Sunday 11th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 27 ربيع الاول


زبد البحر

في صباح جميل,, عانقت فيه اشعة الشمس موجات البحر الهادئة,, أبحرت السفينة من شاطىء الرمال الذهبية,, القرية تختفي شيئا فشيئا خلف الشاطىء البعيد,, حتى اختفت تماما عن أعين البحارة التي لا ترى الا زرقة السماء الصافية وزرقة مياه البحر,, الربان عارف,, يترنم ببعض الاشعار ضخم الجسم تبدو عليه علامات الشيخوخة المبكرة بالرغم من انه في أواخر الثلاثينيات من عمره,, يعاني من قصر النظر,, يتحدث دائما في مواضيع لا تخص البحر,, الغوص,, البحارة,, لا يستمع الى التفاصيل والمشاكل الصغيرة التي تواجه البحارة في عملية استخراج اللؤلؤ من قاع البحر,, يتعامل فقط مع الاشياء الكبيرة؟!
ولكن مع طول سنوات الغوص,, اصبحت الاشياء الكبيرة صغيرة وساء العمل على سفينة الربان عارف,, انخفض مستوى استخراج اللؤلؤ وقل الصيد وبدأت تطول مدة الرحلة في عرض البحر,, الشمس تتوسط كبد السماء,, السماء تتلبد بالغيوم,, الغيوم تحجب الشمس عن اعين البحارة,, الرياح تهب بقوة,, الموج الهائج يرتفع ارتفاعا مذهلا,, السفينة تتقاذفها الامواج، عندماتهوي الى اسفل يظن البحارة انها لن ترتفع ثانية,, وانها ستهوي بهم الى قاع البحر,, وان البحر الذي احبوه سيبتلعهم هذه المرة,.
اعترى وجه عارف,, الخوف,, الذهول,, من صعوبة الموقف هذه الريح اصعب واقوى من الرياح السابقة,, التي هبت على سفينته,, يترقب الغرق في اية لحظة,, السفينة تتأرجح بين الامواج العالية,, سمع البحارة صوت ارتطام شديد,, الماء يتسرب الى قاع السفينة من خلال الثقب الذي احدثه الارتطام الشديد,, ادرك البحارة ان سفينتهم غارقة في هذا البحر,.
بتردد يتقدم عارف محاولا غرف الماء خارج السفينة,, حتى لا تغرق,, ويتعرض هو ومن معه للموت غرقا,, او طعاما لاسماك القرش,, جرح يده اليمنى اثناء محاولته غرف الماء، كان الجرح غائرا,, الدم يسيل بغزارة,, تسرب الماء كوّن بحيرة يزداد حجمها باستمرار,, تكاد ان تغرق السفينة,, الرعب والذهول عم وجوه البحارة,, السفينة تتقاذفها الامواج العالية,, النزيف المستمر من يد عارف يفقده القدرة على التصرف,, تسرب الماء يزداد,, فقرر البحارة ان يفعلوا شيئا لانقاذ سفينتهم من الغرق,, وايصالها الى بر الامان.
سعيد في عقده الرابع,, تفانيه واخلاصه وحبه للبحر منحه حب الناس وتقدير زملائه البحارة,, بدأ في غرف الماء الى خارج السفينة وبعد جهود شاقة متواصلة تمكن من غرف الماء ثم قام باصلاح الثقب في قاع السفينة,, فتوقف تسرب الماء.
حكيم في الخامسة والاربعين من عمره,, يتميز بدماثة الخلق,, بعد تنهيدة طويلة,, اخذ يستجمع قواه العقلية والفكرية,, ثم شرع في محاولاته لايقاف النزيف من يد عارف,, النزيف يزداد ويسبب صداعا شديدا فقد عارف القدرة على توجيه دفة السفينة,, التي تتقاذفها الامواج العالية ومعرضة للغرق,, بعد ان اصبح عارف لا يقدر على توجيه السفينة,, تولى صادق توجيه دفة القيادة بمساعدة زملائه,, صادق بحار ماهر,, عمل في عدة سفن قبل التحاقه بالعمل في سفينة الربان عارف,, لدى صادق خبرة سابقة في الغوص,, الغوص اكسبه معرفة غنية بالبحر المليء بالدرر,, واللآلىء,, والاسماك الصغيرة والكبيرة,, واسماك القرش التي تقتات على الاسماك الصغيرة,, ومليء بالحيتان الضخمة,, وكائنات وطحالب ذات فائدة,, واخرى غير ذي فائدة,, يلفظها البحر مثل زبده الذي يذهب جفاء,, هدأت العواصف والامواج,, انجلت الغيوم,, الشمس تجري لمستقرها,, صادق وزملاؤه يتناوبون على توجيه دفة السفينة التائهة في عرض البحر,, محاولين ايصالها الى بر الامان والعودة الى شاطىء الرمال الذهبية.
الشمس توارت تماما خلف الافق البعيد,, الليل غلف البحر والسفينة بظلمته,, والسفينة تبحر بلا هدى,, تحت جنح الظلام,, وفوق ظلمة قاع البحر الموحشة,, البحارة يترقبون شروق الشمس,, آملين بعدم تعرض السفينة للعواصف والامواج.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved