Sunday 11th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 27 ربيع الاول


القلم الأبيض
تعقيبات على الدكتور أبو جهل

ما أن ظهرت هذه المقالة منذ أربعة اسابيع في هذه الجريدة, وتحت هذه الزاوية (القلم الأبيض) حتى تواردت المكالمات والاتصالات حول ما حوته من تصورات وأحداث, وموضوع الدكتور ابو جهل ليس خافياً على أحد ولكن الجديد في هذا الشأن هو طرح الموضوع في مناقشة علنية بعد ان كان موضوعاً عائلياً يدور خلف كواليس الجهات المعنية بأمر الشهادات والاطروحات العلمية, ولعل السبب في طرح هذا الموضوع للمناقشة هو ما ينتظر البلاد من مستقبل مظلم في حالة وجود تلك الفيروسات من ادارات هامة تستلزم الخبرة والوعي والاطلاع والدكتور ابو جهل لا يستطيع امتلاك خبرة أو وعي أو اطلاع.
من المكالمات التي تلقيتها حول هذه المقالة مكالمة من زميل قديم وصف المقالة بانها ظهرت في وقت غير مناسب,, وعندما سألته عن عدم مناسبة الوقت لهذه المقالة أكد لي انه على وشك الحصول على درجة الدكتوراه من احدى الجامعات العربية بعد ان دفع مبلغ مائة الف ريال لكل المتعاونين معه في انجازها، ويقول هذا الزميل أنه الآن على وشك التقاعد وأنه يريدها للتسلية خاصة وان الزمن لن يمكنه من الاستفادة منها وظيفياً, ويقول ان البحث على وشك الوصول اليه لقراءته ثم التوجه الى الجامعة للمناقشة ونيل الدرجة العلمية.
وهذا الزميل اعرفه منذ زمن, فقد اكد لي انه حصل على بكالوريوس في علم النفس من احدى الجامعات اثناء الحرب اللبنانية وان بامكانه الحصول على درجات علمية اعلى,, وهذا الزميل رجل نبيل ومتحضر حصل على درجته العلمية التي يعمل بها الآن عن جدارة واستحقاق فهو خريج جامعة دمشق, وتلك الشهادات التي يتحدث عنها لم تكن في يوم من الايام مصدراً من مصادر ترقياته لانه كان ينظر اليها بكل احتقار ويتأسف على مآل العلم والتعليم في الوطن العربي.
الدكتور ابو جهل يطالب الآن بان يكون استاذاً جامعياً وباحثاً، بل انه يطالب بان يتتلمذ على يديه طلبة الجامعات ثم لا يلبث ان يشرف على الرسائل العلمية العليا.
عندما يكون مصير العلم مظلماً ومستقبله القريب ينذر بكارثة فكيف تستطيع ان تتصور احوال مجتمعنا بعد سنوات قليلة.
جامعات فقيرة واساتذة فقراء يريدون المال للحياة لا للمتاجرة وليس لديهم بضائع او سلع للبيع سوى الشهادات العلمية لمن اراد ان يزين بها واجهته الأمامية,, واذا كانت الحقبة الالفية الثالثة في العالم الصناعي هي تحقيق حلم اختراق المجرات والأكوان فان هذه الحقبة في وطننا العربي حقبة تكوين العلماء الذين يجهلون كل شيء.
ولعل الخطر يلاحقنا ليس فقط من جامعات الوطن العربي الفقيرة وانما من جامعات الدول الغربية، فهناك أحاديث عن شهادات علمية تم تقديمها بسخاء من جامعات في اوروبا وامريكا لكثير من الاثرياء او ما دون الاثرياء.
ليس غريباً الآن ان تجد مديراً لاحد المكاتب العقارية وهو يحمل درجة الدكتوراه في الكيمياء وليس ثمة غرابة في ان تجد استاذاً مساعداً يعيش ابد الدهر في هذه المنزلة لانه لا يمكنه كتابة سطر واحد او صفحة واحدة لتقدير ابحاثه ان كان له ابحاث,, والاكثر غرابة من هذا وذاك وجود هذا النوع من الجهلة يقوده الطموح للتحدث باسم العلم والعلماء.
ولكن ما هي الطريقة التي نحمي بها مجتمعنا من امثال هؤلاء؟, ان من يحصل على درجة الدكتوراه في الجهل ويضعها في غرفة نومه او مكتبه للتسلية لم يعد له ادنى خطورة خاصة وانه في حكم المتقاعد او عدم المستفيد من هذه الدرجة الزائفة, الا ان التدابير الواقية من ضرر هؤلاء ينبغي ان توضع قيد التنفيذ لا قيد الدراسة ولعل من ابرز تلك التدابير المام الحاصل على درجة الدكتوراه على لغة او اثنتين الى جانب لغته الاصلية واخضاع اطروحته للمناقشة والتساؤلات وفي حالة عدم اهليتها يتم اشعار الدكتور المزيف بان اطروحته عبارة عن معلومات مكررة تتردد في العديد من الكتب, هذا العلم يعد اجراءً اولياً, اما الاجراءات الاكبر والاكثر حزماً فينبغي ان تكون عن طريق مؤتمر علمي لمديري الجامعات التنفيذيين في الوطن العربي ورؤساء ادارات البحوث العلمية في الجامعات العربية ووزراء التعليم العالي في الدول العربية وعندئذ ستكون الدول العربية في مأمن من تلك الفيروسات بعد تصفيتها وتنقية الأجواء العلمية منها.
توجد في المملكة ثماني جامعات حتى الآن اضافة الى الكليات الجامعية الكثيرة، وفي كل جامعة يوجد مركز للبحث العلمي وقسم للدراسات العليا ولدينا مدينة متكاملة للعلوم والتقنية, اما عن حملة الماجستير والدكتوراه فأعدادهم تجاوزت المئات الى الآلاف, بل الى عشرات ومئات الآلاف ومع هذا الكم الهائل من الرموز العلمية الفاخرة الا اننا بحاجة الى رمز واحد يقدم عملاً ويستغل الامكانات التي قدمتها حكومة المملكة العربية السعودية عبر مؤسسات علمية مستقلة او عبر الجامعات او وزارة التعليم العالي وذلك لاثراء الساحة العلمية بالمنجزات فقد تم اثراء ساحتنا الاجتماعية بالالقاب.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved