Sunday 11th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 27 ربيع الاول


تلويحة
ذاكرة العرب
عبدالعزيز مشري

* قانون التطور الذي يدخل في صنف التطور التاريخي للانسان,, يتعلق اولا، بمستوى نمو الوعي، والوعي لا يعني المعرفة فقط دون المفهوم في توظيفه تجاه المبادىء الانسانية التي تؤدي الى فاعلية الحضارات، الحضارات اليوم لا يمكن عزلها بأي حال عن السلوك والتعامل، في نبذ الصفة التميزية الخاطئة تجاه القبيلة او العنصر بمرجعية الصراع القديم والمتوارث.
التميز القائم على هشاشة غير منطقية بل وبعيدة جدا عن القيمة الإنسانية بعيدة خلقاً وعقيدة، تلك القشية التي تشبه صوت الطبل الذي لا يحمل داخله غير الهواء، وشتان ما بينها وبين الميزة الخصوصية في مذهب الكتابة والصياغة الاجتماعية الموحدة عبر الانتاجية وخصائصها.
***
كنت في (الباحة) والباحة مركز قديم لاسواق القرى، ومكان حكمها واحتكامها ومرافق مصالحها، قريتي ليست بعيدة عنها.
قديما كنا نهبط الى سوقها المركزي كل يوم خميس,, ايام القرى,, على اقدامنا وبمساعدة الحمير،فنقضي في الطريق عبر الجبال ومجرى الماء وصهوات مرتفعة من الربى ساعة أو بعض ساعة، اليوم بالطريق المسفلت نقضي ما يمتد من خمس الى عشر دقائق.
وعندما بلغتها قادما من مدينة جدة بالسيارة (وهو وقت يقاس بالساعة من الخمس الى الست),, لم اتجه الى (محضرة) على ذلك الجبل البعيد كما يرى من (الباحة) آثرت الا ادخلها، فقد تراكم في الذهن ان وقت المعيشة في الصبا بالقرية قد ذبح من وريده الى وريد الطفولة، ولم يبق من البيوت والوديان والشجر بل ومن الناس الا (الكلمات) كما جاء في قصيدة (علي الدميني).
***
بقيت بعض الحصون المتباعدة وعلى اطراف حدود القرية القديمة، بقيت المسميات، لن تجد في القرية ماشية واحدة ولا حتى صياحاً لأذان ديك، ولا صوتاً لمهراس القهوة (النجر) ثمة مسجد على طراز حديث بمئذنة عالية في مكانه القديم,, يقال ان بعض الجماعة يصلون بداخله والبعض في الجمعات يذهب للصلاة حيث يكتب له الله.
عندما جاء وقت بدء الامسية بمبنى ادارة التعليم للابناء,, كنت أظن أن عددا أليفا من اهل القرية سيحضرون,, لكنني لم اشاهد الا واحدا فقط ارسله والده الصديق القديم! لا عجب,.
فقد صادفت مع هذا الوجع العجيب لقرية (محضرة) والتي تحولت الى كلمات,, صادفت امرا طيبا,, فرحت لاجله ايما فرح، ذلك هو تقدم الوعي في المنطقة بحيث لم يعد هناك قبلية ولا اقليمية,, فالكاتب من هنا,, لكن هذا لا يعني انه يكتب ليمجد المكان,, بل يمجد الانسان,, الوطن في كل مناطق المملكة بل العالم.
***
بقيت الذاكرة تزحف ببطء شديد، وبقيت الاشياء كلمات ومسميات، وبقي للانسان في تلك البقاع شمس اخرى وقمر آخر وغيوم أخرى,, لا يحتاجها من اجل بذور كان يدفنها تحت سن المحراث وانما يحتاج اليها فقط من اجل شجيرات واعشاب بقين على الحافة ليكسبن البصر بعض منعته ان حصل وإلا (فرج الله قريب).
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved