Monday 12th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 28 ربيع الاول


الرئة الثالثة
دفاعاً عن )القراوة(!

نسمع بين الحين والآخر سِقطاً من القول يرجمُ انساناً ب)البداوة(وآخر ب)القراوة( ويربطهما بالتخلف فكرا أو قيافة أو سلوكا وأمر كهذا يهزّ الوجدان، أن يصبح )البدوي( أو )القروي( وسيلة اسقاط لوزر التخلف,, او شماعة تُعلّق عليها العيوب!,
& & &
وأود أن اعلق على هذه السلبية السلوكية بما يلي:
أولاً: أن الحق تبارك وتعالى نهى عن الهمز واللمز في التعامل بين الناس، افراداً كانوا أو جماعات، وألا يسخر رجال من رجال عسى أن يكونوا خيراً منهم، ولا نساء من نساء عسى ان يكنَّ خيراً منهن، وأكد انه لا فضل لعربي على عجمي الا بالتقوى، التي تقرب الانسان من طاعة الخالق، وتبعده عن أذى المخلوق!,
& & &
ثانياً: أن ابن القرية أو البادية ليس في حاجة الى من يدافع عنه، او يعتذر له، فالأرض والتاريخ والتراث: كل من اولئك شاهد له: اصالة وصلابة وصموداً, يعاني من شظف العيش فلا يهتز، ويواجه الخطوب فلا يجبن ويتعامل مع سقم الحياة وسأمها بقلب يعمره الإيمان والقناعة!
& & &
ثالثاً: اذا كان المرء منا يقيس الناس والأشياء من حوله بحضارة الحس: شواهد ولذات، واذا كان مفتوناً بها، فتنة يظن من فرطها انها معيار التفوق الإنساني، فيجب الا يظلم بفتنته هذه القرية أو البادية، فيرجم ابنها بما يراه مخالفاً لمعايير الحس وشواهده، وكأن )البداوة( أو )القراوة( مسؤولتان عمّا آل اليه صاحبهما من صروف الزمان وظروفه!,
& & &
رابعاً: إن )القراوة( أو )البداوة( ليست ضعة في الهندام, ولا تواضعاً في الزاد، ولا عوجاً في اللسان,, إنما هي نقاء المعدن، وصدق السريرة، وصفاء الوجدان، وهي الصبر على جور الأرض وضيمها، ولو انصفناها لقلنا انها الوجه الآخر المتفائل للحياة المثخنة بالخطوب!,
& & &
خامساً: إن من الظلم الظن بأن )البداوة( أو )القراوة( قرينان للتخلف، لا يبدأ الا بهما، ولا ينتهي الا بزوالهما، التخلف في أصله ما كان يوماً ضالة ابن القرية او البادية، ولا غايته، بل كان قيداً يأسر طموحه، ويعوق نموه، فلما اتيحت له فرصة الانعتاق منه، انطلق يجوب اجواء العلم في كل مكان,, فصار عالماً وقاضياً وطبيباً وطياراً ومحامياً واستاذ جامعة بل ورائد فضاء!,
& & &
أخيراً,, أدعو نفسي وافراد الجيل الحاضر ذكوراً واناثاً، الا )يغتربوا( في فكرهم وطموحهم وطباعهم اغتراباً ينسيهم جذورهم,, ومنابت عقولهم,, وافئدتهم,, فاذا أنسوا امراً تنكره غربتهم,, قذفوا فاعله ب)البداوة( أو )القراوة(,, وكأنهم هم أسوياء لا يأتيهم العيب! أو كأنهم نبتة برية تنكرت لجذورها,, فأنكرها الحي والجامد، وتاهت هويتها بين التليد والجديد!!,
& & &
ينسون ان في القرية او البادية جذور هذه الأمة التي انطلقت منها الى مسارات السباق الحضاري في كل مجال!,
ينسون أن آباءهم وأجدادهم كانوا بدواً ورعاة وفلاحين حتى أدركهم )مس( المدنية، فهجروا القرية والبادية الى سراب المدينة، وبعضهم )هاجر( خارج اسوار العقل والفطرة والتربية تطفلاً على ثقافات اخرى,, دون فرز أو تمييز يحفظان له الحد الأدنى من كرامة النفس وهيبتها وانتمائها!,
& & &
وبعد,,
فالتخلف حالة من ركود العقل وإعاقة الروح، يستوي في معاناتهما ابن القرية والمدينة والبادية,, وحتى ابن ناطحات السحاب,, متى حرم اي منهم من نعمة البصيرة، وفضيلة الفكر والتمييز!!,
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
الطبية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved