Friday 9th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 25 ربيع الاول


الفنانة الفلسطينية لطيفة يوسف
البحر والصحراء أعطيا للفنان الخليجي رؤية بصرية عميقة وممتدة
* حركة الفن التشكيلي السعودي متنوعة وغزيرة
* مشاركة السعودية في بينالي القاهرة كانت مشاركة متميزة

لطيفة يوسف فنانة من الارض المحتلة,, تمتزج ألوانها بدماء الشهداء وتتحول لوحاتها الى صرخة ضد الظلم,, عاشت تعاني الرحيل من مدينة الى مدينة، صديقة لكل المدن للعربية ,, للفرشاة ,, للمساحة البيضاء,, صديقة للاسى النبيل,, ولكل انسان عربي,, اجرينا معها هذا الحوار وهي تغالب مشاعر الاسى احيانا,, وتبتسم احيانا,, ورغم انها اصرت ان تُخفي اكثر مما تقول، لكنها كانت شديدة الصدق والبساطة في كل ما قالته لالجزيرة :
الخليج يرسم وجه
الصحراء بماء البحر
* في بداياتك عملت بالبحرين ثم قطر,, فما هي حدود التأثير والتأثر في علاقتك بالخليج، وبالحركة التشكيلية هناك؟
- علاقتي بالخليج تشغل حيزا كبيرا من عمري,, من تكويني عملت بالبحرين كمدرسة فنون وشاركت فناني البحرين في العديد من المعارض، ثم سافرت للعمل بقطر كمدرسة فنون ايضا ووجودي في كلا البلدين له تأثير على اعمالي كما منحني فرصة مشاهدة معارض متعددة لفنانين اجانب وخصوصا من البريطانيين.
* وكيف ترين الحركة التشكيلية في الخليج؟
- هناك في قطر اسماء مهمة مثل يوسف احمد وسلمان المالكي,, والحركة التشكيلية في الخليج على وجه العموم قوية وبها تنوع وغزارة بسبب معايشة البحر لان تفاصيل البحر من جهة وكذلك وجود الصحراء من جهة اخرى، كل هذا اعطى للفنان الخليجي مساحة للتأمل مثلما نرى في اعمال عبدالكريم العريض وهو فنان مائيات ومن أرق الفنانين على مستوى العالم العربي,, هذا المناخ الرحب في الخليج يجعل الرؤية البصرية مفتوحة، وبالتالي يصبح الخيال نشيطا، والفن التشكيلي افضل معبر عن هذا الخيال مقارنة بالفنون الاخرى التي قد لا تتاح للمبدع الخليجي لانها تتطلب فريق عمل ومنها الموسيقى مثلا.
* قلت انك عملت كمدرسة فنون في اكثر من بلد خليجي,, فما هي الملاحظة التي تتذكرينها من خلال هذا العمل؟
- لقد لاحظت خلال عملي في المدارس الخليجية ان نسبة البنات الموهوبات بالفطرة نسبة كبيرة، ولو اتيحت لهن الفرصة لاصبح لهن شأن كبير، لكن للاسف هن محصورات في جوانب محدودة من الفن التشكيلي.
* لاحظت من كلامك عن الحركة التشكيلية في الخليج غياب الفنان السعودي؟
- الحقيقة انني لم تتح لي الفرصة للاحتكاك المباشر والمستمر لكني شاهدت مشاركة السعودية في بينالي القاهرة السابع، وبكل امانة كانت مشاركة متميزة للغاية ومتنوعة سواء في التصوير او في استخدام الخامات المختلفة,, ورغم انهم لم يحصلوا على جائزة في البينالي إلا ان جناح السعودية كان جميلا.
محطات وهموم
* أعلم ان الخليج لم يكن المحطة الوحيدة في حياتك فبجانب البحرين وقطر,, هناك ايضا تونس والقاهرة وبلاد اخرى,, ما احاسيسك حول تلك المحطات؟
- صدقني كان متاحا لي الهجرة المجانية الى بلاد غربية لكني رفضت فكرة الانتماء لاي ارض غير عربية، وعشت حياتي في تجوال دائم، اعمل وارسم واقيم المعارض هنا وهناك,, واتلمس هم الانسان العربي المشترك، فقضايانا العربية والاسلامية هي هي,, وان تلونت بظروف كل دولة على حدة!! واجمل ما في الانسان العربي هو مشاعره الجياشة التي لا تنضب والتي تظهر دائما في الوقت المناسب.
* لكن,, هذا التجوال يجعلني اتساءل: هل تبحثين عن الامان؟
- للاسف لا يوجد مكان شعرت فيه بالامان والاستقرار، فالمكان الذي اظل مطالبة به قانونيا حول وجودي ومبرر وجودي، من الصعب ان يجعلني اشعر بالراحة,, لقد قضيت عمري في شتات,, لم اشعر بالاب والام,, ومهما كان كرم الانسان العربي فانني اشعر دائما بكوني ضيفة، عليها ان تظل مهذبة دائما.
وبالرغم من العلاقات الانسانية مع اصدقاء من سائر الاقطار العربية إلا ان احساس الغربة كان الصديق, وفي كل مكان كنت اذهب اليه كان التساؤل الاول: اين الذهاب في المرة القادمة؟!
* ألم تشعري بالامان حتى بعد العودة الى الوطن؟
- عندما عدت الى رام الله بعد اتفاقية اوسلو كان لدي شعور بالامتنان والشكر لرب العالمين ,, واخيرا هناك شيء ما تحقق,, ولكن هذا لا ينفي شعور الغربة والمرارة داخل الوطن، نظرا لوجود الدوريات الاسرائيلية والمستوطنات والاحساس بانك مقيد الحركة حتى الاماكن التي كنت اعرفها واحلم باستعادة الذكريات فيها اصبحنا محرومين منها بقرارات اسرائيلية.
* هذا يطرح بالضرورة سؤالا حول السلطة الفلسطينية وحول طبيعة سلطة الاحتلال حاليا؟
- السلطة الاسرائيلية تتمتع بقصر النظر، فهي عندما تتعامل مع الانسان الفلسطيني وتفرض عليه الحظر تتخيل انها تقيد حريته والحقيقة انها تكشف عن عجزها وخوفها، فرغم كل الاحتياطات فان الخوف يأكلها من الداخل وبالنسبة للكلام حول السلطة الفلسطينية فلا نستطيع حاليا تقييمها خصوصا انها في مرحلة بناء وفي حاجة الى مفاوض عنيد يواجه شراسة المفاوض الاسرائيلي كما انها تمر بمرحلة انتقالية قد توجد نوعا من الانقسامات والغربة داخل الوطن، وهي ازمة لا تحل الا بمزيد من الديمقراطية واجتثاث الفساد من جذوره، ومد جسور الثقة بين القادم من خارج فلسطين والمقيم بها، واخيرا على السلطة ان تجيد وضع الانسان المناسب في المكان المناسب.
فلسطين ترسم الانتفاضة
* بحكم محطاتك الكثيرة ثمة سؤال يفرض نفسه,, ما مدى علاقتك بالحركة التشكيلية في فلسطين؟
- سواء كنت في الخارج او الداخل ثمة تماس مباشر، وقد ساهمت بعد رجوعي الى الوطن في اقامة المعارض والديكورات وتجميل الميادين,, واعتقد ان الفنانين الذين كانوا في الشتات اضافوا للحركة التشكيلية خبرات جديدة، فبعد ان كانت الحركة التشكيلية تحريضية فحسب، وبعد وجود السلطة الفلسطينية اصبح هناك رغبة في التجديد ومواكبة حركة الفن المعاصر، لكن ينقصنا الاحتكاك المباشر بالعالم الخارجي وهذا الانغلاق بحكم سياسة الاحتلال.
