Monday 12th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 28 ربيع الاول


د, منور البدري يوجه نصائحه للمتقاعدين
الحياة تبدأ بعد سن الستين
أخطر أنواع الاكتئاب عندما تشعر أنه لا فائدة لوجودك

* لقاء : روضة الجيزاني
حين يتغير ايقاع الحياة فجأة، تكون البداية مخيفة، بلا ملامح تشعر ان احساسا يحسرك, لتذوب بين الزوايا المعتمة كنت تلهث، تعطي بلاحدود, وفجأة يفرض عليك الواقع نمطاً جديداً لحياتك, ولكن هل ترضى به,وتصالح ايامك بهدوء, دون قلق او تأثر, وتبدأ من جديد وتعرف ماذا يجب ان تفعله مع فقدان بريق الوظيفة وضجيج العمل اليومي, نقدم بعض النصائح الهامة جداً لكل متقاعد خصوصاً إذا كان تخطى سن الستين.
رأي الطب النفسي
يقول الدكتور- منذر البدري استشاري الطب النفسي بمدينة الرياض بهذا الصدد:
-لكل مرحلة من مراحل الحياة وضعها الخاص,, فالإنسان يمر بعدة مراحل واذا استكملت كل مرحلة اهدافها على النحو المرضي للإنسان يتجاوز المرحلة التي بعدها بكل ثقة ونجاح وإقبال- وهذا هو الامر الطبيعي للإنسان وان كان البعض لهم ظروف خاصة!
ولكل مرحلة من مراحل الحياة وضعها الطبيعي الخاص وتحمل طابعها الخاص المحكوم بالمرحلة التي يمر بها الانسان سواء كان رجلاً او امرأة,, فمثلاً الطفل يسعد بطفولته,, والمراهق يعيش مراهقته واحاسيسه الجديدة للحياة,, والشاب يمر بمرحلة الشباب والدراسة والنجاح, ومن ثم يبدأ ينتج ويعطي، ويتزوج، ويصبح له عائلة,, حتى سن الاربعين يبدأ يقطف ثمار جهوده وعمله وهو يتمتع بخبرة جيدة في العمل والحياة,, حتى اذا جاء التقاعد يكون التقاعد ليس النهاية وانما حلقة في سلسلة متواصلة الى الممات، والممات هنا, يكون حلقة في سلسلة الى الحياة ما بعد الموت, وهذا يكون لدى اغلب الناس وحتى من غير المسلمين,, تلك هي الحياة كما نراها وكما يمر بها الانسان.
الحياة بعد الستين
ويواصل البدري حديثه قائلاً: تأتي المرحلة الثانية الا وهي مرحلة التقاعد,, اذا جاءت بوضع طبيعي ومتوقع لدى الانسان الذي يعمل يكون مهيأ نفسياً لهذا الوضع الجديد اما الانسان الذي تتضخم حالته فور تقاعده او عند بلوغ سن الستين تكون الوظيفة بالنسبة له السلوى الوحيدة له، واهم شيء في حياته
وسأتحدث بواقعية واقف هنا عند مقولة حقيقية ثابتة هي ان الحياة تبدأ بعد سن الستين!!
فعندما يكون الانسان طفلاً يتصرف تصرفات غير مسؤولة ويجد من يقوم بالطبطبة عليه وتوجيهه التوجيه السليم,, وعندما يصبح مراهقاً يتصرف بتحد سواء للوضع الذي يعيشه او للمجتمع نفسه، ويمارس شخصيته الخاصة باقتناع شديد دون النظر الى نصائح الغير,, وعندما يخوض الانسان في الدراسة كالمرحلة الجامعية مثلاً,, او في مجال الوظيفة, يصبح الانسان هنا متزناً ويريد ويسعى على تحقيق اهدافه في الحياة بشيء من العقلانية والمسؤولية, فإذا حقق اهدافه بالدراسة والوظيفة وحصل على وظيفة جيدة تناسبه ودخلها المادي جيد يبدأ يفكر بالزواج, ويحلم بالاطفال، وبقدوم اول مولود يشعر بالمسؤولية، وهذا يعني توفير كل متطلبات الحياة لعائلته,, حتى ان سلوكياته تتغير فيصبح هادئاً بعض الشيء، فإذا قاد سيارته فإنه يقودها بهدوء وحذر خوفاً من حدوث اي شيء، واذا تحدث مع مرؤوسه بالعمل فإنه يحدثه بهدوء حرصاً على وظيفته لانها المصدر الوحيد للحصول على المادة والمادة هنا شيء ضروري للعائلة وتمر الحياة، ويزداد تفكير الإنسان بالمستقبل، فالابناء كبروا ودخلوا الى الجامعة فتكون الحياة سلسلة من المتاعب، حتى تأتي سن الستين,, فالانسان الذي اجتاز مراحل حياته طبيعياً، كان ناجحاً بكل مراحلها واعطى كل مرحلة حقها الطبيعي.
الحياة تبدأ بعد سن الستين
ويؤكد الدكتور البدري على ان الحياة تبدأ بعد سن الستين فيقول بهذا الصدد: بعد سن الستين يعيش الانسان الحياة على سجيتها، فلاوظيفة ولا التزامات عائلية كبيرة او متطلبات متعددة كما الاول, فمن الطبيعي ان يكون الابناء اعتمدوا على انفسهم، وهذا ينطبق على الزوجة ايضاً ففي هذه المرحلة ينتهي جزء كبير من مسئولياتها واهتماماتها بالابناء، ولذلك يبدأ اهتمام كل منهما بالاخر وهذا هو المفروض ان يحدث، ومن هنا تبرز بعض الاهتمامات لديهم مثل الاستيقاظ مبكراً سوياً, واستثمار الوقت في قراءة الصحف اليومية او استخدام الانترنت، وغيره، وهنا اقصد في كلامي الانسان الطبيعي ، الذي عاش حياته بالشكل الطبيعي وان لم يتوفر الانترنت من السهل الحصول على صحيفة يومية وهذا امر سهل ومتوفر لديه,, وهنا اكرر على التمتع بالحياة بعد سن الستين لانه كما ذكرت لاتوجد اي التزامات,, ايضاً السفر، بإمكانه زيارة العالم وكذلك الاقدام على مشروع معين حتى لوكان مشروعاً صغيراً كان قد اجله لسنوات مضت,, وممارسة هواية معينة، وحضور الندوات، والمساهمة بالاعمال التطوعية وهنا تبدأ الحياة.
لاحياة بلانهاية
ويركز الدكتور البدري على نقطة هامة بلا تشاؤم فيقول:
عندما يبلغ الإنسان الستين من عمره عليه ان يبدأ بالتحضير للموت,, فلايمكن للانسان أن يفهم الحياة بلانهاية، والموت من الامور التي يغفل الانسان احياناً عن التحضير له، في حين يحرص على التحضير للمستقبل,, في عمر الستين يبدأ يحضر للموت بشكل عملي، فيتعرف على امور دينه، ويتفرغ للعبادة، وهنا احب ان اروي قصة حقيقية عشت تفاصيلها عن قرب، وهي ان رجلاً عندما بلغ الستين، التحق بجامعة الازهر، وهو لاينتظر المقابل فهو بلغ سن التقاعد، لكنه يريد دراسة الدين واللغة العربية, وهنا يتبين لنا مدى رغبته في التحضير للاخرة، ولكن ليس بشكل يائس ولكن بالوضع الطبيعي,, لان الحياة فعلاً تبدأ بعد سن الستين,, ومن هنا يستطيع الانسان ان يحقق كل ماكان يطمح اليه, وخصوصاً ان الانسان في هذه المرحلة يستطيع القيام بكل مايريده دون الالتفات اليه من الغير لانه في هذه المرحلة يكون قد ادى كل واجباته نحو اسرته فلايجد من يحاسبه اوينتقده كما الشاب الصغير الذي يواجه الكثير من الانتقادات,, وهنا اركز على الانسان الناجح الذي عاش كل مراحل حياته بنجاح، وهذالاينطبق على الانسان الذي مرت مراحل عمره غير طبيعية، ولايوجد لديه اي امل ان يبدأ لاسيما بعد سن الستين،وهنا يصاب بالاكتئاب الشديد وهذا النوع يعد اخطر انواع الاكتئاب لان احساساً يتولد في داخله على انه انسان محطم لافائدة لوجوده، وغالباً مايردد انا فاشل وينظر الى الحياة بشيء من السواد.
وعندما اقول ان الحياة تبدأ بعد سن الستين، يكون الانسان قد انجز كل المهمات الضرورية في مراحل عمره، وتخلص من كل المشاكل التي كانت تواجهه ، فاصبح جاهزاً ليعيش حياته كما يريد.
