Friday 9th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 25 ربيع الاول


انطلاقاً من وسطية الإسلام الجزيرة تسأل
كيف نحقق التوازن لدى الداعية ؟!

* كتب - سلمان العُمري
تعاني الدعوة الى الله من انتشار العديد من الأفكار والمذاهب المنحرفة التي تخرج بالمسلم عن النهج الاسلامي القويم، حتى اصبح الداعية يقف حائرا بين اتهامه بالتزمت ، وبين اتهامه بالضلالة اذا حاول تحديث الدعوة لمسايرة المتغيرات المعاصرة.
الجزيرة طرحت هذه القضية على اثنين من رجال الدعوة والفكر الاسلامي لبحث امكانية ايجاد الداعية القادر على تفهم البدعة المنهي عنها والمحدثة المسموح بها من خلال ميزان الاسلام كتابا وسنة.
الحل في وسطية الإسلام
يقول فضيلة مفتي جبل لبنان الدكتور محمد بن علي الجوزو: عظمة الاسلام انه وضع الموازين الحق لمواجهة هذه الحالة من الافراد والتفريط بين الاصولي المتعنت والمحدث المتهتك، فكان هذا الدستور العظيم الذي نص على وسطية الاسلام,, (وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) فوضع لنا منهاجا سماويا لا يرقى اليه الريب او الشك وألزمنا به تطبيقا وسلوكا.
(ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن) (ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن).
واضاف فضيلته بقوله: هذا بالنسبة لاهل الكتاب، فكيف للحوار مع المسلمين الذين يحتاجون للارشاد والتوجيه منعا للانحراف وانتشار البدع والخرافات.
ان التشدد والغلو امر مرفوض اسلاميا,, (ان المنبت لا ارضا قطع ولا ظهراً ابقى) (الدين يسر، ولن يشاد الدين احد الا غلبه)، هذه تعاليم الداعية الاولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينتصر هذا الدين ، وينتشر في شتى انحاء العالم الا بفضل هذا المنهج القويم والحكيم.
ثم قال د, الجوزو: ولما كان العالم كله اليوم، يعيش عصر انتشار الكلمة والصورة عبر الاثير، فلا بد ان نخاطب العالم بلغة تقربه ولا تنفره، تقنعه ولا تستفزه، فتجعله يصغي اليك، ويقبل عليك، من هنا نحتاج الى الداعية الحكيم العاقل المثقف ثقافة دينية اصيلة وثقافة انسانية واسعة، تجعله خبيرا بعادات الشعوب وتقاليدها واساليبها الفكرية فيخاطب الناس على قدر عقولهم، وثقافاتهم، وطباعهم, وهؤلاء الدعاة يحتاجون الى الخبرة والدراية والاختبار الدقيق حتى ندفع بهم الى خضم المجتمعات الانسانية المختلفة ليقدموا الاسلام في احسن صوره الاخلاقية والاجتماعية والإنسانية.
واردف فضيلته قائلا: وما اروع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ان احبكم اليَّ واقربكم مني مجالس يوم القيامة احاسنكم اخلاقا، الموطؤون اكنافا، الذين يألفون ويؤلفون - وأضع هنا الف خط تحت كلمة يألفون ويؤلفون - وان ابغضكم الى المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبرآء العيب) فالداعية يجب ان يتسم بحسن الخلق، وبالتسامح وسعة الفكر وسعة الصدر، وان يألف الناس ويألفه الناس، ويحب الناس ويحبه الناس,, وهذا خطاب الله لرسوله شاهد على ذلك، (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك).
ويصف فضيلة المفتي الاصولي المتعنت بانه عبء على الاسلام وعلى دعوته وانه يسيىء الى الاسلام اكثر مما يحسن ويظهر الاسلام بمظهر الجمود والتخلف والفظاظة.
اما الانسان الذي يتظاهر بالعصرنة الى حد التهتك والتحلل فيقول عنه د, الجوزو بانه انسان إمَّعة لاقيمة له، لانه يسير وراء كل ناعق,, فهو يقلد تقليدا اعمى، ويتأثر بالعادات والتقاليد الوافدة,, فيحاول ان ينقلها الى مجتمعه باسلوب مشوه، وهؤلاء هم العلمانيون الذي ينادون بالانسلاخ عن حضارة الاسلام واصالته والالتزام بالفكر الغربي وتقليده والسير على منواله.
ويختتم مفتي جبل لبنان حديثه بان هؤلاء هم آفة المجتمعات الاسلامية اليوم وسبب بلائها والكثيرون منهم للاسف الشديد يمسكون بمقاليد السياسة والاعلام والتربية في بعض البلاد العربية والاسلامية وما نراه من ضياع اخلاقي وسياسي، في مجتمعاتنا سببه هذه الفئة من الناس التي تتبرأ من هويتها التاريخية والحضارية, وترى فصل الدين عن الدولة، والحاقنا بركب الغرب قسرا وعنوة.
أهمية القدوة الصالحة
كما تحدث رئيس المجلس العلمي للدعوة السلفية في فلسطين الشيخ ياسين بن خالد بن احمد الاسطل والذي يرى انا يمكننا اعداد الداعي الى الله سبحانه وتعالى الاعداد الواعي الدقيق من خلال القدوة الصحالة والمنهاج القويم بحيث يتصف المعلمون والمربون وكذلك الموجهون، بالصفات الكريمة التي تؤهلهم للقيام بهذه الوظيفة.
وقال فضيلته: ان الداعي الى الله يتتلمذ على ايدي علماء ومربين وموجهين وهذا يلزم معه ان يكون هؤلاء العلماء على درجة من العلم والتقوى والورع والفطنة والذكاء فهم قدوة هذا التلميذ الذي سيصبح يوما من حملة لواء هذا الدين، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: ( قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين).
واشار الشيخ الاسطل الى ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد اعد اصحابه - رصي الله عنهم - ليكونوا دعاة الى الله خير اعداد فكان لهم القدوة الصالحة والاب الحنون والمعلم الناصح والمربي الناجح وذلك كله على حجة وبيان وعلم وهدى واستقامة وهذه البصيرة هي المنهاج الصحيح الذي ينتهجه الداعي الى الله عز وجل وهنا فان اتباع السلف هو المنهج الصواب، والطريق السداد، والصراط المستقيم.
وطالب فضيلة الشيخ الاسطل بضرورة اعداد الداعية الذي يتصف بالعلم لقوله تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وبالفهم الدقيق والفقه الرشيد، حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) وبالعمل الصالح ، من عبادة ومعاملة، وسلوك واتباع.
كما أوضح فضيلته ضرورة اتصاف الداعية بالامانة والصدق، كما قال الله تعالى عن نبيه صالح وهود - صلى الله عليهما وسلم -: (اني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون) وفي الحديث: (إن تصدق الله يصدقك) وبالتضحية بالنفس والمال، قال سبحانه: (ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة) وكذلك بالادراك الشامل للواقع الذي يحياه في هذا العصر من القضايا الحساسة.
وعن اهم القواعد التي يجب ان نراعيها لتحقيق التوازن في الدعوة الى الله - عز وجل - يقول الشيخ الاسطل بانها تشمل: الاسترشاد بائمة العلم، وعلماء الدعوة اصحاب السن، والتجربة ذوي العلم الصحيح القائم على الكتاب والسنة بفهم سلف الامة وذلك لقوله تعالى: (,, اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم) وهذا يعني ان الداعي الى الله يستهدي بالطريق الذي سلكه من قبله العلماء العاملون والائمة المخلصون ، فهو ليس بدعا في الدعوة.
كما يجب عدم الاعتماد بالرأي الشخصي بل يتهم نفسه ويرى في حقها التقصير مهما بلغ في العلم والعمل، وان اشير اليه بالبنان، ونودي عليه بالعيان فمن فعل ذلك يخشى ان يكون كما قال الله عن فرعون (ما أريكم الا ما أرى وما اهديكم الا سبيل الرشاد) بينما قال الله سبحانه عن المؤمنين (وامرهم شورى بينهم).
مع ضرورة الاعتذار للآخرين مهما اخطأ المخطىء ما دام من اهل التوحيد، والاهتداء والتسديد، فلا يجوز ان يكفر او يفسق او يبدع الا بحجة وبيان، وان يكون العقل تابعا للنقل، فلا يقدم عليه ولا يساوي به ، وانما وظيفة العقل هي التدبر والتفكر، كما قال عز وجل (افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها).
واختتم رئيس المجلس العالمي للدعوة السلفية في فلسطين تحديده للقواعد بان على الداعية التفريق بين القضايا الدينية والامور الدنيوية والمخترعات المادية، فالقضايا الدينية في الاعتقاد والتعبد والاخلاق هي قضايا ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، بينما امور الدنيا تتغير وتتبدل بحسب المؤثرات وبحسب مدى الاطلاع على نواميس الكون وقوانين الخلق وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله في الدين: (من احدث في امرنا هذا ماليس منه فهو رد) بينما قال في شأن الدنيا: (أنتم اعلم بامور دنياكم).

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
أفاق اسلامية
لقاء
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved