Thursday 22nd July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 9 ربيع الثاني


يقولون,,!!
د, فهد حمد المغلوث

لم يؤخر المجتمعات ويساهم في تخلفها عن بقية الركب المتحضر ولم يجعلها تتوارث الأحقاد فيما بينها وتتبنى قناعات سطحية وشكلية وفارغة سوى ركضها وراء سماع كل شيء مهما كان كلاماً فارغاً لا اساس له من الصحة، وتصديقها لكل شيء يقال لها دون التأكد والحرص على الموثوق، وترديدها لقصص وحكايات وروايات هي تعلم انها غير مؤكدة او مبالغ فيها ان لم تكن ملفقة!.
ولعل ابسط تلك العبارات المستهلكة التي كثيراً ما تتردد على لسان الصغير والكبير، الرجل والمرأة، المثقف والامي، الغني والفقير هي عبارة يقولون وما ادراك ما يقولون!.
تلك العبارة التي كثيراً ما جلبت الشقاء للكثير من الناس الذين تضرروا منها واصبحوا ضحيتها بين عشية وضحاها!.
تلك العبارة التي كثيراً ما ساهمت في تفكك اسر سعيدة مستقرة بفعل الشك والغيرة والحقد والتحامل والتسرع دون التأكد من مصدر الخبر نفسه وتحري الحقيقة والسعي وراءها!.
عبارة قد تكون بسيطة وبريئة في ظاهرها العام ولكنها قد تحمل في طياتها الكثير من المشكلات التي ان لم تتدارك وتفهم بتعقل فقد تكون نتائجها وخيمة على ضحاياها الابرياء الذين وجدوا انفسهم فجأة في موقع الشك والمساءلة بل وفي قفص الاتهام في الوقت الذي هم بعيدون كل البعد عن كل ما نسب اليهم من تهم وأقاويل، وبالذات حينما تتكرر هذه العبارة من اشخاص مختلفين وفي اوقات مختلفة وتخدم نفس الغرض المقصود.
نعم ما أتعبنا وزاد من همنا سوى يقولون وكأننا بتكرارنا لهذه العبارة دون التأكد منها كأننا في حاجة لزيادة مشكلات وهموم اضافية كأننا بحاجة لتفتيت ما بقي من اواصر المحبة والقربى بل وكأننا بحاجة للانشغال بأمور تافهة نحن في غنى عنها عن امور مجتمعية اخرى احرى بنا ان نلتفت اليها ونعطيها المزيد من الاهتمام الذي تستحقه!.
كلنا تقريباً نردد هذه العبارة من حين لآخر، ولكننا حينما نسأل ومن هم هؤلاء الذين يقولون فاننا لا نستطيع ان نحدد هويتهم حتى لو كان مصدر هذه العبارة انساناً واحداً ولكننا ومن دون قصد - طبعاً - نستخدم صيغة الجمع لنضفي على تلك العبارة ربما صيغة الأهمية والمصداقية التي تساهم في انتشار مضمون هذه العبارة.
ان مكمن خطورة يقولون كونها الأداة الأكثر انتشارا لنشر الاشاعة دون ان يتحمل قائلها ادنى مسؤولية او حتى محاسبة من الغير.
فهناك اشخاص حينما يريدون ان يبعدوا التهمة عن انفسهم او يريدون ان يساهموا في نشر خبر ما او يريدون ان يضروا بسمعة فلان كونهم يحقدون عليه فانهم يبدأون خبرهم بقولهم يقولون بأن فلاناً يقول كذا او عمل كذا الى آخر القصة المعروفة .
والمشكلة ان هناك فئة من البشر لديهم قدرة فائقة على سرد تفاصيل دقيقة عن الموضوع وكأنهم يتحدثون من واقع وارقام احصائية حديثة ومدعومة بشواهد حية وكأنك امام شريط سينمائي بينما هم ليس لهم صلة من قريب او بعيد بالشخص المقصود, ولكن لأن تركيبة النقص جزء منهم ولأن الفراغ يسيطر عليهم ولأن الجميع يستمع اليهم والأكثر من ذلك جهلهم او تجاهلهم ان تكرارهم لهذه العبارة بمعرفة وبدون معرفة قد يكون نوعاً من الغيبة ان لم يكن الغيبة نفسها كل هذا يساهم في استمرارهم في نقل الأخبار وتلفيقها.
ولا ننسى ايضاً ان هناك فئة من البشر لديهم مرض اسمه يقولون لمتابعة الناس ومعرفة اخبارهم ايا كان نوعها ونشرها بين الناس اثناء المجالس بعد اضافة البهارات اللازمة لاضفاء صفة المصداقية عليها وهذه وبالمناسبة ليست قصراً على النساء كما يعتقد البعض بل وهذا ما لاحظته مراراً ان الكثير من الرجال دخلوا مضمار المنافسة نداً قوياً للنساء في نشر الاخبار والحديث في اعراض الناس لأن مصادر الخبر اليوم اتسعت وسوف تتسع اكثر بدخول عصر الانترنت الذي اصبح متنفساً للكثير من الناس.
نحن لا ننكر ان بعضا من اخبار أولئك الذين يهتمون بيقولون صحيحة لأن مصادرها تكاد تكون موثوقة ولكن الغالبية العظمى غير ذلك خاصة فيما يتعلق بأحوال الناس وحياتهم الاجتماعية كقولهم فلان سوف يطلق زوجته، صحيح ان هناك بوادر او مؤشرات ربما قادت لاحتمال الطلاق ولكن لا يجب عليَّ حتى مجرد ذكره؟ لأنه من المستفيد من ذلك الخبر؟ وماذا يهمني من نشره؟ اهذا بدل من ان اقول ان فلانا وزوجته بخير او ان ما حدث لا يتجاوز كونه خلافاً بسيطاً يحدث لكل زوجين وسوف تعود المياه الى مجاريها، وهذا ان سئلت بالطبع اما عدا ذلك فأعتقد ان ذلك ليس من حقنا.
وان شئت ان تتأكد من آخر اخبار يقولون فاليك بعض الاخبار التالية:
- يقولون أن سعر البترول سوف يهبط وهم لا يعرفون بكم سعر البرميل اصلا، او انه هابط من فترة.
- يقولون ان اسعار البنزين سوف تعود كما كانت لأن الناس بدأت تتجه للسيارات اليابانية الصغيرة وغيرها قليلة الاستهلاك للبنزين وبالتالي تضرر اصحاب السيارات الامريكية وما شابهها مما يستهلك بنزيناً كثيراً!.
- يقولون ان مكافآت الطلبة والطالبات في الجامعات سوف تقطع علَّ هذا الخبر يقلل من اقبال الطلبة والطالبات على التسجيل في الجامعات والكليات وبالتالي يضطرون لسحب ملفاتهم والتوجه لجهات اخرى.
- يقولون ان القرار النهائي لالزام اصحاب السيارات بارتداء حزام الامان بشكل رسمي وملزم والذي سينفذ بصفة نهائية بعد ستة اشهر تقريباً قد يلغى لأن المرافقين للسائق او من هم بصحبته وبالذات من هم بجانبه اعترضوا كون القرار لا يلزمهم ايضا وبالتالي فهم عرضة للخطر! ومعهم حق.
والقائمة طويلة بالطبع ولا يتسع المجال لذكرها.
ونحن اذا كنا قد اضفنا الطابع السيىء او الصورة المظلمة عن يقولون فلا بد ان نكون منصفين ايضاً ذلك ان هناك جانباً جميلاً في يقولون وهي انني حينما ارى فيك المواصفات الرائعة التي يتمناها كل انسان واصارحك بها فتخالها مبالغة مني او مجادلة ثم اسمعهم يقولون اقصد غيري ويكررون الشيء نفسه الذي أقول واراه حينئذٍ اصبح اسعد الناس لأن الناس ايضا يقولون ولكن ليس اي كلام بل هم متفقون على انني محظوظ بك, وهنا سوف استمتع بيقولون لأنها تأكيد على ما اقوله وما انا مؤمن به أليس ذلك جميلا؟.
همسة
كثيراً ما تعاتبني وتخاصمني,.
كثيراً ما تبكيني وتضايقني,.
لمجرد ان تسمع عني حقائق مؤلمة,.
من الآخرين,, ممن يقولون.
دون التأكد منها!.
دون سؤالي عنها!
رغم انني انا المعني بها!
* * *
حقائق مزيفة مبالغ فيها
لا يمكن أن تكون مني
ومني انا تجاهك انت
وانت بالذات
* * *
فهكذا انت دوماً,.
يحق لك كل شيء,.
في كل وقت مهما كان
دون مساءلة,, او حتى مجرد عتاب!
اما انا فلا,, والف لا!
محرمٌ عليّ ان أُسمِعك الحقيقة!
ان ابرر لك موقفي
مهما كان صحيحاً!
* * *
ولكن من حقي عليك,.
ان تسمع مني حقيقة واحدة
أن تصغي اليها جيداً,.
حقيقة انك كل شيء
حقيقة انني لم ولن اكون يوماً
سوى لك وبك
فكيف اكون كما يقولون
كيف؟
* * *
من حقي عليك ان تعرف,.
انني لا اصدق كل ما يقال عنك
مهما كان مصدره وحجمه
ولست بحاجة للتأكد منه,.
لأنني اعرف من انت
لأنك انا
فهل يُعقل ان اكذِّب نفسي؟
ان اشكك فيها؟.
* * *
قد تعتبر تصرفي هذا,.
جهلاً مني وسذاجة
قد تنظر اليه,.
بطريقة او بأخرى
ولكن,, لك ان تعرف
ان هذا هو الفرق بيني وبينك,.
وهذا يكفي
لأكون انا من انا,.
وأنت من أنت,.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved