تعد الشائعات من الأمراض الاجتماعية المزمنة حيث لا يخلو مجتمع من حفنة من أفراده يتداولونها ويتباهى كثير منهم بنشر أكبر عدد ممكن من الشائعات بين أفراد المجتمع في كل موقف يستشعر فيه أن رغبات الآخرين في معرفة مايحيط بذلك الموقف تتوهج وآذانهم تتمدد لسماع ما لديه من معلومات مشوهة أو قصة مختلقة أو حادثة مفبركة.
وكلما ازداد الموقف غموضاً نجحت الشائعة في الانتشار بين الناس وعظم تأثرها فيهم لأنها تجد صدى أكبر في الخبر الذي يخلو من المعرفة والمعلومة الصحيحة.
ويختلف ناقلو الشائعات من حيث السمات العامة والأهداف التي ينشدونها من وراء نقل وترويج الشائعات,, ومن تلك السمات نجد أن ناقلي الشائعات ينحدرون من مختلف الشرائح الاجتماعية فمنهم المتعلم والمثقف والكبير والصغير والمرأة والرجل، ولكن يغلب على من يحب نقل الشائعات بعض السمات التي يمكن اجمالها فيما يلي:
* القلق والتوتر الشخصي، بحيث يكتنف الفرد بعض القلق والتوتر حيال موضوع ما فيقوم باطلاق الشائعات حوله عله يستطيع التنفيس عما يشعر به من توتر, وهنا قد يتزامن هذا الشعور بالقلق أو التوتر الشخصي لدى مجموعة من الأفراد فيشتركون في اطلاق الشائعات وتناقلها وذلك لشعورهم بأن ذلك يخفف من وطأة الموقف عليهم ويظهر هذا أحياناً عند موعد الامتحانات أو مواعيد القبول في الجامعات والمعاهد حيث تنتشر شائعات كثيرة بعضها له أثر ايجابي وبعضها له أثر سلبي ولكنها جميعاً تنفس عما يجول في نفس مروجها من توتر أو قلق أو غضب نحو من يملك القرار.
* القابلية للايحاء أو سرعة التصديق حيث يقوم البعض بنقل شائعات لا لشيء إلا أنها جاءت من أفراد يعتقد أنهم صادقين وهذه الاشاعات كثيراً ما نجدها في شرائح الأفراد متوسطي التعليم الذين يميلون إلى القابلية للاقتناع بما يستمعون إليه من دون تمحيص وقد تكون هذه الحالة هي نفسها التي تفسر نقل صغار السن من المراهقين للشائعات فهم لا يدققون فيما يستمعون له.
* الاسقاط: يميل بعض الأفراد إلى اسقاط مشاعرهم ومخاوفهم وما يشعرون به نحو المواقف المختلفة أو الأفراد الآخرين على الغير، حيث تجد هؤلاء يسعون جاهدين إلى اسقاط الصفات غير المرغوبة على الآخرين فتنتشر حولهم الشائعات التي يرتاح لها اولئك المرضى من مروجيها, وكم من مرة استمعت أخي القارىء إلى شخص وهو يتحدث عن شخص آخر من ذوي المناصب أو من ذوي الجاه باشاعة لا يمكن تصور معرفتها إلا من ذلك الشخص الذي وصم بها وذلك لشدة خصوصيتها أو لاستحالة حدوثها في حضرة آخرين مثل قولهم ان فلانا يقبل الرشوة أو أنه لا يفهم شيئاً في عمله,, الخ, وفي الغالب ان من يطلق مثل هذه الشائعات يعاني من بعض هذه النقائص ولذلك يحلو له ان يشعر أن الآخرين حتى وإن علت منازلهم لا يختلفون عنه بل إنهم قد يكونون أسوأ بكثير منه لعدم تقديرهم للمنزلة التي يحتلونها.
*الحسد: وهو من أهم الدوافع التي تجعل الكثير من مروجي الشائعات يبالغون في ترويجها وقد يستهدون ببعض الأخطاء الصغيرة التي تصدر من الأفراد المستهدفين بالشائعات لكي تضخم وتعمم ويضاف اليها ما أمكن من الشائعات الأخرى بحيث يبدو الأمر وكأنه صادر عمن يعرف كل شيء عن المستهدف بالشائعة.
وكثيراً ما تنتشر الشائعات التي يكون دافعها الحسد بين الزملاء في العمل أو بين الأصدقاء أو الأفراد الذين يتنافسون على موارد محددة فتجد بعضهم يستخدم أسلوب الشائعة.
ولكن هل للشائعات أهداف؟
لا شك أن الشائعات كغيرها من أنواع التصرفات الإنسانية لها أغراض وأهداف قد تكون أحياناً واضحة ومباشرة وقد تكون أحياناً غير واضحة للآخرين وغير مباشرة.
وسنذكر هنا بعض هذه الأهداف بشكل موجز.
1- إثارة الخوف بين الآخرين: وتنتشر هذه الشائعات بشكل كبير في الأزمات والحروب ويكون مصدرها عادة الأعداء ولكنها تجد من بعض السذج والحاقدين آذاناً صاغية فتنتشر انتشار النار في الهشيم.
2- إثارة الكراهية: وتكون هذه الشائعات عادة السلاح البتار في يد أعداء النجاح وزبانية المثبطين الذين لا يستطيعون رؤية غيرهم يشق طريقه ويحقق ما يريد ولذلك فهم لا ينامون ولا يهدأ لهم بال إلا حين يرون الشائعات تحاصر الناجحين والمحبوبين من الغير.
3- ارضاء الآخرين والحصول على محبتهم: هنالك من يطلق الشائعات من أجل أن يصبح مقبولاً من الآخرين من خلال زعمه معرفة الأسرار وخبايا الأمور فتجده في كل مجلس يطلق الشائعات مرة عن هذا المسؤول وأخرى عن ذلك الطبيب وثالثة عن تلك المؤسسة,, الخ، ولكن هؤلاء عادة ما ينكشف أمرهم لدى ذوي العقول الحصيفة فينأون عنهم ويتركون مجالسهم!
4- الشائعات الحالمة: وهذه الشائعات تهدف إلى دغدغة مشاعر الناس ورغباتهم بتحقيق بعض الأحلام التي تراودهم وهي لا تستمر كثيراً ولكنها سريعة الانتشار بين العامة والخاصة فكثيراً ما تنتشر اشاعة زيادة الرواتب عند قرب وقت الموازنة العامة للدولة أو اشاعة استثناءات قبول الطلبة في فترة التسجيل في الجامعات,, الخ.
الغريب أن هذه الشائعات التي يهدف أصحابها إلى تغيير الواقع بواقع أفضل أو واقع من مخزون الحلم تتكرر كل موسم ويتكرر تصديقها وانتشارها وذلك بسبب ملامستها لبعض المشاعر التي تداعب أحلام كل إنسان ولا يستبعد حدوثها في كل مرة تحدث له.
هذه بعض الجوانب التي رأيت أنها قد تسهم في القاء الضوء على الشائعات في الحياة اليومية والتي تسيطر على تفكير بعض الأفراد وتستحوذ على اهتمام بعض الأفراد الآخرين ولو فترات قصيرة ولكنها تظل في كل الأحوال ذات أثر سلبي يكمن في إبعاد الفرد عن التفكير المنطقي في الأمور ويشغله عما هو أهم وأكثر جدوى في حياته اليومية.
* جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض