Sunday 11th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 27 ربيع الاول


أهمية التعداد الزراعي الشامل في رسم سياسات التنمية الزراعية وخططها

شهدت المملكة خلال ثلاثة العقود الماضية، اي منذ بداية الاخذ بمبدأ التخطيط التنموي قفزات هائلة في مضمار النمو الاقتصادي الذي شمل جميع القطاعات الانتاجية وخاصة القطاع الزراعي، فقد ساهم هذا القطاع ليس فقط في زيادة الدخل القومي وتنويع مصادره بل وقلل وبشكل كبير من اعتماد البلاد على الموارد الزراعية الغذائية المستوردة ووصول المملكة الى الاكتفاء الذاتي في الكثير منها كالقمح وبعض الخضراوات الموسمية والتمور والدواجن ومنتجاتها والالبان ومشتقاتها,ولقد حدث ذلك نتاجاً طبيعياً للسياسات الزراعية الواعية التي انتهجتها الحكومة الرشيدة - ايدها الله - والتي شملت منح الاعانات الزراعية ومسح الأراضي البور وتصنيفها وتوزيعها على المزارعين والمستثمرين في القطاع الزراعي مجاناً وتقديم القروض الميسرة لهم وكذا خدمات البحوث الزراعية والارشادية والوقاية النباتية والحيوانية, كما قامت الدولة باستثمار اموال ضخمة لتنمية البنية الأساسية من طرق وخدمات كهرباء ومياه وغيرها في القطاعين الريفي والحضري وذلك لايجاد المناخ الملائم للقطاع الخاص للقيام بدوره في العملية الانتاجية على الوجه الأكمل في جميع المجالات بما فيها المجال الزراعي.
وبالرغم من النجاحات الكبيرة المحققة من جراء تطبيق هذه السياسات الا ان ما حدث من توسع كبير في الانتاج الزراعي قد صاحبه بعض السلبيات التي بدأت تظهر على السطح منذ بداية الخطة الخمسية الخامسة حيث زاد الطلب على المياه الجوفية بمعدلات مرتفعة وبدأت الحاجة ماسة الى انتهاج سياسة تستهدف تنويع الانتاج الزراعي للتوصل الى نمط محصولي يلبي الطلب على المنتجات الزراعية الغذائية ويحسن من دخول المزارعين والمستثمرين من ناحية وينسجم في الوقت نفسه مع امكانات الموارد الطبيعية خاصة المياه لتحقيق تنمية زراعية شاملة قابلة للاستمرار، والمطلوب ايضاً والمملكة بصدد الانضمام الى اتفاقية التجارة الدولية اتخاذ سياسات زراعية تتوافق مع شروط الاتفاقية من جهة وتأخذ في الاعتبار مصالح المواطنين مزارعين ومستثمرين ومستهلكين والاقتصاد الوطني ككل من جهة اخرى، ولذلك تصبح الحاجة ماسة لتوفير بيانات ومعلومات تفصيلية عن الحائزين الزراعيين (افراد وشركات ومؤسسات) ومواقعهم واحوالهم الاقتصادية والاجتماعية وحيازاتهم الزراعية واسلوب ادارتها وتوزيعها على الاستخدامات المختلفة ونظم ومصادر الري والصرف والعمالة الزراعية المستخدمة من داخل الأسرة وخارجها مواطنين ومقيمين وانواع مدخلات الانتاج الزراعي المستخدمة وقيمتها والأصول المزرعية الثابتة من مبانٍ ومنشآت وآلات زراعية مضخات مياه وغيرها واعداد الحيوانات المختلفة وتقديرات الانتاج النباتي والحيواني والدواجن والسمكي بالاضافة الى مؤشرات القيمة المضافة للانتاج الزراعي, ويعتبر التعداد الزراعي الشامل هو المصدر الوحيد لكل هذه البيانات والمعلومات ولا غرابة ان الدول المتقدمة اليوم تولي العمل الاحصائي الأهمية الكبرى، بل وتذهب بعض الدول منها الى اعتباره احد اركان الدول العصرية المتطورة.
وادراكاً لهذه الأهمية قامت حكومة خادم الحرمين الشريفين - أيدها الله - بتوفير الاعتمادات المالية اللازمة في موازنة وزارة الزراعة والمياه للأعوام 18/1419ه - 20/1421ه لاجراء تعداد زراعي شامل يهدف التشخيص الدقيق لمسار التنمية الزراعية في المملكة منذ بدء العمل بمنهج الخطط الخمسية للتنمية خاصة انه قد مضى على آخر تعداد زراعي شامل في المملكة ما يقارب العقدين من الزمان, ومن خلال ما يقدمه التعداد من قواعد معلوماتية وكذا نتائج المسوحات الاحصائية الحقلية لرصد المتغيرات في القطاع الزراعي التي يمكن اجراؤها بالاعتماد على الأطر التي يوفرها التعداد يمكن تحقيق ما يلي:
- تحديد اولويات يستند إليها في البحوث الزراعية لتطور القطاع الزراعي وبما يتماشى مع مصالح البلاد وفي ضوء انضمام المملكة لاتفاقية التجارة الدولية.
- من نتائج التعداد ربط النمط المحصولي مع خواص اخرى مثل حجم المزرعة في المنطقة ووجود مصادر الري، وهذه المعلومات يمكن استخدامها لبناء مصفوفة تأثير السياسات خاصة سياسات الأسعار التي توضح الاثر التوزيعي للموارد من جراء تغيير سعر منتج واحد في القطاع الزراعي كما يعكس ذلك ايضاً كفاءة استخدام الموارد كالأرض والمياه حسب حجم المزرعة.
- اجراء مسح حقلي لأكثر من موسم ويشمل استخدام الموارد وتكاليف الانتاج والانتاج والتسويق والاسعار لمشروع زراعي يمكن عن طريق البرمجة الخيطية التوصل لنموذج للاستخدام الأمثل للموارد في ظل محددات هامة مثل المياه، كما يمكن الاستفادة من نفس النتائج في حساب الاحتياجات الكلية الشهرية والموسمية من مياه الري ومدخلات الانتاج كالأسمدة وغيرها مما يمكن من التخطيط لتأمين ذلك في الزمان والمكان المحددين.
- يمكن استخدام نتائج المسوحات المشار اليها عاليه في دراسات تكاليف الانتاج الزراعي وتحليل العمالة الزراعية والعوائد وكذا جدوى استخدام التقنات الحديثة في الانتاج والنظر في امكانية خفض كلفة الانتاج بالاضافة الى دراسات كفاءة التسويق الزراعي وتحليل سياسات الغذاء والزراعة.
- كذلك يمكن الاستفادة من نتائج المسوحات الحقلية المشار اليها في دراسات القدرة التنافسية للحاصلات الزراعية التي تكتسب اهمية خاصة في هذا الوقت بالذات حيث ان المملكة بصدد الانضمام الى اتفاقية التجارة الدولية الأمر الذي يحتم اجراء دراسات تأثير السياسات الحالية والتأثيرات المتوقعة للسياسات المقترحة خاصة تلك الناتجة عن العولمة على القطاع الزراعي والأمن الغذائي, ومصفوفة تأثير السياسة التي تمت الاشارة اليها آنفاً يمكن ان تؤدي الى تقويم عائدات السياسات المختلفة وتكاليفها حتى يتسنى لمتخذي القرار اختبار البديل المناسب.
ومما تقدم تتضح اهمية البيانات والمعلومات التي يشملها التعداد وما يترتب عليه من مسوحات حقلية حيث ان كل ذلك يمثل القاعدة الاساسية التي يرتكز عليها الباحثون والمخططون وواضعو السياسات والقرارات الاقتصادية.
ومن نافلة القول ان نتائج البحوث العلمية والسياسات والقرارات الاقتصادية المبنية على احصاءات غير دقيقة تلحق اضراراً بالغة بالبنيان الاقتصادي للبلاد على وجه الاجمال وعلى المزارعين والمستثمرين على وجه الخصوص, ولذلك قامت وزارة الزراعة والمياه بتدريب الفنيين والعدادين على الطرق الصحيحة لتعبئة الاستبيان الذي سيستخدم للتعداد ويبقى على جمهور المزارعين والمستثمرين واجب وطني وديني وهو تقديم التعاون مع جامعي البيانات وتقديم بيانات دقيقة وشاملة علماً بأن ما يقدمونه من بيانات تعتبر سرية مثل المعلومات التي تعطى للطبيب للتشخيص واعطاء الدواء المناسب، بل هذه اكثر سرية من تلك حيث تقدم للدولة ليتم التعامل معها وتحليلها كاجماليات للتوصل من خلالها الى سياسات تحقق المزيد من التطور والنمو الزراعي والرفاه للمواطنين في المملكة مزارعين ومستثمرين ومستهلكين في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الامين والنائب الثاني - يحفظهم الله جميعاً.
الدكتور/ عبد اللطيف العجيمي
خبير المنظمة العربية للتنمية الزراعية بوزارة الزراعة والمياه

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved