Wednesday 21st July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الاربعاء 8 ربيع الثاني


الاستهلاك من الحالة,, إلى الظاهرة
محمد بن صنيتان

لقد ادت الطفرة في المملكة العربية السعودية الى تحولات سريعة منها ماهو صحي ومنها ماهو غير صحي,, وماهو غير صحي لوث فهم الناس للواقع وزيف فهمهم لاستعمال وصرف الثروة,,وفارق بينهم وبين مستلزمات البناء الاجتماعي المرغوب والمطلوب الذي يستلزم الاسلوب الحضاري والتطور المادي ويرسي مبادىء الادخار واستثمار الفائض وتوظيفه التوظيف المرشد وفق مصالح المجتمع او صرفه وفق مقاصد الشرع.
وما السائق والخادمة وتنكب الرغبة في العمل اليدوي، وعدم الاقبال على الاعمال المهنية رغم جدواها الاقتصادية والوطنية الا افرازات ونتائج شاهدة على تلك اللوثة في فهم المجتمع اولاً، وثانياً سوء استخدام معطيات الثروة، استخداماً جعل المجتمع مجتمعاً استهلاكياً يهدر معظم موجوداته من السيولة على سلع مظهرية، أو ابتداع انماط من الكرم الزائف والبذخ على الاعراس واقامة الحفلات على المناسبات, وكثرة السفرات.
والغالب على الظن ان القلة من المجتمع السعودي هي التي تعرف طريق الادخار وفوائده والاقل منها هي التي تعرف كيف جمع الثروة.
فالكرم الذي حث عليه الاسلام هو اكرام الضيف الذي يلج المنزل قادماً من مسافة بعيدة واكرامه يتأتى من الترحيب به والبشاشة له وامتاعه بالحديث والمؤانسة وعدم التكليف وليس ذبح الخراف وتوجيه رقاع الدعوة واشغال كامل الاسرة طول اليوم, وتعظم البلوى اذا كانت القيمة المدفوعة المذبوحة قرضة او استدانة والاعظم كذلك ان تكون اسرته بحاجة ملحة لتوفير شيء من مصروف الاسرة لشراء مسكن او فرش او ملبس او مصاريف نزهة او توفير غذاء صحي يومي.
ورغم ذلك يحرم اولاده ويصرف نقوده على ما اصطلحنا عليه الكرم الزائف الناتج من الوعي الزائف الذي يحمل العادات والتقاليد ماهي منه براء, فالاجداد يطعمون ضيوفهم مما يطعمون انفسهم واسرهم وجيرانهم وكامل حيهم, حتى وان ذبح الخراف او حتى الجمال فهو يذبح من موجودات مراحه وقد تكون الاسرة والجيران محتاجين للحم حاجة الضيف له او اشد, فالولائم التي تقام في هذا الزمن ليس قراء لضيف مر عليه يوم او اكثر لم يذق الطعام المطهى كما قال المعري:
حفاة عراة ما اغتذوا خبز ملة
ولا عرفوا للبر مذ خلقوا طعما
بل العزائم اليوم اصبحت تنحى طابع التقدير للضيف والوجاهة الفشخره للمعزب.
وقد استشرى هذا السلوك في كافة شرائح المجتمع فالافراد سيختلفون في المقدار المصروف على الاستهلاك المظهري باختلاف دخولهم فقد يصرف الفرد الواحد مليون ريال والاخر عشرة الاف ريال وهي عبء عليهما جميعاً وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام.
فضرر الظاهرة ما عاد يقتصر على افراد معدودين ومحصورين بشرائح معينة بل طال ضررها كل فئات المجتمع وحتى المؤسسات الرسمية واصبحت وتداً يدق في عمق الاقتصاد الكلي للمجتمع.
وقد ادى بالفعل الى ارساء سلوك استهلاكي شره ونشر قيم استهلاكية جديدة ونمط معيشة جديد ابتداء من السكن والتغذية غير الصحية واقتناء السيارة وابتذال السفر وحفلات الزواج التي اصبحت مواجع لكافة اسر المجتمع بل اصبحت سبباً مباشراً للعنوسة وتبتل الشباب، وكذلك سوء استخدام العمالة المنزلية والاتكالية على الدولة بتقديم الرفاهية مجاناً.
حتى اصبحت الظاهرة الاستهلاكية تدفع المجتمع الى جملة من المشاكل يستوي بذلك الغني ومتوسط الحال وحتى الفقير الذي يستدين قوت يومه او يستعطيه من الجمعيات والمقتدرين, جميعهم يباركون من خلال ممارستهم هذا النمط الاستهلاكي المذموم, كما يستوي الافراد والمؤسسات الحكومية, فمثلاً اذا قدم للمؤسسة مدير جديد او مسؤول زائر اقتضت نواميس هذه الظاهرة الطارئة على قيم المجتمع، اقامة حفلات كل منهم يحرص ان يكون افضل من غيره حتى تتحدث الركبان وسائر فرسان الاعلام بهذا الكرم، المدفوع قيمته من جميع منسوبي الادارة, من هؤلاء من يوزع معظم راتبه على اقساط شهرية.
هذا الكرم النفطي الذي أتى بممارسته بادعاء السخاء لم يصاحبه دفع الزكاة ومساعدة المحتاجين من الاهل والاقرباء او المنكوبين.
بل يمارس عنوة لتحمل الديون او ارتكاب مخالفات دينية ودنيوية.
والنمط الاستهلاكي هذا متعدد الوجوه: فكثرة السفر لغير القادرين او حتى ميسوري الحال وكثرة حضور حفلات الزواج الذي يترتب على حضوره شراء فستان بمبلغ يثقل كاهل رب الاسرة لاسيما ان المجتمع السعودي مجتمع ذو اسرة ممتدة, حتى الاسر النووية قد يصل عدد افرادها الى 12 فرداً.
واذا فرضنا مثلاً ان متوسط رواتب موظفي الدولة خمسة الاف ريال وافترضنا كذلك ان هذه الاسرة تقيم مناسبة للضيف في الشهر مرة تكلف الف ريال وتخرج بنزهة او سفرة قريبة بالشهر مرة تكلفها الف ريال وتقدم هدية بالشهر مرة تكلفها خمسائة ريال وتذهب باطفالها بالشهر مرة الى اماكن ألعاب تكلفها مائة ريال وتملك سيارتين وجوالا وخط تلفون وتسكن بالاجر السنوي وتدفع فاتورة الكهرباء والماء والصرف الصحي ولديها ابن لا يعمل ويحتاج لمصروف يومي ولديها ابنة في الجامعة وتحتاج الى تنقلات ومصاريف والقارىء هو الحكم على هذه الحالة.
والكاتب يفترض وله الحق ان يفترض ان هناك اسرتين واحدة سعودية والاخرى مقيمة, ولكي تكون نتائج المقارنة علمية لابد ان نثبت المتغيرات بنفس القدر لكلتا الاسرتين من حيث الدخل الشهري والالتزامات وهنا يغلب الظن على الكاتب ان المقيم سيوفر من الدخل والسعودي سيستدين على الدخل, ولو حصلت المقارنة بين عائلتين سعوديتين إحداهما ادخرت من الدخل الشهري والاخرى استدانت, هنا نصدر حكمنا على ان الاسرة التي حصلت على فائض من دخلها الشهري هي اسرة مدبرة ورافضه للظاهرة الاستهلاكية مدار الحديث, والاخرى غير مدبرة ومنقادة للظاهرة الاستهلاكية ولنا ان نتصور كم المبالغ الطائلة التي نحملها الاقتصاد الكلي للوطن من خلال تلك الممارسات ولنا ان نتصور بنفس القدر كم العوائد المرجوة على الاقتصاد الوطني لو استثمرت هذه المبالغ لصالح الوطن.
ان هذه العادات الطارئة على المجتمع السعودي باقترافها تلك الممارسات التي افرزتها الطفرة ثم رحلت وتركتها تدك وتدها في قوت الاسرة اليومي, تلك الممارسة اصبحت تشجع وبيد خفية على دفع الاسرة الفقيرة وحتى متوسطة الحال للاستدانة المستدامة, وكما هو الحال فالديون تقضي على الدول فما بالك بالاسر محدودة الدخل, وحتى الاسر الغنية او ذات المداخيل المرتفعة فانها تفارق بينها وبين الادخار او الاستثمار المجزي بفوائد تعود على الاقتصاد الوطني بالقوة والمتانة ولكل عارض صحي علاج فان علاج هذه الظاهرة هو حسن التدبير واقتصاد الاسر والافراد القدوة ولابد ان يبدأ العلاج من القدوات وما توفيقي الا بالله.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
تحقيقات
ملحق الطائف
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved