* صنعاء - الجزيرة - من عبدالمنعم الجابري
من المقرر أن يعقد مجلس النواب في الجمهورية اليمنية صباح غد الثلاثاء جلسة استثنائية للوقوف امام التقرير الذي ستقدمه هيئة رئاسة المجلس برئاسة الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر بشأن المرشحين للانتخابات الرئاسية وهو التقرير الذي سيتضمن نتائج عملية فحص ملفات المرشحين.
وكما أكدت المصادر الرسمية في صنعاء فانه سيتم خلال هذه الجلسة الاستثنائية لمجلس النواب طرح الاسماء المستوفية للشروط القانونية والدستورية بالنسبة للمتقدمين في قائمة الترشيح لانتخابات الرئاسة وفقا لما تضمنته نتائج فحص الملفات، وذلك للتزكية من قبل اعضاء المجلس على اعتبار ان ذلك من الشروط التي ينص عليها القانون.
وتؤكد كافة المعطيات والتوقعات بأن عدد الذين سيخوضون المنافسة الانتخابية بالفعل سيكون اقل بكثير من ذلك العدد الذي تضمنته قائمة المرشحين الذين تسلم مجلس النواب طلباتهم ووصلوا إلى 30 مرشحا,, ذلك انه على الرغم من ان الرقم النهائي بالنسبة لعدد الاشخاص الذين سيتنافسون في هذه الانتخابات سوف يتحدد بشكل رسمي عقب جلسة مجلس النواب يوم الثلاثاء القادم، فإن ما سيجعل هذا الرقم يتقلص بنسبة كبيرة قد تصل إلى 85 بالمائة، هو انه وبالاضافة إلى امكانية عدم اقرار هيئة رئاسة مجلس النواب لمجموعة من الاسماء,, وهناك ايضا مسألة تزكية اعضاء المجلس للمرشحين، حيث يشترط القانون حصول المرشح لرئاسة الدولة في اليمن على 10% على الاقل من اعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 301 عضو وبالتالي فإن معظم من تقدموا لترشيح أنفسهم قد لا يتمكنوا من الحصول على هذه التزكية، وذلك لاعتبارات عدة أبرزها ان طبيعة التشكيلة الحالية لمجلس النواب تجعل هذه العملية خاضعة لتحكم اطراف حزبية معينة,, حيث نجد ان المؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم الذي يتزعمه الرئيس علي عبدالله صالح يمتلك ما يزيد عن 75 بالمائة من اجمالي المقاعد في البرلمان، أي 225 مقعداً تقريبا من أصل 301 مقعد، فيما يمتلك حزب التجمع اليمني للاصلاح الذي يتزعمه الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر ما بين 60-65 مقعداً وبقية المقاعد والتي لا تصل إلى 15 مقعداً، منها 3 مقاعد للحزب الوحدوي الناصري ومقعدان لحزب البعث الاشتراكي وما سواها فهو للمستقلين,, وعليه فإن الامور ستسير في البرلمان وفقا لما يريده المؤتمر الشعبي العام صاحب الاغلبية المطلقة، خاصة بعد ان ثبت رسميا وجود اتفاق مسبق وتحالف بين المؤتمر والاصلاح، حيث قرر الاخير دعم ترشيح الرئيس علي عبدالله صالح الذي أكد من جانبه في تصريحات صحفية ان ثمة صفقة سياسية تمت بشأن الانتخابات الرئاسية بين الحزب الحاكم وحزب الاصلاح,, وليس هناك شك في ان تزكية اعضاء مجلس النواب للمرشحين ستتم وفق حسابات ومعايير حزبية وسياسية وفي إطار الحفاظ على المصالح,, ولا يستبعد في الوقت ذاته ان يكون للعامل الاقتصادي دوره في تحديد عدد المرشحين وتقليصهم الى اقل مايمكن من منظور ان زيادة العدد سوف يحمل خزينة الدولة بعض الاعباء نتيجة المبالغ التي ستصرف إليهم لتمويل حملاتهم الانتخابية,, إذ تشير مصادر رسمية إلى ان الحد الادنى من الدعم الذي ينبغي ان يحصل عليه كل مرشح لتغطية نفقات الدعاية الانتخابية يصل إلى 15 مليون ريال في الوقت الذي تحتاج الدولة إلى هذه المبالغ للوفاء ببعض التزاماتها تجاه متطلبات التنمية وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
وإذا كان قانون الانتخابات قد نص على ضرورة الا يقل عدد المرشحين عن شخصين كحد أدنى لاجراء انتخابات الرئاسة فإن ذلك يعني ان اعضاء مجلس النواب الذي ينتمي 96 بالمائة منهم تقريبا للمؤتمر الشعبي والاصلاح المتخالفين ملزمون بتزكية مرشح آخر على الاقل إلى جانب الرئيس علي عبدالله صالح، وهناك من يتوقع ان تنحصر المنافسة في نهاية الامر على ثلاثة او اربعة اشخاص في مقدمتهم الرئيس علي صالح ثم نجيب قحطان الشعبي العضو المستقل في مجلس النواب وهو نجل الرئيس الراحل قحطان الشعبي في اليمن الجنوبي سابقا، بالاضافة إلى علي صالح عباد الامين العام للحزب الاشتراكي اليمني مرشح أحزاب مجلس التنسيق الاعلى للمعارضة وذلك في حال حصول هذا الاخير على التزكية المطلوبة من اعضاء مجلس النواب والتي لا تقل عن 30 صوتا، وهذ الامر هو بيد حزبي المؤتمر والاصلاح اللذين لم يتضح بعد ما إذا كانا سيعطيان الضوء الاخضر لكتلتيهما البرلمانيتين لتزكية علي صالح عباد ام سيكون هناك موقف آخر,, وفي الوقت الذي اشيع فيه بان ثمة توجها من جانب حزب الاغلبية المؤتمر وحليفه الاصلاح بعدم تمكين امين عام الاشتراكي من الحصول على تزكية البرلمان وذلك بسبب تصريحاته الاخيرة التي شن من خلالها هجوما لاذعا ووجه انتقادات شديدة واتهامات قوية للسلطة وللحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام، كما لم يسلم حزب الاصلاح من ذلك ولو بصورة غير مباشرة، اضافة إلى بعض الحسابات السابقة، حيث يأخذ المؤتمر والاصلاح على امين عام الاشتراكي انه كان قد اطلق بعض التصريحات التي تضمنت عدم اعترافه بشرعية الانتخابات النيابية التي جرت في ابريل 1997م وهي الانتخابات التي قاطعها الحزب الاشتراكي اليمني,, لكنه ليس من المستبعد ان يحصل عباد على تلك التزكية لا لشيء وإنما من باب ان العملية قد تخضع لبعض الاعتبارات المتصلة بقضية الانتخابات والسمعة الدولية لليمن كبلد اختار السير في طريق الديموقراطية، وبالتالي سيكون هناك حرص على انجاح هذه الانتخابات، وحرص ايضا على ان تكون المشاركة واسعة فيها وبالذات من قبل الاطراف الفاعلة التي تحظى بقدر من الحضور محليا وخارجيا، لانه ومن دون شك ستسعى اليمن من خلال انتخاباتها الرئاسية في 23 سبتمبر القادم لاثبات انها دولة ديموقراطية ملتزمة وان تجربتها في هذا المجال تسير في الاتجاه الصحيح وتتجسد نجاحاتها على ارض الواقع من خلال الممارسة الفعلية الحية للعمل الديمقراطي من قبل جميع الاطراف، ومن ثم الحصول على المزيد من تعاطف الاطراف الدولية وكذا المزيد من الدعم الاقتصادي والتنموي الذي تقدمه هذه الاطراف لليمن التي شهدت أواخر الشهر الماضي انعقاد المنتدى الدولي للديمقراطيات الناشئة, كل هذه الاشياء تجعل وجود علي صالح عباد في حلبة المنافسة ضروريا وهاما، لان ذلك يمكن ان يضفي حتى ولو قدرا بسيطا من طابع الإثارة بالنسبة للانتخابات الرئاسية خلافا لما سيكون عليه الوضع في حال غيابه عن دائرة المنافسة والذي لو حصل سيجعل الامور تأخذ منحى آخر وسينظر الحزب الاشتراكي اليمني وبقية احزاب مجلس تنسيق المعارضة إلى ذلك بأنه استبعاد لها ولدورها باعتبار ان علي صالح عباد مرشح عن هذه الاحزاب لانتخابات الرئاسة وهو ما قد يؤدي إلى ردة فعل غاضبة من جانب اطراف مجلس التنسيق التي عندئذ حتما ستغير مواقفها من هذه الانتخابات وقد تعلن مقاطعتها,, ومن الناحية الثانية فإن ذلك سيؤدي إلى ما أعلنه الرئيس علي عبدالله صالح عن عدم رغبته بحدوثه وهو ان تكون نتائج الانتخابات بنسبة 99,9 بالمائة بل يريدها انتخابات ديمقراطية بالفعل خلافا لما هو حاصل في بعض الدول حديثة النهج الديمقراطي,, لان المعطيات تشير إلى انه لا يوجد بين بقية المرشحين من يتمتع بذلك القدر من الحضور على مستوى الساحة اليمنية والذي يمكن ان يؤهلة لاي نوع من المنافسة او الحصول حتى على الحد الادنى من اصوات الناخبين التي تتراوح بين الواحد والخمسة بالمائة.
ومما تجدر الاشارة إليه هو انه وعلى الرغم من كون نتائج الانتخابات محسومة سلفا لصالح الرئيس علي عبدالله صالح وبنسبة لا يختلف اثنان على انها لن تكون اقل من 80 أو ال75 بالمائة، فإن علي صالح عباد والحزب الاشتراكي عموما والذي يقف إلى جانبه بعض احزاب المعارضة ومن دون شك حريص على المشاركة في الانتخابات الرئاسية ليس لغرض الفوز الذي يدرك عباد عدم امكانية تحقيقه، ولكن على الاقل لاظهار ان الحزب الاشتراكي اليمني مازال يشكل قوة سياسية فعالة له حضوره وله شعبيته وانصاره داخل الساحة برغم الانتكاسة التي تعرض إليها في اعقاب حرب صيف 1994م، ومن ثم التأكيد على قدرته على تجاوز المحنة واعادة ترتيب صفوفه واحياء دوره المؤثر في مختلف مناحي الحياة.
أما بالنسبة لما يتعلق بموضوع التحالفات القائمة بين الاحزاب التي شكلت تحالفين رئيسيين لكل منهما موقفه من الانتخابات الرئاسية، الاول وهو الاقوى يقوده الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام ويضم الى جانبه احزاب المجلس الوطني للمعارضة وكذلك حزب الاصلاح والثاني هو مجلس التنسيق الاعلى لاحزاب المعارضة بقيادة الحزب الاشتراكي اليمني، فإن ما يمكن قوله هنا هو ان تحالف الاصلاح مع المؤتمر قد اثر على موقف المعارضة الممثلة بمجلس التنسيق حيث جاء موقف الاصلاح هذا على خلاف ما كانت تأمله احزاب مجلس التنسيق التي كانت تتوقع من حزب الاصلاح الوقوف إلى صفها كما كان قد صرح بذلك بعض قيادييه او على الاقل خوض الانتخابات بمرشح خاص به وهو ما ذكرته مصادر رسمية ان الادارة الامريكية نصحت به,, اما فيما يتعلق بموقف احزاب المجلس الوطني للمعارضة فقد اعتبره مجلس التنسيق الذي دأب على اتهام هذه الاحزاب بأنها موالية للسلطة واطلق عليها الاحزاب المغرضة اعتبر هذا الموقف طبيعيا وغير مفاجئ.
وقد جاء موقف حزب الاصلاح الداعم لترشيح الرئيس علي عبدالله صالح وسط اجواء من الخلاف والتباين بين اجنحته، حيث كان الجناح المتشدد يرى ان لابد من انزال مرشح باسم الاصلاح وهناك من طالب بخوض الانتخابات بالتنسيق مع احزاب مجلس للتنسيق الاعلى للمعارضة، بينما التيار المعتدل الذي يمثله الشيخ عبدالله الاحمر كان موقفه هو دعم ترشيح الرئيس علي عبدالله صالح، ولما لم يتم التوصل إلى رأي واحد قرر مجلس شورى الاصلاح برئاسة الشيخ عبدالمجيد الزنداني إحالة الموضوع إلى الشيخ الاحمر بصفته رئيس الهيئة العليا للحزب للبت فيه، فكان الحسم كما أراده الجناح المعتدل.
وقد فسر البعض قرار التجمع اليمني للاصلاح بدعم ترشيح الرئيس علي عبدالله صالح على انه جاء تقديراً لموقف الرئيس صالح والمؤتمر الشعبي العام في دعم ترشيح الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر كرئيس لمجلس النواب عقب الانتخابات البرلمانية في عام 1997م.
واجمالا فإنه من المتوقع ان تشهد الساحة اليمنية حتى يحين موعد الانتخابات الرئاسية الذي اعلن انه سيكون يوم 23 سبتمبر القادم مواجهات ساخنة وحادة بين التحالف الموالي للرئيس علي عبدالله صالح وتحالف احزاب مجلس التنسيق للمعارضة، وذلك في إطار ما يمكن اعتباره بالحملة الانتخابية التي سيغلب عليها طابع المزايدة السياسية والحرب الكلامية وتبادل الاتهامات وغيرها من اشكال المواجهة التي سوف يتضمنها خطاب كل من الطرفين.
ولاشك ان المعارضة ستحاول الاستفادة من الاوضاع الاقتصادية في حملتها الانتخابية، وكما أكد بعض قادتها فإن هذه الحملة الانتخابية ستركز على ما أسمته بالدعوة الى انقاذ وطني يقوم على تصحيح الاختلالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقضاء على الفساد وتحقيق المصالحة الوطنية.
فيما يركز الخطاب الانتخابي للرئيس علي عبدالله صالح بدرجة اساسية وفقا لتصريحاته على مواصلة عملية الاصلاحات الاقتصادية وتحقيق النهوض التنموي الشامل وانهاء حالة الفوضى وتعزيز مناخات الامن والاستقرار والقضاء على الامية والفقر والتخلف واقامة علاقات طيبة مع بقية دول العالم وفي المقدمة دول الجوار,, إضافة إلى تعزيز الديمقراطية وحرية الصحافة وبناء الدولة اليمنية الحديثة.
|