Friday 9th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 25 ربيع الاول


من وحي المنبر
الغضب وعلاجه
الشيخ الدكتور/صالح بن عبد الرحمن الأطرم *

الحمد لله ذي العظمة والجلال العزيز الغفار، احمده سبحانه من إله عزيز ذي انتقام واشكره على امهاله وحلمه وسعة عفوه، ونعم لا تحصى ولا تعد، وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له في اسمائه وصفاته وفي عبادته وفي ربوبيته، واشهد ان محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، الداعي الى رضوان الله والطمع في مغفرته، والتخويف من غضبه، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله واصحابه المشمرين الى طلب عفو الله والخائفين من الوقوع فيما يسخط الله.
أما بعد:
أيها الناس,, اتقوا الله، واعلموا ان الرسول صلى الله عليه وسلم اعطي جوامع الكلم من ربه سبحانه وتعالى لعلمه بخلود الشريعة وبقائها وشمولها، وهذا الأمر لا يحصل الا بقواعد وأسس فمن جوامع الكلم التي حوت لنا كل خير ونفت عنا كل شر نطق بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى مقالته للرجل الذي قال اوصني فطلب الوصية من الرسول صلى الله عليه وسلم عدة مرات وفي كل مرة يقول الرسول المعلم (لا تغضب) وفي بعض الالفاظ ان الرجل قال: قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار ولا تكثر علي: قال: (لاتغضب), ومعلوم ان الوصية طلب الشيء مع تأكيده, فالرسول صلى الله عليه وسلم أكثر عليه بعدم الغضب, والغضب لفظ وارد في الكتاب والسنة، يكون من الله بمعنى إنكاره على من عصاه وسخط عليه واعراضه عنه ومعاقبته له ويكون من الناس على ضربين محمود ومذموم فالمحمود ما كان في جانب الدين والحق اما المذموم ما كان في خلافه, وما نهى عنه الرسول هذا الرجل من قبيل المذموم ولهذا قال الرجل ففكرت حينما قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله.
ايها المسلمون,, إن وصية النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل ليست له وحده بل هي لكل من يأتي بعده الى يوم القيامة فجدير بكل مسلم التخلق بخلق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأن يعقل ما يقول ويتفهم معناه ومما لا شك فيه ان صفة الغضب مذمومة لما يترتب على وجودها من جلب الشر وعدم إدراك الخير لأن الغضب هو غليان دم القلب طلبا لدفع المؤذي عنه خشية وقوعه أو طلبا للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعد وقوعه، وينشأ عن ذلك كثير من الأفعال المحرمة كالقتل والضرب وأنواع الظلم والعدوان وكثير من الأقوال المحرمة كالقذف والسب والفحش وربما ارتقى الى درجة الكفر كما وقع لجبلة بن الأيهم، وكالأيمان التي لا يجوز التزامها شرعا وطلاق الزوجة الذي يعقبه الندم, وقوله صلى الله عليه وسلم لمن استوصاه (لا تغضب) يحتمل أمرين أحدهما: ان يكون مراده الأمر بالأسباب التي توجب حسن الخلق من الكرم والسخاء والحلم والحياء والتواضع والاحتمال وكف الاذى والصفح والعفو وكظم الغيظ والطلاقة والبشر ونحو ذلك من الاخلاق الجميلة، وصارت لها عادة أوجب لها ذلك دفع الغضب عند حصول أسبابه.
والثاني: أن يكون المراد: لا تعمل بمقتضى الغضب إذا حصل لك بل جاهد نفسك على ترك تنفيذه والعمل بما يأمر به، فإن الغضب اذا ملك شيئا من بني آدم كان الآمر والناهي له ولهذا المعنى قال الله عز وجل (ولما سكت عن موسى الغضب) فإذا لم يتمثل الإنسان ما يأمره به غضبه وجاهد نفسه على ذلك اندفع عنه شر الغضب، وامتدح الله من هذه صفته.
قال تعالى: (وإذا ما غضبوا هم يغفرون) وقوله تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، وكما حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من صفة الغضب وبيّن أنها داء مضر ينبغي التباعد عن الوقوع فيه، وهناك اسباب وعلاجات للغضب أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، من ذلك التعوذ بالله من الشيطان الرجيم حين وجود الغضب فهو علاج ما أحسنه يدل على الاعتصام بالله والالتجاء إليه من هذا الشيطان الرجيم الذي يريد ان يوقع الإنسان في الردى والهلاك ففي الحديث المتفق عليه انه استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن جلوس عنده واحدهما يسب صاحبه مغضبا قد أحمر وجهه فقال النبي (إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فقالوا للرجل ألا تسمع ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال إني لست بمجنون.
ثانيا: من الأسباب المهدئة للغضب جلوسه إن كان قائماً فإن أجدى ذلك وإلا فليضطجع.
وفي الحديث الذي أخرجه الامام أحمد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع .
قال ابن رجب في جامع العلوم والحم وقد قيل ان المعنى في هذا ان القائم متهيء للانتقام والجالس دونه والمضطجع ابعد منه، فأمره بالتباعد عنه حالة الانتقام.
ثالثا: من الأسباب التي تتخذ لدفع الغضب ومضاره السكوت, قال صلى الله عليه وسلم : إذا غضب احدكم فليسكت قالها ثلاثا: فهذا دواء عظيم للغضب، لأن الغضبان يصدر منه في حالة غضبه من القول ما يندم عليه في حالة زوال غضبه من السباب وغيره مما يعظم ضرره، فإذا سكت زال هذا الشر كله.
رابعا: من العلاجات النبوية لهذا الداء وحرارة الغضب هو ان يتوضأ او يغتسل لأن الغضب جمرة في قلب كل انسان ولهذا تحمر عيناه, قال صلى الله عليه وسلم : ان الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب احدكم فليتوضأ وقال معاوية: سمعت رسول الله يقول: ان الغضب من الشيطان والشيطان من النار والماء يطفىء النار فإذا غضب أحدكم فليغتسل .
نسأل الله العفو والعافية والتوفيق لاتباع الرسول في أقواله وأفعاله, اعوذ بالله من الشيطان الرجيم (والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون).
* عضو هيئة كبار العلماء

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
أفاق اسلامية
لقاء
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved