراض النفسية فها هنا الخطأ ووجه الخلل في ذلك ان القلق ليس دليلا على قصور او اعتلال في الشخصية، بل قد يكون على العكس من ذلك تماما! فربما كان القلق الطريق لمدارج التفوق والنجاح ولا أظننا بحاجة لكبير عناء لاثبات صحة ذلك فالطالب يقلق لقرب موعد الامتحانات فيدفعه قلقه لمزيد من المذاكرة والتحصيل علما بأنه قد يكون من المتفوقين جدا!! والزوجة تقلق على زوجها لانه اظهر فتورا في علاقته بها فيدفعها ذلك لتلمس جوانب التقصير متوسلة في ذلك السبل الكفيلة لاستعادة ود زوجها وينسحب ذلك على الزوج في علاقته مع زوجته وفضلا عن هذا وذاك قلق المسؤول الذي يحرضه لشحذ الأفكار واذكائها طمعا في تقديم افضل الخدمات في مجال عمله وفي الحيز نفسه,, ألستم معي بأن المشاهير واصحاب المراكز المرموقة هم اكثر اصابة بالقلق؟! لاشك الامر طبيعي مرده لئلا يتدنى مستواهم الذي حققوه من مكانة رفيعة, والسؤال الذي يبرز هنا ما الملامح التي يمكن الاستدلال بها لمعرفة الفرق بين القلق الصحي والقلق المرضي؟! والجواب ان القلق الصحي لابد ان يرافقه الوعي ومهارة التعامل مع القلق ومؤشراته الفعالية والطموح المتصاعد اما القلق المرضي فيلازمه الاحباط لعدم القدرة على استبصار مكامن القلق واسبابه! وقياسا على ما تقدم يمكننا تصنيف الموظفين,, فهناك موظف يعي ما يقلقه ويتعامل مع القلق على نحو يتسق وينسجم مع ما لديه من امكانات بكفاءة وفعالية متزنة وبالقطع فهو موظف منتج وعنصر مهم في عمله وهذا النموذج من الموظفين يجسد القلق الصحي,, وآخر من الموظفين يعي تماما ما يقلقه بيد انه لا يستطيع محاكاة ذلك القلق مخافة ان يخفق! وذلك نتيجة لعدم ثقته بما لديه من قدرات وهذا الصنف من الموظفين بحاجة لقدر من الشجاعة لمواجهة وتحدي الذات,, واللافت ان هذا الموظف قد يكون لديه من الامكانات اكبر بكثير مما يقلق منه؟! وصنف ثالث من الموظفين يجسد القلق المرضي السلبي فهو لا يعي سببا للقلق فقط يقلق لمجرد القلق؟! وتكمن خطورة هذا النوع من القلق في احتمال تطوره وتحوله الى توجس وخوف من المجهول وربما يصبح فريسة تتجاذبه الاوهام فمن المؤكد والحالة هذه انه موظف يفتقر لابسط مقومات النجاح, وهناك نوع أخير من الموظفين لا يمكننا اغفاله وهو الذي لا يقلق مطلقا! ويقينا لكنه ليس لديه ما يقلق عليه! انه اذن مترهل الحس يعمل بلا هدف وعلى الهامش ولا يملك من الطموح قيد انملة وعلى الارجح ان حظه من التحصيل العلمي والثقافي متدن ونلخص مما تقدم ان القلق الصحي مطلب اساسي ليس في مجال الوظيفة فحسب، بل في شتى مناحي الحياة ومن المفيد جدا ان نستثمر القلق ونجعل منه آلية لتطوير وتفعيل ذواتنا لما فيه خدمة للمجتمع، وللوصول لذلك علينا بداءة ان نعرف ما يقلقنا تحديدا؟! اسبابه؟ ومن ثم التعامل معه بموضوعية والاهم عدم المبالغة والاسراف في القلق.
علي بن سعد الزامل