عودة إلى التقاعد
وبالعودة الى قرار التقاعد وكيف يمر على ذاكرة المتقاعد، وهل يؤثر ذلك عليه نفسياً,, يضيف البدري قائلاً: عندما يمر الانسان بظروف غير طبيعية، وتمر مراحل عمره بصعوبة ومعاناة,, هنا تكون الوظيفة بالنسبة اليه الملجأ الوحيد، حيث انه يستمد حياته من وظيفته, ويجدها المتنفس الوحيد، بل انه يقدم على الوظيفة باندفاع شديد، ويستمر بها ليشغل وقت فراغه مثلاً,, ويهرب من واقعه المرير، وهنا نماذج كثيرة، فقد يكون الانسان يعاني من امراض نفسية أو متسلطاً في حياته، واذا كان مسؤولاً يملي كل قراراته على موظفيه بشيء من الحدة والتسلط فيبدأ وفجأة يفقد السلطة لكنه يبدأ يمارسها على افراد اسرته, فنجده يعامل زوجته بقسوة، يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، ويمارس الضغط النفسي على ابنائه والنظر اليهم بنظرة ظالمة، وكأنهم هم السبب في حالته، وايضاً يقوم بافتعال بعض الامور حتى يبقى الجميع الىجانبه فيعيش في حالة عدم رضا دائمة:
الآثار النفسية
ويواصل د, البدري حديثه عن الحياة بعد سن الستين بوجهها البائس فيقول: لاشك ان الانسان الذي يعيش حياة بائسة، يعيش بعد سن الستين حالة احباط، فاذا كانت المرحلة السابقة غير ناضجة لايستطيع ان ينضج بعد هذه السن، فمن الطبيعي ان يستمد شخصيته وهدوءه من وظيفته, لذلك في هذه المرحلة الحرجة يأتي دور العائلة المهم, يجب عليهم ان يراعوا كبير السن خاصة اذا وصل المتقاعد سن الستين والذي لاشك فيه انه بذل مجهوداً قيماً وانتج الكثير- واستطيع القول,, اذا كان المتقاعد لم يصل الى مرحلة حرجة مرضية، هنا يمكننا العلاج عن طريق المختصين، باسناد بعض الاعمال اليه، وانا سمعت ان بعض المؤسسات والدوائر الحكومية، اقامت بعض المجالس للمتقاعدين للاجتماع بهم والاستفادة من خبراتهم، وهذا يخفف لديهم الشعور بعدم الاهمية، لان المتقاعد يكون انسانا حساسا جداً حتى انه قد يشعر وهو في وسط عائلته انه انسان منسي ليس له اية اهمية، وهذا يولد في داخله الشعور بالجحود ممن حوله حتى من ابنائه، وخصوصاً اذا كانو موظفين ولهم دخل مادي جيد، وهذا شعور طبيعي، حيث انه يعود بتفكيره الى الماضي، ويتذكر حين كان هو مسؤولاً يلبي كل طلباتهم وفجأة حدث العكس فاصبحوا مسئولين عنه، وفي هذه المرحلة يجب على الابناء مراعاة آبائهم، ايضاً يجب على الجامعات والدوائر الحكومية ان تحترم المتقاعد بالاستفادة من خبراته,, وهذا العمل ليس له أي اشكال اداري لو نفذ فعلاً.
المشاكل الصحية
ماذا عن اختلال الروتين اليومي الذي اعتاد عليه الانسان، هل يختل توازن الجسم يسبب عدم مزاولة النشاط الجسماني المعتاد؟!,, يجيب د, البدري عن هذا السؤال بقوله:
اود ان اذكر معلومة طبية مهمة,, كلما كبر الانسان قصر نومه,, وهذا امر طبيعي وغير مقلق فمثلاً 4ساعات نوم في اليوم كافية جداً، فاذا اقتنعنا بهذا لاتوجد لدينا اية مشكلة، اما النقطة المهمة هنا هي ان الاهل يريدون كبير السن ان ينام طيلة يومه لان ذلك يريحهم، وهنا يجب ان نتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا .
وهذا الحديث يجب ان نتذكره دائماً، وان نعي شيئاً مهماً، ان كبير السن كلما ازداد كبراً نقص عقله، ولكن هذا لايعني عدم الاخذ برأيه، بل يجب ان يؤخذ برأيه لان كبير السن في هذه المرحلة يكون انسانا حساسا، ويجب على الابناء ان يعرفوا ان عصبية كبير السن، ليست موجهة لهم وحدهم، وليست كراهية ضدهم، وانما طبيعة الامور تغيرت فعليهم ان يتقبلوها كما هي:
كيف نجعل للغد ملامح
واختتم د, البدري حديثه قائلاً,, وحتى نجعل للغد ملامح، ونتصالح مع الواقع، يجب ان ننظر الى الماضي على انه انتهى، والا نكثر البكاء عليه,, ونصلح امرنا بالتوبة,, بتنقية انفسنا من الذنوب، بدلاً من النظرة التشاؤمية، من تحطيم واكتئاب، والحسرة على مافات من العمر، فكلما قرب الانسان اجله كان تفاؤله اكبر وامله بالله اعظم، لان الله اعلم بضعفنا وعجزنا، فعلينا ان نعيش الواقع وقتها سنجد ان الشيخوخة متعة,, ولاننسى قوله تعالى الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق مايشاء وهو العليم القدير , صدق الله العظيم
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
الطبية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved