Monday 12th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 28 ربيع الاول


الملامح الرئيسة للسياسة الاقتصادية المستقبلية

جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الضافية التي خاطب من خلالها أعضاء مجلس الشورى في سنته الثالثة لتؤكد ملامح السياسة الاقتصادية المستقبلية للمملكة العربية السعودية حيث تناول امد الله في عمره ابرز المحاور التي تشغل بال صانع القرار الاقتصادي وجميع المهتمين بالواقع والمستقبل الاقتصادي للمملكة, ولقد جاءت هذه الكلمة التي اعتقد انها في مضمونها تتجاوز حدود الكلمة لتشكل دستوراً اقتصادياً مستقبلياً يجب ان يكون محل اهتمام وتركيز الوزارات والجهات المعنية التي لها مساس مباشر بالمحاور الرئيسة التي تضمنها هذا الدستور (هذه الكلمة), ويمكن استعراض أهم ملامح السياسة الاقتصادية المستقبلية على النحو التالي.
1 - التأكيد على اهمية النفط كمصدر رئيس للدخل: وهنا لا احد يعتقد خلاف ذلك خاصة ان المملكة العربية السعودية تمتلك مخزوناً وثقلاً نفطياً يمكنها من تحقيق الاستغلال الأمثل لهذا المورد وفقا لما تتطلبه متطلبات التنمية ووفقاً للمتغيرات الدولية والاقليمية والمحلية التي لها علاقة مباشرة بالمتغيرات الرئيسة في اسواق النفط العالمية, وهنا ايضاً نشير الى ان اهمية النفط بالنسبة للاقتصاد السعودي لا تأتي من خلال الوزن الكبير لهذه السلعة في جانب الصادرات من الميزان التجاري للمملكة فحسب ولكن اهميته الحقيقية تأتي من كونه سلعة اولية تدخل في انتاج معظم السلع الانتاجية والاستهلاكية مما يعطي المملكة ميزة نسبية يمكن ان تساهم في اكساب السلع الوطنية قوة تنافسية هائلة في الاسواق العالمية خاصة ونحن نتعايش مع مبادىء منظمة التجارة العالمية التي تسعى الى ازالة كافة الحواجز الجمركية وغير الجمركية التي تعيق او تحد من تدفق السلع الوطنية الى الأسواق العالمية.
2 - المحافظة على استقرار اسواق النفط العالمية: لقد تعرضت اسواق النفط العالمية خلال السنوات الأخيرة الى حالة من التذبذب المستمر الذي صاحبه انخفاض حاد في اسعار النفط العالمية نتيجة لزيادة الانتاج النفطي من داخل وخارج منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك), ولقد صاحب هذا الانخفاض في الاسعار النخفاض كبير في الايراد الحكومي لمعظم الدول المصدرة للنفط مما دفع بهذه الدول وعلى رأسها المملكة الى التحرك الجماعي لتنسيق الجهود من اجل اعادة الاستقرار لاسواق النفط العالمية ومن اجل ضمان سعر نفطي عادل ومناسب للدول المصدرة والمستهلكة على حد سواء, ومما لا شك فيه فقد كان لهذه التحركات ابلغ الاثر في واقع اسواق النفط العالمية حيث شهدت اسعار النفط ارتفاعاً ملحوظاً ربما يعيد للدول المنتجة بشكل عام ولمنظمة الاوبك بشكل خاص الوزن والثقل الدولي المفقود, وهنا يجب ان نشير الى ان واقع وماضي اسواق النفط العالمية لا يدعونا الى التفاؤل المطلق حيث يشهد التاريخ بعدم قدرة الدول المصدرة للنفط على تحقيق الالتزام التام بالحصص الانتاجية المقررة للدول الاعضاء مما ساهم في حدوث تقلبات مفاجئة وعلى عكس تصور الملتزم مع المتفقين, وبالتالي يجب ان نحرص كدول منتجة ومصدرة على تحقيق الاستقرار النفطي في اسواق النفط العالمية وفي نفس الوقت نحرص على تقليل الاعتماد على تصدير النفط الخام من خلال التوسع في الاستثمارات النفطية التكريرية وفي الاستثمارات التي تعتمد على النفط الخام كمادة اولية حتى نستطيع خلق سوق محلية تستوعب كميات كبيرة من منتجنا النفطي.
3 - تخفيف الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل: يتميز الاقتصاد السعودي بارتفاع درجة الانكشاف التجاري للعالم نتيجة لاعتماده الكبير على التجارة الخارجية كما ان الحجم الكبير للنفط الخام في جانب الصادرات يضاعف من آثار هذا الانكشاف ويضعف من قدرة الاقتصاد السعودي على مقاومة التقلبات الاقتصادية التي قد تحدث خارج اطار الاقتصاد المحلي مما يعني صعوبة السيطرة على وتوجيه المتغيرات الاقتصادية المحلية, وبالتالي فقد اكد خادم الحرمين الشريفين على ضرورة العمل على تخفيف الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل حتى نستطيع حماية اقتصادنا المحلي وحتى نستطيع تخفيف اثر تغير اي من المتغيرات الدولية والاقليمية والمحلية على اقتصادنا الوطني, وهنا اشير الى ان هذا المحور يمثل احد اهم المحاور التي كان يجب العمل على تحقيقه عندما كان الوضع الاقتصادي المحلي قادراً على تمويل التغيرات الهيكلية اللازمة ولكن عجزت النداءات التي اكدتها خطط التنمية المتعاقبة عن بعث الروح الوطنية في الجهات المعنية التي لها مساس مباشر بهذا التوجه, واذا كان الماضي مغلفاً بمؤثرات الطفرة الاقتصادية فان الحاضر والواقع الاقتصادي قد كشف الخطأ الكبير الذي ارتكبه المخطط والمنفذ مما يعني ضرورة ووجوب الاسراع في تنفيذ وتحقيق ما اكده خادم الحرمين الشريفين حتى يعود الاقتصاد السعودي قوياً بعناصره الانتاجية المختلفة بعيداً عن المؤثرات الخارجية التي عانى منها الاقتصاد السعودي كثيراً.
4 - تفعيل دور القطاع الخاص في الاقتصاد السعودي: لا احد يشك في ان القطاع العام في المملكة العربية السعودية قد تحمل كرماً الكثير من المهام التي هي في الاساس من اختصاص القطاع الخاص, ولا احد يشك في ان هذا التوجه قد كان في وقت لم يكن فيه القطاع الخاص قادراً على تحمل المسؤولية نتيجة للنقص الواضح في القدرات الادارية والتمويلية, ولقد نتج عن هذا الوضع بروز العديد من الملاحظات الجوهرية التي عادة ما تصاحب وجود القطاع العام كالبطالة المقنعة وانعدام الرقابة الادارية والمالية وغيرها من الملاحظات التي شكلت ولا تزال تشكل عبئاً اضافياً على اقتصادنا المحلي, وبالتالي فان واقعنا الاقتصادي في ظل الظروف الاقتصادية السائدة يحتم علينا ضرورة حماية مواردنا الاقتصادية عن طريق اتاحة الفرصة للقطاع الخاص لاداء دوره الوطني ولاسيما انه قد اكتشف الكثير من الخبرات الادارية اللازمة التي تمكنه من اداء هذا الدور بفاعلية وكفاءة عالية وعليه فان خادم الحرمين الشريفين قد اكد هذا الهدف وابرزه ضمن اهم الأهداف الرئيسة لسياساتنا المستقبلية مما يعني ضرورة العمل على تحقيقه حتى يتخلص القطاع العام من عقدة المسؤولية التي الزم نفسه بها منذ بداية الطفرة الاقتصادية.
5 - الحق المطلق للشباب السعودي في الحصول على فرص عمل مناسبة: لقد اكد خادم الحرمين الشريفين على التزام الحكومة بتأمين فرص العمل للشباب السعودي كحق من حقوق المواطن السعودي التي تحرص حكومة هذا البلد يحفظها الله على تأمينها, ومما لا شك فيه ان هذا الهدف يأتي في طليعة تطلعات المواطن السعودي الذي اصبح يعاني من بقاء ابنه او اخيه او قريبه عاطلاً عن العمل بينما العامل الأجنبي يرتع في كل الأرجاء دون رقيب او حسيب, يتطلع المواطن السعودي الى ان يعود منتجاً كما كان في السابق لا مستهلكاً كما هو الآن بعد ان احتل العامل الأجنبي موقعه في ميدان العمل يجب الا نسمع كثيراً لمن يحارب من اجل مصلحته الخاصة ويدافع من اجل حماية العامل الأجنبي لكونه لا يعطي للمصلحة العامة وزناً في حساباته وتقديراته, يجب علينا ان نعي معنى التزام الحكومة بتأمين فرص العمل للشباب السعودي ويجب علينا استشعار اهمية هذا المحور الهام حتى لا نقع فريسة للآثار السلبية المترتبة على انتشار ظاهرة البطالة.
سؤال هام: اذا كان خادم الحرمين الشريفين قد اكد حق المواطن في الحصول على فرصة عمل فلماذا تستمر العشوائية في سوق العمل؟ ولماذا تبقى الابواب مشرعة على مصراعيها للاستقدام غير المنظم؟ ولماذا تبقى وزارة العمل حبيسة المكاتب بعيدة عن الميدان؟ ولماذا يبقى القطاع الخاص بعيداً عن تطلعات القادة على الرغم من المزايا المقدمة له؟ ولماذا نفرض على شبابنا منافسة غير عادلة؟ ولماذا لا نكون كغيرنا من دول العالم التي لا تعالج سوق العمل من خلال النظرة الاقتصادية الضيقة؟ اسئلة عديدة ربما يفرض علينا الواقع غير المحبب الاجابة عليها ولكن بعد ان ترتفع تكلفة معالجتها.
اخيراً: اعتقد ان خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله قد وضع من خلال الكلمة الرائعة اطاراً شاملاً لمعظم المحاور الرئيسة لسياستنا الاقتصادية المستقبلية وبالتالي يجب على الوزارات والجهات المعنية ان تجتهد في حدود هذا الاطار بعيداً عن الاجتهادات الفردية التي انهكت اقتصادنا المحلي وافقدتنا فرص الاستفادة المثلى من الطفرة الاقتصادية,يجب على الوزراء المعنيين الذين استمعوا للكلمة الضافية ان يدركوا بأن الأهداف والمرتكزات الرئيسة لسياستنا الاقتصادية واضحة ومحددة عليهم بذل الجهد المقنن لتحقيقها بغض النظر عن المصالح الشخصية التي ربما تعترض ذلك لعلهم جميعاً يدركون بأن التاريخ لا يحفظ الجهد الضائع وانما يسجل الحقائق الملموسة بغض النظر عن التقارير المظللة التي عادة ما تحول دون بروز الحقيقة في وقتها.
* أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية


رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
الطبية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved