Friday 9th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 25 ربيع الاول


التفكيك والانزياح في الشعر الشعبي

ويعني التفكيك كما يرى (دريدا ) تشريح الخطابات والنظم الفكرية، وإعادة النظر إليها بحسب عناصرها، والاستغراق فيها وصولا إلى الإلمام بالبؤر الأساسية المطمورة فيها، وبالتالي تهميش البنية التي لاتفسر شيئا، فهي ليست مركزا ولا قوة، وبذا فليس التفكيك سلبيا كما قد يتبادر إلى الذهن.
ويركز هذا الاتجاه على ثنائية الحضور والغيبة، فالحضور حسب التفكيك رهينة مرئية، والغياب ظلاله الكثيفة العميقة الغائرة، وهو المدلول الذي ينطوي على خاصية الانفتاح المستمر على القراءة، وهذا يقود إلى تعدد القراءة تبعا لاختلاف القراء، وهذه هي الخاصية الكبرى في النصوص الإبداعية في كافة مستوياتها، ويظهر بناء على ذلك أن التفكيك عمل يقوم به القارئ الناقد، وليس الشاعر المبدع المنزاح والذي يتيح انزياحه ممارسة التفكيك بعد الانتهاء من مرحلة الإبداع الشعري.
وعلى ذلك فينبغي التأكيد أن الانزياح عمل يمارسه الشاعر بالدرجة الأولى سواء كان ذلك بشعور أو دون شعور، ولكنه يتطلب موهبة فذة وقدرة فارقة، وذلك لأنه يتطلب خروجا عن المألوف في اللغة العادية كما في قول أبي تمام:
مازال يهذي بالمكارم والعلى
حتى ظننا أنه محموم
ففي استخدام الفعل (يهذي) في هذا السياق تجاوز للدلالات المعجمية المباشرة، وذلك لأنه أسنده للممدوح وجعله يقع على المكارم ليحقق بذلك التوتر والانفجار.
وكما يقع ذلك في الشعر العربي كذلك يقع في الشعر الشعبي، فالتجربة الشعرية متشابهة إلى حد كبير والفرق في الإنجاز النهائي وهو اللغة، وأما ما يسبق ذلك من عمليات فواحدة، فكما حدث في بيت أبي تمام يحدث في قول ابن عبار:
تسير بك سمر الليالي لمثواك
من طول المنزل لزوم رحيله

فإذا كان المألوف وصف الليالي بالسواد فقد تجاوز الشاعر ذلك عندما نعتها ب(سمر) لأن في السمرة معنى لايتحقق من خلال (سود) ففي السواد وضوح برغم سوء المصير بخلاف اللون المزيج بين الأبيض والأسود وعلى هذا يقولون (وقوع البلاء ولاانتظاره)وأحسب أني من خلال قراءات متعددة في التراث الشعبي وجدت ما يدعم هذا الزعم بداية برائعة السديري:
يقول من عدى على راس عالي
رجم طويل يدهله كل قرناس

والتي توصلت إلى أن فكرتها ماثلة في قوله
المستريح اللي من العقل خالي
ماهو بلجات الهواجيس غطاس

والامر نفسه حدث مع قصيدة محمد البليهي:
انا اصبح على الهوجاس كني قريص الداب
تلوت على رجله ودارت مثانيها
وكانت فكرتها الهامة ظاهرة في قوله:
وتصبر محمد لين قلبه وجسمه ذاب
زمان الفلس حالي على الفرن يشويها
ومن ذلك:
يابن رخيص خل عنا الزواريب
أعمارنا يابن رخيص عواري
وربما كانت لنا لقاءات أخرى مماثلة إن شاء الله ولعلها تكون قريبة مع نصوص أخرى.
أحمد بن سليمان المطرودي

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
أفاق اسلامية
لقاء
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved