متابعة : عليان السعدان
في اطار النشاط المكثف الذي يقوم به النادي الادبي بالطائف بمناسبة انطلاقة فعاليات البرنامج التنشيطي السياحي بالطائف اقام النادي الادبي محاضرة قيمة - الثلاثاء الماضي - للاستاذ عبدالله سليمان الحصين بعنوان (الملك عبدالعزيز وفقه الوحدة) بحضور جمهور من المثقفين بمقر النادي بالفيصلية.
وتطرق المحاضر الى اقوال وكتابات كثير من الكتاب والمؤرخين العالميين عن حياة الملك عبدالعزيز وانجازاته على الجزيرة العربية, كما اشار المحاضر الى كثير من مواقف الملك عبدالعزيز ومنها تلك المواقف الانسانية النبيلة لجلالة الملك عبدالعزيز مع الاعداء وتسامحه معهم بكرمه وسماحته.
كما تطرق المحاضر الى الدور الكبير الذي لعبه جلالة الملك عبدالعزيز في توحيد الجزيرة العربية ولم شملها وتوحيد قبائلها ونبذ الخلافات فيما بينها والتآخي تحت ظل وطن واحد متساويين ومتعادلين.
وفيما يلي مجتزآت من المحاضرة التي القاها الاستاذ عبدالله الحصين بمقر النادي الادبي بالطائف.
يرى بعض المؤرخين بان زيارة التاريخ هي قراءة للاحداث ومتابعة لصراع الاحياء.
وفي تصوري المتواضع ان زيارة التاريخ هي محاولة لمعرفة الحقائق فيما خلف السرد التاريخي.
واذا كان تاريخ هذا الوطن معروفا ومتواترا ومستقرا في اذهان الكثرة من المتابعين ومن قراء التاريخ فقد نبدو للوهلة الاولى اننا لا نقدم جديدا ولا نضيف مفيدا.
ايها الاخوة الاعزاء، نحن هنا وفي هذه الامسية لا نقرأ التاريخ لكننا نحاول ان نتعرف على ما بين السطور وما خلف الاحداث.
وقبل هذا وبعده كان لابد ان نتأمل مقولة الباحث الاجتماعي المعروف (إلين تورين) في كتابه بناء المجتمعات ترجمة دار المعرفة عام 1976م (إلين تورين) في كتابه بناء المجتمعات,, ترجمة دار المعرفة عام 1976م (إلين تورين) يؤكد بان المجتمعات قادرة على بناء نفسها اذا وجدت قيادة قادرة على تنظيم فكرها, لكن الباحث العربي الكبير ابن خلدون قد سبق الين تورين باكثر من خمسة قرون عندما تحدث عن بناء المجتمعات وتحدث عن توصيف الامم والممالك.
ثم نجد بعد ذلك مؤرخا غربيا هو سميث تاور النمساوي المعروف يكتب عن الملك عبدالعزيز وقد صدر كتابه عام 1938م ونشرته بالعربية دار العلم للملايين بيروت عام 1957م هذا المؤرخ النمساوي يعقد مقارنة بين الملك عبدالعزيز وبين الخليفة الاموي معاوية بن ابي سفيان فيقول بان الملك عبدالعزيز يلتقي مع ذلك الزعيم العربي الذكي الألمعي الذي ارسى قاعدة من قواعد القيادة جديرة بالتأمل عندما قال لا اضع سيفي حيث يكفي سوطي ولا اضع سوطي حيث يكفي كلامي والله لو كان ما بيني وبين الناس شعرة ما قطعتها اذا شدوا ارخيت واذا ارخوا شددت .
هذا البعد في الفكر السياسي لم يتعرض له كثرة من المؤرخين.
نعم تحدث المؤرخون عن شجاعة الملك الموحد كما تحدثوا عن سمو اخلاقه وتسامحه وكرمه.
فالملك عبدالعزيز ما كان ثائرا متعسكرا او انتهازيا حاقدا او باحثا عن ثارات وانما كان قائداً مصلحا يدعو الى الله على بصيرة ويجادل بالتي هي احسن.
ان فقه الوحدة في فكر الملك عبدالعزيز قد استند في فلسفته واهدافه الى تجميع تلك الاشلاء الممزقة في شرقي وشمال وجنوب وغرب الجزيرة العربية يجمع شملها يوحد مسيرتها يوفق بين ابنائها وعندما بدأ رحلة الكفاح كانت هذه الاجزاء المبعثرة قد سئمت ليل الفرقة والفوضى والغارات والنهب والسلب وضياع الدرب وحيرة الدليل.
وكان هناك عقلاء في تلك الاجزاء الغارقة في الفوضى والصراعات تبحث عن قيادة تطمئن اليها تنضوي تحت لوائها, ولم تكن تلك الامانة سهلة او ميسورة لاسيما اذا ما حاولنا ان نتعرف على المناخات العامة لتلك الاقاليم من شيوخ القبائل او سكان الانجاع والقرى والمدن.
وفي قراءة فقه الوحدة نجد ان هناك عناصر قد استفادت من الفوضى كما استفادت من الاتاوات والاسلاب لتشكل صورة قاتمة تترامى على رمال الجزيرة ووهادها مما يؤكد ان ليل الفرقة قد شكل في شبه الجزيرة العربية ظاهرة خطيرة وبعيدة الاثر, والتاريخ يحدثنا عن تلكم الفترات فالدولة العثمانية على مشارف الزوال تعاني العديد من الآلام والاوجاع ونزعة التتريك والانكفاء.
والمعروف سلفا ان الدولة العثمانية لم تكن تحكم الجزيرة العربية وانما كانت تتعامل في ذلك مع نماذج من الافراد والجماعات وبعض شيوخ القبائل وتضع اوصياء على بعض المدن والاقاليم يتصرفون كما يشاءون سواء منهم من حاول الاستقلال عن الدولة العثمانية او من ظل تحت خيمتها وفي ظل ذلكم المناخ كان الامام الموحد الملك عبدالعزيز يؤلمه ما يراه ويؤلمه اكثر فقدان الامن وضياع الامة وحيرة الدليل, وكان لابد ان يكون امله انقاذ هذه الامة الغارقة في الفوضى والامية والفقر, لقد كان الملك عبدالعزيز القائد والمنقذ بعد الله والصوت المدوي الذي اجاب على تطلعات هذه الامة وجاهد في تحقيق آمالها.
وتعريف الوحدة كما يرى علماء القانون وعلماء الفكر الاجتماعي هو انصهار امة داخل هدف وفكر وثقافة ووطن واحد وانتماء واحد, وقد كان الامام الموحد وهو يحمل اللواء ويتحمل المسئولية بكل ابعادها يدرك الصعوبات واخطار الرحلة الشاقة كما يدرك قبل غيره ان امرا كهذا يتطلب من القيادة السياسية والفكرية اتخاذ العديد من المواقف والحوارات واللين حينا والحزم حينا آخر, وكانت موهبته القيادية تسبقه في كثير من المواقف, لو تأملنا ما بين السطور في تاريخ ملحمة الوحدة وبعد انتهاء قرن من الزمن على تأسيس هذا الوطن القارة فسنرى كيف كانت بعض القيادات المعتدلة والنخب في بعض الاجزاء من جزيرة العرب وقد سئمت ظلام الفوضى وغارات القبائل وضياع الامن فكانت تكتب سرا الى الملك الموحد تعرض عليه الانضمام اليه بل ان بعضا منها لم يكن يستعمل الكتابة او لا يتعامل معها وانما يرسل الرسائل مشافهة مع مندوبين وكان هناك ايضا من يثبط العزائم ويشكك في النتائج بهدف استمرار الفوضى والسلب والغنائم.
لكن الحكمة والتروي والرغبة الصادقة في البحث عن مخرج من الازمات كانت تنتصر في النهاية.
ايها الاخوة الاعزاء! دعونا هنا نتأمل ما كتبه المؤرخ البريطاني الشهير (مايكل بلمر) في كتابه السعودية من القبيلة الى الدولة ترجمة دار الشروق 1964م وهو يطرح اسئلة ويحاول ان يجيب عليها وهو يقول: ماذا يفعل ابن سعود امام ظاهرتين تحتاج كل منهما الى جهد وصبر ومن الصعوبة تجاوزهما الاولى الصراع القبلي الذي حول الجزيرة العربية الى ميادين للقتال والغارات والصراع والدماء والثارات, وثانيهما واقع العالمين العربي والاسلامي في ظل الدولة العثمانية التي تطوي ظل سلطتها يوما بعد يوم دولة مريضة تواجه نزعة التتريك, وهذا الخلاف العقدي والنزعات الصوفية التي تسيطر على العالم المحيط بالجزيرة العربية وهدف الملك عبدالعزيز توحيد الجزيرة العربية في ايهاب ينزع الى التقنين والنظام وفي الوقت نفسه فان ابن سعود هو حامل لواء الدعوة الاسلامية السلفية وهو مسئول عن تصحيح العقيدة وحمل لواء التبشير بالسلفية فماذا يفعل؟ وقد عرف الملك عبدالعزيز ماذا يفعل, لقد انهى مظاهر الفوضى وجمع الامة تحت لواء واحد, ثم مارس دوره الفاعل على الساحتين العربية والاسلامية, تلكم كانت شهادة من مؤرخ بريطاني محايد.
لقد كان كما وصف المؤرخ النمساوي لا يضع سيفه حيث يكفيه السوط ولا يضع السوط حيث يكفيه الكلام, وسنقرأ في فقه الوحدة ايها الاعزاء كيف كان الامام الموحد الملك عبدالعزيز يحول بانسانيته وكرمه وسمو اخلاقه مجموعة من اعداء الامس الذين حاربوه واستهدفوا حياته او وقفوا وساعدوا اعداءه كيف تسامى فحولهم الى اصدقاء يجالسهم يكرمهم يشاركونه حتى الطعام اعداء الامس اصبحوا جلساء الملك لقد انتصر في كل معاركه لكن نشوة النصر لم تنسه انسانيته.
|