أصل لفظة (جمهور) في اللغة اللاتينية Publicus ومعناها مجموعة المشاهدين والمستمعين باي عرض فني، سواء في الفنون الدرامية او التشكيلية او الموسيقية.
والجمهور - مهما كانت شاكلته واعياً أم غير واع، مثقفاً كان أم متخلفاً - هو الحكم الحقيقي والفعلي على مختلف الانتاجات الفنية في اي فن من الفنون.
ففي العروض المسرحية الحديثة يمكن ان يقوم الممثل بالتمثيل وممارسة فنه او مهنته وسط صالة الجمهور بما يتشابه مع بعض العصور القديمة كما في دراما (السوق) في القرون الوسطى، او في اتصال بينه وبين الجماهير المشاهدة كما في درامات كوميديا الفني في عصر النهضة.
اما اليوم فبالامكان ان يحدث العكس، بمعنى ان تصعد الجماهير او بعض منها لتحتل مكانها كمشاهدة على خشبة المسرح، ويحدث ذلك بطبيعة الحال في مسرحيات وعروض يبرر مفهومها الدرامي مثل هذا الشكل الفني في الإخراج المسرحي الحديث.
جمهور النظارة spectators
والمقصود بجمهور النظارة الجماهير الحاضرة فعليا Actually في العرض المسرحي تصل هذه الجماهير الى مقاعدها المحددة في الصالة او في المقصورات بناء على معرفة مسبقة بالكاتب الدرامي او المسرحية او عنوان المسرحية او قائمة الممثلين او من جراء الاعلانات عن العرض المسرحي واحيانا ما يصل جمهور النظارة نتيجة قراءة مسبقة للنص المسرحي وخصوصا في حالة الدرامات الكلاسيكية بغية التعرف على الفروق بين القراءة للنص والعرض المسرحي له.
من المنطقي والمعقول ايضا ان من مهمات المسرح او الفرقة المسرحية تعريف الجمهور بعصر الدراما (الزمن الذي تسير فيه الاحداث) ومضمونها، والتواريخ السابقة لعرضها في برنامجها يُطبع لهذا الغرض, هذا البرنامج او الكتيب يكون بمثابة اول توجيه من المسرح او الفرقة، وهو ما يمثل توثيقا هاما للمسرح والفرقة والعرض المسرحي والجماهير ايضا.
إعداد الجماهير نفسياً
باطفاء انوار صالة الجمهور يصدر من المسرح اول توجيه للجمهور للانتباه الى بداية العرض المسرحي، وهي اول خطوة نفسية تجاه توجيه الجماهير للتركيز على مكونات العرض من كاتب الدراما الى الممثلين والفنيين, خطوة حاسمة يعتبرها علم النفس المدخل الى عالم الدراما والعرض معا, لماذا يا ترى؟ لان بهذه الخطوة تبدأ عملية استرسال المسرح في ميلاد المعايشة، وايصال الانطباعات والتأثيرات الواحدة بعد الاخرى الى بؤرة الاتصال وأعني بها خشبة المسرح، عشرات من التأثيرات بين الحزن والبكاء والضحك والدموع والترفيه والاستحسان ثم التصفيق في نهاية المطاف اذ ان الجمهور - وبخاصة في المسرح - بحضوره الحي وتفاعله مع الآني من الاحداث يمتص مفاهيم وأهداف العرض المسرحي فيبدو منفعلا بما يراه ثم متأثرا، فمبادرا للوصول الى حالة (المبادلة) وهي رد فعله على الفعل الماثل امامه على المسرح لحظة بلحظة وبلا تأخير او تسويف.
وجمهور المسرح الذي يتعايش لحظة بلحظة مع انسياب العرض المسرحي ليس جمهورا منتظما او متسقا اذ لا وجود للاتحاد بينه قبل بداية العرض، وخاصة في المزاج والاحاسيس كما انه مختلف الاعمار والمشارب والتعليم والثقافة والمهن والخبرات الشخصية والخبرات في الفنون وكذا في الانتماء الى الطبقات الاجتماعية والميول السياسية وغيرها, ولكل هذه الاختلافات شأنها وتأثيراتها ونتائجها على قبوله او استحسانه او حتى رفضه للعرض المسرحي في النهاية بعكس المشاهدين من الاطفال الصغار الذين يعتبرون كل ما يقدمه اي عرض في المسرح حقيقة كاملة موثوقاً بها.
كما ان هناك (جمهوراً خاصاً) في الحياة المسرحية, وهو جمهور ايضا لكنه يختلف عن الجمهور العام واقصد به جمهور التدريبات النهائية في المسرح، كما تعلمنا في مسارح اوروبا وتصنيفات جماهيرها, وهو جمهور خاص قوامه النقاد والكتاب والفنانون واساتذة كليات الآداب واكاديميات الفنون.
كما اننا نطلق على بقية الجماهير,, جماهير المواطنين وهم الذين يدفعون ثمن تذكرة الدخول الى المسرح وهذا النوع من الجماهير عادة ما يبحث عن الترفيه.
وتشكل الجماهير احيانا كثيرة حوادث هامة في التاريخ المسرحي وذلك حين تخرج الجماهير عن دورها في الفُرجة المسرحية، وتنفعل (سياسيا) لحدث درامي ما تثيره في أنفسهم احداث المسرحية او اسلوب اخراجها كما حدث عام 1930م في دراما الفرنسي فكتور هوجو V. HUGO المسماة (هرناني) HERNANI فماذا حدث؟ ثارت الجماهير ليلة العرض الاول بسبب المفهوم الرومانتيكي الذي تضمنته الدراما, بدأت ثورتهم وهم جلوس في مقاعد مسرح الكوميدي فرانسيز اعتد مسارح باريس وحادثة جماهيرية ثانية من المسرح العربي (فالجمهور هو الجمهور) عندما ثار جمهور جلسة التدريب النهائية لمسرحية الشاعر المصري عبدالرحمن الشرقاوي المعنونة (الحسين ثائرا وشهيدا) في مسرح حديقة الازبكية بالقاهرة.
اما عن سلوك الجماهير في المسرح، فهناك العديد من الدراسات المسرحية السيكولوجية التي تغطي هذا الجانب من حياة الجماهير في المسرح.
تصفيق الجماهير Handclapping
في الحياة الفنية، التصفيق باليدين هو شكل من اشكال الاستحسان او الرضا في المسرح، او هكذا يبدو, والجماهير بهذا التصفيق تعبر بين الفينة والفينة عن رضاها عن سير العرض المسرحي, وفي مسارح اوروبا فان التصفيق يعني دعوة المشتركين في العرض للمثول امام الجماهير لتحيتهم وجها لوجه وهو ما يحدث عادة في نهاية المسرحية, حتى ان ذلك يحدث عدة مرات كثيرة تحتل ما يقرب من ربع الساعة وامام الستار الحديدي الواقي من الحرائق والفاصل الحازم بين خشبة المسرح وصالة الجماهير (للاسف فالمسرح العربي لم يصل الى هذه التقنية بعد).
اما التصفيق المزيف clack فهو يختلف اختلافا تاما عن تصفيق النعت الاول الصادق, ويبدأ هذا التصفيق الملفق عندما يبدأ مشاهد من اقارب او اصدقاء ممثل بالتصفيق بلا سبب حقيقي يستدعي ذلك,, يبدأ به هذا المشاهد المزيف ايضا للتغرير بالجماهير، ولتتبعه بقية الجماهير في لحظات الغفلة، ونتيجة لوقوعها تحت تأثير العرض المسرحي,, ومع ذلك فقد بدأ هذا النوع من التصفيق المزيف في العروض الموسيقية وحفلات الكونشيرت concert ثم انتقل الى الحياة المسرحية,, ومع انه تصفيق غير اصيل انما يستدر انفعالات الجماهير الصادقة ليقودها - وعبر خصائص علم النفس - الى الكذب والزيف، ومع انه تصفيق يشبه الطقطقة او ثرثرات العجائز اللاهيات، الا انه عديم الفائدة.
|