Monday 12th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 28 ربيع الاول


وجهة نظر
قصة الذهب 4
د, محمد يحيى اليماني *

شهدت بداية السبعينيات الميلادية مولد نظام نقدي عالمي جديد على الرغم من استمرار العمل بصيغة معدلة من اتفاقية بريتن ودز التي انهارت تماماً في مارس 1973م عندما أقرت ست دول اوروبية نظاماً نقدياً بديلاً لاتفاقية بريتن ودز مؤداه ان تقوم هذه الدول بتثبيت اسعار الصرف بين عملاتها بينما تحدد اسعارها في مقابل العملات الأخرى بناء على ظروف العرض والطلب, وقد اقتنعت الدول الصناعية بعدم جدوى التمسك بالذهب في النظام النقدي العالمي وبتثبيت اسعار الصرف فأقرت في يناير من عام 1976م في جامايكا نظام اسعار الصرف العائمة التي بناء عليها اصبحت اسعار صرف العملات تتحدد وفقاً لظروف العرض والطلب كما تم الغاء سعر الذهب الرسمي وبهذا لم تعد الدول بحاجة للاحتفاظ بالذهب لتغطية ما تصدره من نقود ورقية، واصبحت العملات تستمد قيمتها من قدرة الدولة على المحافظة على استقرار سعر صرفها في مقابل العملات الاخرى ومن مكانتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية ولذا لم يعد الذهب يطلب كغطاء للعملات المصدرة او كاحتياطي بنفس المستوى السابق بل اصبح ينظر اليه كعبء وكأصل عقيم ولذا فقد قام صندوق النقد الدولي على سبيل المثال لا الحصر في نهاية السبعينيات الميلادية ببيع سدس موجوداته من الذهب لتمويل البرامج المصممة لمساعدة الدول النامية.
وعلى الرغم من ذلك فقد استمر الذهب في القيام بوظيفة الملاذ الآمن للمدخرات والثروات وخاصة في أوقات الأزمات لما يتمتع به من قيمة ذاتية لا تمتلكها العملات الورقية, فقذ كان الطلب على الذهب يزداد اوقات الازمات وكان سعر الذهب يؤخذ كمؤشر على حدة الأزمات الا انه في الآونة الاخيرة بدأ يفقد هذه الوظيفة ايضا شيئاً فشيئاً فمثلا خلال ازمة الخليج الثانية في بداية هذا العقد كان المتوقع ارتفاع سعر الذهب بشكل كبير الا ان ذلك لم يحصل وكذا لم ترتفع اسعار الذهب خلال الأزمة الاقتصادية الاخيرة بل حصل العكس.
وقد تضافرت اسباب متعددة جعلت اسعار الذهب تتراجع بشكل مستمر منها ان الافراد والحكومات لم يعودوا مقتنعين بفكرة الاحتياطي او الملاذ الآمن الذي لا بد ان يكون ذهباً, اضافة الى انهم اصبحوا يفضلون الاستثمار في الاسهم والسندات والعملات بدلاً من الاحتفاظ بثرواتهم ومدخراتهم عاطلة في شكل ذهب, وربما شكلت رغبة الدول والهيئات العالمية في الحصول على السيولة لتمويل برامجها المختلفة سبباً في زيادة عرض الذهب عن الطلب فقد اعلنت بريطانيا عن رغبتها في بيع 415 طنامن الذهب الموجود لدى المصرف المركزي البريطاني خلال السنوات القليلة القادمة, ويرغب المصرف المركزي السويسري في بيع 1300 طن من الذهب لتمويل صندوق خصص لتعويض ممتلكات اليهود التي نهبت خلال الحرب العالمية الثانية, ويتوقع كذلك ان يبدأ صندوق النقد الدولي في الربع الأخير من هذا العام في بيع 311 طناً من الذهب الموجود لديه لتمويل البرامج المخصصة لتخفيف ديون الدول الاكثر فقراً, ومن الواضح ان مثل هذه القرارات تترك اثراً بعيد المدى على اسعار الذهب, فالمتعاملون في السوق يدركون ان هناك ما يقارب الفي طن من الذهب ستكون معروضة للبيع خلال السنوات القليلة القادمة اضافة الى ما ينتج من ذهب جديد سنوياً, وهذه الكميات ستكون اكثر من كافية لامتصاص الطلب المتناقص على الذهب.
ولا شك ان لانخفاض اسعار الذهب العديد من الآثار على كثير من المتغيرات الاقتصادية فهو يؤثر سلباً على مدخرات وثروات الافراد الذين يحتفظون بمدخراتهم وثرواتهم في شكل ذهب وهذا بدوره سيؤثر على الاستهلاك والادخار والاستثمار كما ان انخفاض اسعار الذهب يؤثر على اسعار الاسهم والسندات والعقار وفي الجانب الآخر فان انخفاض اسعار الذهب سيؤثر سلباً على منتجي الذهب الذين سيضطرون لاغلاق بعض مناجم الذهب ذات الكلفة الاستخراجية المرتفعة او على اقل تقدير خفض انتاجهم كما سيتأثر مصنعو الذهب لانه يتوقع ان يقل الاقبال تدريجياً على الحلي المصنعة من الذهب اذا ما استمرت الاسعار في الانخفاض لأن هذا يفقد الذهب مكانته في كونه معدناً ثميناً يتباهى الاشخاص باقتنائه.
ومع كل ذلك فانه من المتوقع ان يظل الذهب محافظاً على شيء من مكانته في المدى القريب لكن هذه المكانة ربما قد تكون بدأت في التلاشي فعلاً مثلما بدأت في التناقص عندما بدأ العمل باتفاقية بريتن ودز في مثل هذا الشهر قبل خمسة وخمسين عاماً.
* قسم الاقتصاد الإسلامي - جامعة الإمام محمد بن سعود

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
الطبية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved