لم تعد الدولة المكان الوحيد الذي يمارس فيه أفراد المجتمع مختلف أوجه نشاطهم فهؤلاء الأفراد ينتقلون من اقليم دولتهم إلى أقاليم دول أخرى لتحقيق أهداف متعددة,, ولقد سهل في هذا الانتقال ذلك التطور الهائل في وسائل المواصلات وكان من آثار سهولة عملية التنقل بين أقاليم الدولة المختلفة حدوث تطور في أساليب الجريمة حيث أخذت صوراً جديدة وتجاوزت حدود الدولة الواحدة إلى النطاق الدولي ومن ثم بدأت ظاهرة الإجرام الدولي تتضح وتتزايد على مر الزمان.
تعددت تعريفات الجريمة من وجهة نظر علماء القانون الدولي ففي رأي جلاس هو الفعل الذي يرتكب إخلالاً بقواعد القانون الدولي ويكون ضاراً بالمصالح التي يحميها ذلك القانون مع الاعتراف لهذا الفعل بصفة الجريمة واستحقاق فاعله العقاب, وفي تعريف آخر هي الجريمة التي يترتب مع وقوعها إلحاق الضرر بأكثر من دولة مثل جريمة تزييف العملة التي قد يعد تدبيرها في دولة وتنفذ في دولة ثانية وتوزع في دولة ثالثة,, ويرى البعض الآخر أن الجريمة الدولية عبارة عن تصرفات مضادة لقواعد القانون الدولي العام لانتهاكها المصالح التي تهم الجماعة الدولية والتي تقررت حمايتها بقواعد هذا القانون,, إذاً الجريمة الدولية هي كل مخالفة للقانون الدولي سواء كان يقرها القانون الوطني أم لا وتقع بفعل أو ترتكب من فرد عاقل وتلحق أضراراً بالأفراد أو المجتمع الدولي,, بناء على طلب الدولة أو راضها ويكون من الممكن مجازاته جنائياً طبقاً لأحكام ذلك القانون.
تقع الجريمة الدولية غالباً مستندة إلى بواعث من نوع خاص وتتم بوحي وتكليف من الغير فلا يرتكبها الجاني في الغالب لتحقيق غرض شخصي أو مصلحة شخصية مثل الجرائم ضد السلام وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فهذه الجرائم تتم بتوجيه من سلطات الدولة وقد يرتكبها الفاعل دون اقتناع بها أو رغبة فيها لكن هنالك بعض الجرائم يكون القصد المباشر فيها متوفر مثل جرائم الإرهاب الدولي وأخذ الرهائن,, لذلك فإن المادة الثانية من اتفاقية مكافحة جريمة إبادة الجنس البشري نصت على ذلك صراحة حينما أوضحت المقصود بإبادة الجنس البشري حيث ورد النص كالتالي يقصد بإبادة الجنس في هذه الاتفاقية أي فعل من الأفعال الآتية يرتكب بقصد القضاء كلاً أو بعضاً على جماعة بشرية بالنظر إلى صفتها الوطنية أو الجنسية أو الدينية والأفعال هي قتل أعضاء هذه الجماعة أو الاعتداء على أفراد هذه الجماعة جثمانياً أو نفسياً .
وفي اتفاقية لاهاي 1970م بشأن القمع والاستيلاء غير المشروع على الطائرات ورد أن هذه الجريمة يكون القصد فيها واضحاً ويتوافر العمد المتمثل في نية الاستيلاء على الطائرة أو اختطافها, أما الخطأ العمدي فانه من النادر في إطار القانون الدولي الجنائي أن تقع جريمة دولية بخطأ غير عمدي.
نجحت الجهود الدولية في تقنين بعض النصوص العامة والتي أصبحت سارية المفعول على الصعيدين الدولي والوطني واعتمدت في خطرها على بعض الأفعال على نصوص عامة صادرة من منظمة الأمم المتحدة مثل قرار الجمعية العامة برقم 2625 في 24/10/1970م والمعروف باسم إعلان مبادىء القانون المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة وقرارها برقم 2734 الصادر في 16/12/1970م والمعروف باسم إعلان تعزيز الأمن الدولي, كما اعتمدت الدول على نصوص عامة تتعلق بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948م والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في 16 ديسمبر 1966م.
وهناك نصوص المواثيق الخاصة بمنع وقمع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المتمتعين بالحماية الدولية الخاص بالدبلوماسيين وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1633 في 14/12/1973م والميثاق الخاص بمناهضة أعمال أخذ الرهائن الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17/12/1979م وقد ألزمت كل هذه النصوص الدول الأعضاء بوضع التجريم الخاص بهذه الأفعال في تشريعاتها الداخلية، كما أثبتت الصلاحيات في مقاضاتها وملاحقتها ومكانية التسليم للفاعلين فيها والى اللجوء إلى التحيكم لتفسير هذه النصوص.
|