Saturday 17th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 4 ربيع الثاني


لأن السعودة مازالت تحبو,, يامعالي الوزير
مؤسسة التوظيف الأهلي قد تسهم في الحل

قبل ثماني سنوات تطرقت الى سلبيات توظيف الطلاب في الصيف، وذلك تحت عنوان (العمل في الصيف فكرة مازالت تحبو!) وبداية وكما اشرت الى ذلك فيما بعد في اكثر من مقال، لابد من الاشارة الى ان الدولة السنية تولي بكافة قطاعاتها الحكومية والمشتركة بين القطاعين مجال السعودة جل عنايتها واهتمامها وعلى كافة الاصعدة وبصورة كان لها اكثر من دور ايجابي ملموس، ولعل تطرق مجلس الوزراء الى موضوع السعودة في اكثر من جلسة مؤخراً دليل قاطع على ذلك الاهتمام، وانه لايقف عند حد معين، بل تجاوزه الى ضرورة مساءلة الشركات التي لاتتجاوب مع تلك التعليمات، وذلك الاهتمام يظل هاجسا وطنيا ومطلبا حيويا لدى كل رجل اعمال، الى ان نرى الغد القريب بإذن الله، وقد بلغت السعودة التقنية ارقاما قياسية، سيما في مجالات عصرية بحاجة الى شغلها بالكوادر الوطنية.
والسعودة لاشك اننا تحاورنا من اجلها كثيرا وتعاركنا وتجادلنا، سيطرت السعودة على معظم اطروحاتنا وندواتنا، وكانت هاجسا وهمّا وطنيا ملحا، وستظل كذلك متمثلة كما اسلفت في الجهود والاهتمام الجاد الذي توليه الدولة، ثم بالتجاوب الحثيث والذي نطمع ان يتضاعف مع مرور الايام، وثبات الاوضاع، وماكنت هنا لأتحدث عن السعودة مرة اخرى فكما سبق اشبعنا ذلك كلاما وبحوثا، نطمع ونترقب ان تلامس الواقع فعلا، ولكن مادفعني للعودة للحديث ، تلك المؤشرات الايجابية، التي تأتي امتدادا وتأصيلا للاهتمام الذي توليه قيادتنا الحكيمة في مجال السعودة، وذلك باستحداث وزارة تعنى بالخدمة المدنية، ويتولاها معالي الاستاذ/ محمد الفائز رئيس الديوان سابقا والذي سبق له ان تولى مهام وزارة العمل والشئون الاجتماعية، وابلى بلاشك بلاء حسنا، ثم ما تم مؤخرا بتعيين معالي الاستاذ/ علي بن ابراهيم النملة وهو الشخصية المشهود لها بالتمكن والامانة، والذي يتابع الجميع منذ زمن بعيد مشاركاته الصحفية الناجحة في معالجة العديد من القضايا، وفقه الله لأداء هذه المهمة العظيمة، ثم اخيراً مانلمسه على ارض الواقع من تطبيق غير عملي من قبل مكاتب العمل سأوضحها فيما بعد، وقبل ان ادخل الى تلك المرئيات، اذكر بالتقدير والاجلال الخطوط السعودية وسابك وارامكو السعودية، والمؤسسة العامة للكهرباء، ممثلة في شركاتها المتفرعة والمؤسسات الصحفية، والتي اثبتت ان الشباب السعودي قادر على الاداء المميز كأي موظف آخر، بل وصل الى مرحلة التفوق على زملائه الاوروبيين في كثير من المجالات والمجال اضيق من ان نورد الامثلة الحية على ذلك، وحتى ابعد عن نشوى العواطف، وتعتبر تلك الشركات من الرواد الذين فتحوا مجالات العمل الفنية والتقنية حتى المعقدة منها امام الشباب السعودي، فكانوا اهلا للمسئولية، وكانت تلك الشركات البيئة الاكثر استقطابا للكوادر السعودية بدءاً من الوظائف الدنيا حتى اعلى سلم وظيفي اداري وتقني، واستطاعت ان توفر للموظف اقصى درجات الامن الوظيفي بمفهومه الشامل، بعكس كثير من شركات القطاع الخاص كالبنوك وبعض مؤسسات الافراد والتي للاسف لم تحقق حتى الحد الادنى من درجات الامن الوظيفي الذي ينشده الموظف ، فمعظمها لايمتلك خطا معينا ولانظاما ثابتا ولا خططا مستقبلية بعيدة الامد، واذا اتاحت الفرصة لبعض السعوديين فهي من باب ارضاء الجهات المختصة، دون ان تسعى لتكوين موظفين منتجين، لانها تفتقد ابسط وسائل التدريب، وتعتمد على العمالة الوافدة التي قد تكون تمتلك شيئا من الخبرة ثم التأثير الفعّال على نمط الادارة، او ان النفس يكون مع العمالة الوافدة ارحب مساحة، ويمكن السماح لها باكتساب الخبرة على رأس العمل.
خلل في تطبيق السعودة:
كما اشرت في بداية هذه المقالة تطرقت قبل سنوات الى فكرة توظيف الشباب السعودي في عطلة الصيف، واوضحت يومها ان تلك الممارسات مدعاة في النهاية للخمول والكسل، وكانت المؤسسات يومها وللاسف الى تاريخه، وامام الحاح مكاتب العمل توظّف الشباب من باب المجاملة، حتى كنا يومها نسمع ان كثيرا من تلك المؤسسات توظف السعوديين في عطلة الصيف مجاملة، وقد تدفع لهم رواتب دون مباشرة العمل، ونبهت يومها الى خطورة ذلك ومردوده السلبي على الامد البعيد,, فقد ابرزت تلك الفكرة بطريقتها التقليدية وللاسف شبابا كسولا، ثم الاخطر انها رسخت فكرة لدى رجال الاعمال سرت في المجتمع (سريان النار في هشيم الحطب) من ان السعوديين لايلتزمون ولا يجيدون العمل، وعانينا من ذلك كثيرا، ومازلنا ندفع ضريبة تلك التجربة المريرة، تلك التجربة كادت ان تنسينا براعة الشباب السعودي في كثير من المجالات الطب والهندسة والبترول وكافة التخصصات ولاسيما المعقدة والنادرة منها وفي فترات وجيزة، حينما وجدوا شركات حرصت على ايجاد مظلة لموظفيها من المميزات والدوافع الباعثة على التنافس والعمل الجاد، وسط اجواء عملية ومهنية مساعدة.
السعودة المبطنة:
ان السعودة بطريقة مكاتب العمل القديمة والحديثة كلها وللاسف، تعد من المثبتة للسعودة المبطنة، فمكاتب العمل ألحت على توظيف الشباب السعودي في مؤسسات، صغيرة لاتتجاوز اعمارها بأي حال من الاحوال اصابع اليد الواحدة، وربما في احسن الاحوال ذات فترات مذبذبة، ففترة يكون الموظفون فيها مائة وتارة عشرة وهكذا، فمؤسسات المقاولات والصيانة والتشغيل، ذات اعمار قصيرة جداً، بين ستة اشهر وسنتين، ثم تتذبذب عافيتها، اذ ان صمودها وثباتها يتوقف على ماتحصل عليه من عقود،وهي تنظر للموظف لديها من خلال حسابات المنافع والتكاليف، والذي ينصب بالتالي لصالح العامل الوافد، لذلك فالتوظيف في هذه المؤسسات، هو إقدام مع سبق الاصرار والترصد على قتل طموح الشباب، وعلى وأد السعودة الحقيقية، ونحطم الشباب وخصوصا اننا نمنيهم بالوظيفة ونجعلهم يحلمون، ثم نقتل ما في انفسهم من امل في مواصلة تحصيلهم، لأنهم يعملون في منشآت تدار فرديا وبقرارات فردية مزاجية،هي في الحقيقة (دكاكينية)، تفتقد الى اساسيات المعايير الوظيفية الفاعلة، وكم اخطأنا حينما صفقنا لتلك التجربة ووصفناها بالانجاز، دون ان نستشعر حال اولئك الشباب ومعاناتهم ، حينما يفاجئون ودون سابق اشعار بصاحب العمل وهو يشعرهم بخلو طرفهم، والمستقبل يسود في وجوههم، وحينها تضيع تلك الاحلام التي رسمناها لهم من خلال وظائف واهية، لكن هذه المرة اشد تنكيلا فقد اسس اسرة واستدان سيارة بالتقسيط، وتدعه المؤسسة وحده يجابه تلك الهموم، في غياب وجود من يرصد النتائج.
ولديوان الخدمة إشارة:
ايضا مايحز في النفس، ان نجد ديوان الخدمة المدنية يقف امام السعودة بتجارب ايضا هي الاخرى مريرة، فمازلنا نرى في كثير من مرافق الدولة موظفين وافدين في الاستقبال والصادر والوارد، وكثير من الوظائف التي لاتحتاج الى خبرات، ومضى اكثر من عقد من الزمن، ونحن نسمع من يقول جار سعودة تلك الوظائف، ولكن المتابع يجد ان الحال كما هو عليه، ولكن الادهى والامر ان نجد ديوان الخدمة، يرسخ مفهوم السعودة الهرمة بكل اقتدار، فهو يحيل الى التقاعد من هنا ثم يوظفهم على بند الاجور من جهة اخرى، وقد تألمت كثيرا حينما وجدت ان تلك الوظائف التي يعاد توظيف المتقاعدين فيها، في مجالات لاتحتاج الى الخبرة او كونها نادرة، كإداري ومحاسب وأمين صندوق وخلافه، من الوظائف التي ينتظرها بفارغ الصبر شباب سعودي في مقتبل العمر متحمس وفي نفس الوقت بحاجة ماسة الى الوظيفة، كي يساهم من خلالها في خدمة وطنه، ثم بالتالي يعيش من عرق جبينه.
المطلوب من مكاتب العمل والديوان
لذا ارى ان لجان التوظيف في مكاتب العمل لابد ان تكون مؤهلة لهذه المهمة الحساسة، ولديها خبرة تعليمية او مكتسبة في مجال ادارة الموارد البشرية، قادرة على التقصي والعمل على تواجد الدراسات الميدانية، التي من خلالها يمكن تقويم الاداء واستقصاء النتائج، ثم على دراية بسوق العمل، والعمل على توظيف الشباب في الشركات والمؤسسات التي توفر على الاقل نسبة مقبولة من الامن الوظيفي، وخصوصا المستشفيات والمصانع، والشركات المساهمة المفتوحة، وأن يكون دورها اكثر بعدأ ومتابعة وتقصيا، خصوصا متابعة ما تم توجيههم من موظفين الى المؤسسات، والخروج بنتائج واحصاءات قادرة علىمعالجة كل قصور يظهر في حينه، وان تستعين تلك اللجان بالجامعات ومراكز الابحاث المتخصصة في هذا المجال، ونوقف من نزيف السعودة المبطنة، السعودة الشكلية التي تبنى على العواطف، وحلول تنقصها التجربة والخبرة، ومشاركة المختصين من الاكاديميين وغيرهم ممن يثرون الموضوع بعصارة افكارهم وتجاربهم,, لذا نحمل ايضا ديون الخدمة المدنية بعض العتب ليكون الاكثر فاعلية، فمسئولية الاجيال عظيمة وتتطلب تبعاتها تطورا مواكبا، بالعمل على التدرج المقنن، ذي الابعاد الاكبر شمولية، وضمانا للاستقرار الوظيفي، وان نغلب الواقع والمستقبل ومتطلباته على العواطف وسلبياتها القاتلة.
ماهذا يا مكتب العمل؟
لم اصدق ما يتناقله الشباب المراجعون لمكتب العمل بجدة، من مفارقات عجيبة وقاصمة للاسف، فمكتب العمل يخير صاحب العمل بين امرين، اما أن يوظف النسبة المطلوبة او ان يدفع عن كل موظف (500)خمسمائة ريال للكلية التقنية، فمثلا المؤسسة التي مطلوب منها توظيف الطلاب العشرة ، امامها خياران، إما ان توظف الطلاب العشرة وتدفع لهم خلال العطلة مرتبات في حدود (60)الف ريال، او ان يهرول ويدفع عنهم (5000)خمسة آلاف ريال فقط للكلية التقنية ، أليست مفارقة عجيبة لاترتكز على ابسط مسلمات السعودة، ثم لماذا لايكون الامر العكس، على كل من يرغب الاستقدام دفع مثل ذلك ثم هنالك مفارقة اخرى اكثر عجبا، ان البعض لم يوظف ثم لم يدفع الرسوم تلك، وكل ما ارسل له طالب ارجعه من نفس الطريق، وهكذا، أليس المطلوب شيئا من المتابعة والجدية، في امور مهمة كهذه، تحظى برعاية ولاة الامر والمسئولين، وتقابل هنا بهذه الاجراءات التي لاتخدم السعودة بأي حال من الاحوال.
اقتراح وفكرة
في نهاية هذه المقالة ارى ان اطرح على طاولة النقاش، مشروعا قد يحالفه التوفيق من عدمه، ولكنني ومن خلال خبرة وملامسة ارى انه من الواجب على الاقل مناقشته، لانه قابل للتعديل والاضافة التي قد تسهم ان شاء الله في ترسيخ السعودة كواقع معيش، يألفه صاحب المنشأة قبل الموظف، ويحقق بالتالي ولو جزءا بسيطا من المعادلة المفقودة في هذا الموضوع وتتلخص الفكرة في انشاء (مؤسسة التوظيف الاهلي) مهمتها استقبال وتوجيه السعوديين الباحثين عن عمل، وتتكون المؤسسة من مجلس ادارة عام، وادارات اقليمية، ولجان فرعية مهمتها بحث كافة السبل والجوانب الكفيلة، بتحقيق مايكمن تحقيقه في مجال السعودة، من استقبال وحصر وتحديد مستويات، لكافة الراغبين في العمل في القطاع الخاص، او القائمين الآن على رأس العمل، وذلك بعد تسجيلهم في ملفات خاصة، والاستفادة من خدمات الحاسب الآلي الذي لايسمح بتكرار الاسماء، وتكون ملفات موثقة وأمينة، ولايتم التوجيه الا من قبل هذه المؤسسة ولجانها الفرعية، وتنظر بعين الاعتبار الى كافة حقوق ومصالح جميع الاطراف، لما فيه الصالح العام، ولها حق انشاء المعاهد والكليات الفنية والمهنية، القادرة على تغطية السوق المحلية، ولو على الامد البعيد، ويتم تأمين واردات هذه المؤسسة، مشاركة بين المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، ثم تكليف مؤسسات القطاع الخاص والحكومي بدفع مابين (100-200)ريال سنويا حسبما تراه الجهة المسئولة، وذلك عن كل وافد يعمل في تلك المؤسسات سنويا، وكذلك تحديد رسوم تقديم طلب الوظيفة غير مسترجعة، وأنا على يقين من ان مثل هذا المشروع قابل للتجديد والتطوير والمواكبة لما فيه مصلحة توظيف السعوديين، وضبط عملية التسيب والتنقل بين الشركات، لوجود الحاسب الآلي الذي سيقنن حتما التسيب، وسيغلق في وجه الكسالى الابواب، وسيضع رجال الاعمال، امام واقع جديد يعيد الثقة في الايادي الوطنية، هذا والله من وراء القصد.
صالح المعيض
جدة

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيق
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved