Sunday 11th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 27 ربيع الاول


طبعة كاملة من يومياتها
جورج إليوت,,, اختراق أعماق الشخصية
رضا الظاهر

صدمت الروائية الانجليزية البارزة جورج اليوت اصدقاءها عندما هربت عام 1854 لتعيش مع جورج هنري لويس - المتزوج - بسريتها اكثر مما بفعلها, وقد عاش بعض اصدقائها ليصدمهم بعد عشرين سنة اعلانها المفاجىء انها تزوجت جون كروس، مستشارها المالي، الذي يصغرها بعشرين عاما.
وكتاب (يوميات جورج اليوت) الذي حررته مارغريت هاريس وجوديث جونستون، ونشر، مؤخرا، للمرة الأولى كاملا، هو كتاب موجز شأن قرارات جورج إليوت الحاسمة.
وفي حالات قليلة فقط ، مثل الرحلة الطويلة والسعيدة التي قامت بها مع لويس الى فايمر، ورحلة عودتهما عندما كانت تكتب روايتها (آدم بيد) تستخدم هذه اليوميات لاثارة الانطباعات وتسجل في الغالب، الاحداث اليومية، والزيارات، والمتاعب ، والمشاكل, وهي يوميات تكشف الكثير عن الحياة الخاصة لهذه الروائية الكبيرة.
ان تدوين الاحداث بالنسبة لاليوت يجعل من الواقع قويا، الى حد انها حذرة من الكشف عنه حتى مع نفسها احيانا.
وربما تكون جورج إليوت، الشخصية الحميمة التي كتبت هذه اليوميات، خائفة من العيون المتطفلة، وربما تكون، ايضا، خائفة من تقييمها الخاص الدقيق وهي تنفض الغبار عن صفحات اسماء الزوار, ولم تكن بحاجة الى الحديث عن انها كانت ترى جون كروس، فقد كانت تتجنب الاعتراف بذلك في الكتابة، ولكن ما يثير الدهشة اكثر هو غياب الاشارة الى كروس وهو يقفز من النافذة الى قنال في فينيسيا، اثناء شهر العسل، في محاولة للانتحار، فذلك يختفي في اليوميات.
وكما توضح محررتا الكتاب فان هذه اليوميات كانت مطبوعة سابقا ولكن في اجزاء متناثرة, وتشير المحررتان الى ان نسخة حياة كروس عن جورج إليوت، ونسخة كاتب سيرتها غوردون هايت تخضعان مواد هذه اليوميات الى حاجاتهما الخاصة, فهايت يؤكد على اتكالية الكاتبة، ويضع نفسه في موضع البطل بالنسبة لها، في وقت كانت فيه عظمتها أقل تجليا واعترافا بها, وأدت به تلك التجربة الىاعتبارها امرأة هشة اكثر مما تسمح به كل الدلائل، في حين ان النسخة الجديدة الكاملة من اليوميات تظهر الى أي حد كانت جورج إليوت قوية العزم وشجاعة في التعبير عن رغباتها الخاصة من دون موافقة اصدقائها او استحسانهم.
اما السيرة التي دونها جون كروس فلا تقدم شيئا لاعلاء سمعة اليوت, انها تؤكد مكانتها كمثقفة كبيرة، لكنها بعيدة عن التماس مع الاشياء المألوفة.
ان مزية الطبعة الجديدة الكاملة من اليوميات هي انها تحرر القراء من بعض تلك الاوهام، فالمقدمة والملاحظات الرئيسية تملأ، على نحو يثير الاعجاب، سياقات هذه اليوميات التي سجلت جانبا مهما من حياة واحدة من اعظم الكاتبات الانجليزيات في القرن التاسع عشر.
من المعروف ان جورج اسم رجل ، غير ان جورج اليوت (واسمها الحقيقي ماريان ايفانز) كتبت باعتبارها رجلا حتى يتعامل الناس معها بجدية, فقد كان يتوقع من النساء في القرن التاسع عشر ان يكتبن روايات عاطفية وساذجة حسب تعبير جورج اليوت التي كانت واحدة من اكثر الروائيين الانجليز براعة وجدية, وتقول الروائية والناقدة البريطانية المعروفة انطونيا بيات عن جورج اليوت انها نشأت في الريف ابنة لانسان مثقف يرعى ممتلكات احد النبلاء, كانت شغوفة بمراقبة كل شيء وكانت تقوم بجولات مع والدها وهي طفلة صغيرة، وتصف متعتها بالجلوس على ركبتيه في تلك العربة التي كانت تجرها الخيول, وتمثلت كل تلك المشاهد الزراعية المنبسطة التي نشأت فيها: حقول الحنطة،والابقار، والقنوات الاصطناعية التي كانت تعبرها بهدوء ونجد وصفا لهذه الاجواء الحميمة في روايتها الرائعة (ميد لمارتش)، وفيها نجد شابة مثقفة متقدة المشاعر، غير ان آمالها في تحقيق شيء في هذا العالم مطوقة بحياة اجتماعية ليست سوى متاهة من القضايا الصغيرة وشبكة من الممرات الضيقة المحصورة بجدران، والتي لا تؤدي الى اي مكان.
وهذا يصف، الى حد كبير، جورج اليوت الشابة نفسها، أو ماريان ايفانز كما كانت تسمى حينئذ فقد كانت هي ، ايضا، مفتونة بالمجتمع المحلي، وواعية بمحدوديته بالنسبة الى امرأة,, كانت مثقفة على نحو رفيع وقارئة نهمة وتقول انطونيا بيات: ما اعتقده هو انها كانت الاكثر ذكاء بين الروائيين الانجليز, والافضل تعليما، على الرغم من انها علمت نفسها ذاتيا, وهي عميقة من الناحية العاطفية, واعتقد ان بوسع المرء ان يشعر بذلك عندما يتوصل الى معرفتها, انها الاكثر اتقادا في العاطفة بين الكتاب الانجليز .
وقد كتب احد النقاد عن روايتها الشهيرة (آدم بيد) - 1858 يقول: إن الموهبة التي تميز، من بين جميع الاشياء، العباقرة عن الناس العاديين، هي المقدرة على رؤية الحقائق، في حين لا يرى الناس العاديون سوى الظاهر, ومؤلفة (ادم بيد) تتمتع بهذه القدرة .
ولم تكن هذه الرواية موضع تقدير رفيع حسب، وانما من بين افضل الكتب مبيعا, والشيء المدهش فيها ليس الحبكة ، وانما عمق تحليل الشخصية, وتتطور القصة من خلال التراكم البطيء للتفاصيل الامر الذي يعتبر، كما تشير انونيا بيات، ميزة اساسية من ميزات ابداع جورج اليوت: إنها تكتب، في الواقع، بما يشبه، الى حد كبير، التراجيديا الاغريقية، وترى الناس وهم يشيدون مصيرهم الخاص من اخطائهم, وتراكم قطعة فقطعة، الطريقة التي يشوه بها العجز حياتهم، وتجعلهم يعيشون بغنى اقل مما كان يمكن لهم القيام به، وهي تفعل هذا بحنو هائل, والشيء الآخر الذي اعتقد انه يتعين على قوله هو انها كانت، في الواقع ، تتمتع بحس قوي وحاد بروح الدعابة، ولكي يرى المرء ذلك عليه ان يتعرف الى اسرار معرفته، ذلك لأنها تبدو جامدة وخالية من التعبير الى حد ما
وبعد سنة من ظهور (آدم بيد)، ظهرت (طاحونة على النهر) وهذه الرواية هي تحليل للعلاقة المعقدة والتراجيدية بين فتاة متألقة، ولكنها غير منظمة وشقيقها الاقل ذكاء ولكن الاقوى, وفي الروايات التي أعقبت ذلك كان يتعين على شخصياتها ان تصارع، في الغالب مشاعرها ووعيها الاخلاقي, وتراها انطونيا بيات كاتبة مبدعة، الى حد كبير، في القضايا السايكولوجية, وقد اشار احد نقادها الى انها اول كاتبة تأخذ الحدث الى الداخل، وقد ادركت ان للناس بنية اخلاقية داخل انفسهم، وحساسية وذاتا متفردة، وكان بوسعها ان تصف تطور هذه الذات، وكانت في حالات كثيرة قادرة على وصف تحطم تلك الذات على يد مزيج من القوى الخارجية والداخلية، بطريقة عاطفية وتحليلية نادرة, لقد ادركت الاشياء التي ادركها فرويد لاحقا عندما توصل الى ابتكار نظريته في التحليل النفسي.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved