* تصحون في الخامسة مساء، تتسابق مع الرفاق الى الثلاجة ثم تتكومون جلوسا في هذه الغرفة الغريبة التي علا فيها ضجيجكم وعلت فيها ارواحكم، تتأملون روح هذه المدينة التي سوف تودعكم بعد قليل الى ارضكم التي تنتظركم، والرفاق من حولك يثرثرون ويضحكون,, ويتساءلون.
* تقطفون ورود هذه المدينة، تخبئونها في جيوبكم الصغيرة، وتحلمون بالعودة لها مرة اخرى تديرون جهاز التسجيل، وتستمعون لأغنيات هذا البلد، الحضن الحنون، كل واحد منكم وضع داخل جيبه وردة، وكل رأس من رؤوسكم الجميلة معبأ بالليالي الحمراء والذكريات والتعب والاحلام و,, الهموم.
* هذا انت تواصل مسيرة البارحة كأنك لم تنم، تضحك من أعمقاق الاعماق، تُقبل رؤوس الاصدقاء، تحدثهم بفرح عن حارتكم وناسها وشوارعها، تحكي لهم عن امك التي تخاف عليك من السفر للبلاد البعيدة، وعن والدك المريض، وعن اختك التي كنت ترى في عينيها تلك الرغبة الكامنة والغامضة في السفر.
* تتذكر، في حالة صفاء، وانت تُعد حقائبك للعودة، تلك الشوارع الحميمة التي تعلمت فيها الكلام والمشي، تتذكر بابا وقفت امامه خمس سنوات، ترقبها، ترقب خوف الانثى في عينيها، وخوف الرجل في قلبك، تبكي - بسبب قدركما المستحيل، وبسبب انتظارك المخبول بلا فائدة، حين كنت تكتب لها على جدران الحارة,, نحاول ان نجرب قدرتنا على الطيران.
هكذا، فجأة، انتهى كل شيء، لتجد نفسك في هذه المدينة البعيدة، تتعلم اشياء جديدة مع الاصدقاء، تتعلم الطيران الطويل المسافات، وتتعلم لغات جديدة, وتقرأ في أوقات اخرى لها نكهة مختلفة.
* تغلق حقيبتك، تخرج من الفندق مصحوبا بالاصدقاء، الشوارع مظلمة ودافئة وممطرة، والمطر يبلل ملابسك وروحك حتى تصل لبهاء المطار الواسع، تتجلى روحك العالية في هذا المكان الذي تحب، تقول اريد ان اظل في هذه الحالة الغامضة والحالمة,.
اريد ان اتحول الى ورقة شجر خضراء ، قلب وتاريخ على جذع شجرة، ذكرى على جدار، سؤال، طائر في سماء غير معروفة، أكون اي شيء,, قطرة مطر او حلم,, موسيقى يرقص على ايقاعها الاصدقاء المتعبون,, هذا كل شيء,, ثم تصعد الطائرة مصحوبا بالغموض.
** فاصلة شعر:
واقف تحت برجك المرصود،
بين السهم والعين الآمرة،
علامة تميتني,.
علامة تحييني,.
والحيرة,.
وحدها، تأخذ بناصري.
يد أقصر من فرحة الاخت تمتد اليّ
فأرفع يدي، هكذا، لنهار
بلا امارة,.
أمجد ناصر