ديوان أوراق للشاعر جمال عبد الجبار علوش، والشاعر يكتب للكبار، وله دواوين اخرى خاصة بالأطفال، ومساهمات شعرية منشورة في مجلة احمد اللبنانية، حيث تنشر له حلقات او مسلسلات ابداعية مرفقة بصورة ملونة.
اما عن هذا الذي بين ايدينا فهو مجموعة قصائد تحمل هماً وطنياً وقومياً عاماً، محورها العام يدور حول شخصية رئيسة هي بمثابة الرمز الذي ينظم اكثر قصائد المجموعة وهي شخصية نهر الفرات كرمز للوطن العربي بعظمته وغربته في زمن النكوص العربي.
فالشاعر في قصيدته بكائية الفرات يقيم علاقة وجدانية عبر محاورة ساخنة، تتدفق فيها مشاعر الوجد، وتنتابها المرارة واللوعة والأسى وتذكرنا هذه المحاورة باخرى قام بها الشاعر عنترة بن شداد حين حاور حصانه بأسلوب شيق يؤكد على نبل المعاني بيد ان وجه الخلاف بين الشاعرين الحداثة والتقليد.
ونهر الفرات جزء هام من حياة الشاعر جمال جغرافياً ووطنياً وعربياً، وهو الحبيب الغالي عند كل الشعراء الذين يجاورون ضفاف الفرات، ولا عجب ان يرى القارىء شحنة من الوجع ينتاب جسد النهر وجسد الشاعر وهو يقول:
يدلي بغربته، وأدلي
هذا الفرات نديمي الأزلي
فاطر صبوتي
هذا الفرات قصيدة لم تغتسل يوماً بغير صباح بذل
يدلي بغربته يئن
يحن الشاعر الى المضارب العربية التليدة، ويجسد المواقف السامية للأجداد العرب، ويندب الحاضر - حيث تبصر عيناه تلك المشاهد الحضارية في الأندلس، ولكن الشاعر في قصيدته ابو عبد الله الصغير تخرج من صدره جمرات اللوعة والأنين والشجن، انه يبحث عن بقايا الشمم والاباء والسمو وماذا يفعل الشاعر سوى ان يمني نفسه بالحلم حيث يستحضر الصورة الزاهية للماضي العريق بقوله:
ستبكي على ملكك المستلب
بدمعٍ كما النار تبكي وتفاحة القلب غرناطة تتلوى
وتستصرخ الحب فيك
تنادي الذي ظل من كبرياء بعينين غاض بريقهما
وانسحب
تنادي العرب
وأنت هنا واقف فارغ
مثل عود القصب!!
ان كانت هموم الوطن تشغل بال الشاعر وتقلقه فهذا لا يعني ابداً ألا يعاود ثانية وثالثة الولوج في مضارب النساء فالنفس ترتاح للجمال، والعين تحدق في الحسن، وترسم لوحة جميلة ساحرة، وكيف لا تكون اللوحة جميلة اذا كان مضمونها المرأة, هذا ما نشهده في قصيدة (انثى) والمدقق في معاني القصيدة سوف يجد امرأة كالمرج زاهية عامرة شهية بهية سمراء شقراء حنطية انها حديقة ساحرة بكل ما تضم، من ورود فواحة، والمرأة عند الشاعر فجر عذب نقي رائع، لم يتبع الشاعر خطى الاقدمين في اساليبهم التقليدية المباشرة والخطابية والتقريرية وانما استطاع ان يحشد اكبر عدد من الألوان الزاهية من خلال مفردات كونت المعاني الجديدة بقوله:
هطلت من الافق البهي ندية
كالصبح يعبق في تلفتها الغمام
أنثى يخاصرها العرار
انثى من الحبق الشهي
مشت، فأورق خطوها لغة
وفاض سنا بيانٍ لا يدانيه كلام
وللرثاء نصيب في هذا الديوان، وما هذا الرثاء سوى مكنون نفيس حيث يتذكر الشاعر رائداً من رواد الشعر العربي وذلك في قصيدته هل مت حقاً الى بلند الحيدري وهو من ائمة شعراء الحداثة وواحد من الشعراء الذين كانت تفيض قلوبهم بالمشاعر النبيلة السامية التي تغمر الانسان والانسانية بعذب الاحاسيس ونقاء الضمير يقول:
هل مت حقاً، لا اصدق يا بلند
وكاذبٌ خبر الجريدة
كان يخشى ما تخبىء في شرايين التحمل
من مواويل العراق
ومن حنينك لاقتناص جليل
ما يخفي من الفرح المؤجل ,,في مواسمه البعيده
وتتداعى الذكريات وتطيب الوحدة او الخلوة مع النفس بالمناجاة واسترجاع بعض الذكريات التي هي جزء هام من تاريخ البشرية وفي قصيدة (فضلة من امان يسيل المداد،فيخرج الصمت عن الصمت وينفرج اللسان ليؤانس وحدته بأدق التفاصيل السرية وذلك بقوله:
وحيداً تحدق فيما تبقى هنا من شذا العنفوان
وحيداً تفتش عن ارثك المر، تطلبه في ابتسامة انثى
تجيء ولو في الكرى
يقع الكتاب في 111 صفحة ويضم ما بين دفتيه 25 قصيدة من الشعر الحديث وقد صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق عام 1998م.
جاك صبري شماس