* ألم يكن هناك دور للفن التشكيلي في المقاومة؟
- بالطبع له دور كبير يتكامل مع دور المناضل والسياسي، ففي فترة من الفترات كان (البوستر) هو الخط الاول والاساسي للحركة التشكيلية، يليه إعلام الجداريات الذي كان من اخطر ما يوجه سلطة الاحتلال فأطفال الشوارع كانوا يفرغون طاقاتهم على اسطح الجداريات سواء بالكلمة او الرسم,, وفتحي غبن احد الفنانين الفلسطينيين الذين اعتقل اكثر من مرة بسبب جدارياته,, وفي النهاية يشكل الفن التشكيلي واجهة اعلامية تعكس قضيتنا والواقع القائم الى لغة بصرية يفهمها العالم اجمع، بدليل ان البوستر العفوي الذي كان يرسمه اطفالنا كان يوزع وبدعم من مؤسسات عالمية في انحاء مدن العالم.
* وهل تغيرت الاوضاع في ظل السلطة الوطنية؟
- مع وجود السلطة الوطنية اصبح هناك اهتمام اكبر بتجميل الميادين والشوارع واقامة المتاحف وتطوير الحرف الشعبية وكذلك استرداد أزيائنا ومنسوجاتنا الشعبية التي تسطو عليها اسرائيل في محاولة لطمث عروبة فلسطين.
لحظة الإبداع
* اقمت عددا من المعارض في فلسطين وبعض الدول العربية والاجنبية,, فهل تشعرين ان الاهتمام بأعمالك لانك فنانة ام لانك فلسطينية؟
- في البداية كنت مثل اي فنان فلسطيني مع القضية الفلسطينية في كل ما ارسمه او اصممه، ومنذ التسعينات بدأت مرحلة جديدة اقرب الى الرؤية الذاتية ومحاولة الخروج من المألوف، والتجريب في الخامة والاداء,, ووجدت احتفاء بي في اسبانيا، فاشترى بعض الاسبان لوحاتي وقدمت حلقة تلفزيونية عن اعمالي التي وصفها النقاد بأنها لا تبالغ في طرح الجرح الفلسطيني بقدر ما تعبر عن عذابات الانسان عموما، وهذا لا ينفي اللمسة التي تؤكد فلسطينيتي لكنه تأكيد على ان التعامل الصحي يجب ان يكون في المقام الاول على كوني فنانة ام لا,, فأنا احب ان يعاملنا العالم بهويتنا الفنية وألا يكون التعاطف لمجرد اننا فلسطينيون,, فلا قيمة لأي نقد تعاطفي.
* اذا تعمقنا اكثر في بعض لوحاتك نلاحظ الخلفية الحادة إما بيضاء تماما او سوداء تماما,, لماذا؟
- بداية انا اهتم بالالوان وبالرؤية البصرية، لكن ليس لي الوان مفضلة احيانا تكون الخلفية بيضاء واحيانا سوداء، احيانا اميل لالوان مبهجة مثل الفسفوري مثلا، وربما افضل حزن البنفسج,, فلا يهمني اللون في ذاته بقدر ما يهمني الاحساس باللحظة والسيطرة عليها، هذا هو العنصر المهم كما يستهويني التعبير عن الفكرة من خلال المساحة اللونية دون الفصل بينهما لانهما شيء واحد.
* ويبقى ان اسألك بماذا تحلمين؟
- عندي حلم دائم بان الحياة مازالت آتية,, فرغم اني امرأة في الخمسين من العمر لكني اشعر بشبابي كفنانة,, واشعر ان الامل والاستمتاع بالحياة مازالا ممكنين,, فلا اسمح لأحاسيس الغربة والمرارة أن تسيطر عليّ,, ويبقى دائماً إحساسي بالانسان (الانسان) عاليا ودافئا وفياضا بالبهجة كألوان الطيف.


رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
أفاق اسلامية
لقاء
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved