Thursday 22nd July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 9 ربيع الثاني


وأفل نجم آخر

قال تعالى: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون).
ودعت الأمة الاسلامية يوم الاثنين الماضي عالماً وعلماً من اعلام هذه الامة، لقد فقدنا واحداً من أبرز رجالات الدعوة، انه الشيخ الجليل مناع بن خليل القطان ذلك الداعية الكبير الذي يشهد بفضله الجميع والذي قدم للأمة - خلال اكثر من نصف قرن من عمره الحافل - عصارة جهده وجهاده في خدمة دعوة الحق وفي تدريس العلوم الشرعية في المعاهد والكليات.
تأتي وفاة هذا العالم بعد فترة قصيرة افتقدنا فيها عدداً من علماء الأمة الأفاضل، ففي هذا العام 1420ه هجرية افتقدت الأمة الشيخ صالح بن غصون، وسماحة الشيخ الوالد عبد العزيز بن باز، والشيخ علي الطنطاوي، والشيخ مصطفى الزرقاء، وكلهم علماء افاضل كبار، قدموا للأمة ما استطاعوا وكانوا نبراساً لهذه الأجيال.
لقد كانوا قمة في العطاء والفكر والتضحية لدينهم وامتهم ومجتمعهم فقد اعطوا اغلب وقتهم ان لم يكن كله، وكذلك طاقتهم وعمرهم بكل كرم وسخاء لاعلاء راية الحق ورفع كلمة التوحيد عالية خفاقة، لقد ساهموا بكل غال ونفيس لنشر العدل والمساواة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة الكفر والفسوق والعصيان فكانوا - بإذن الله - من الراشدين وكان هدفهم الأوحد هو مرضاة الله سبحانه وتعالى والاخلاص لنشر دينه والاصلاح بين الناس وارشاد العباد الى الطريق القويم، لم تلههم الدنيا الفانية ولم يبعدهم متاع الحياة الزائل عن نعيم الآخرة, لقد كان طريق الايمان ديدنهم وهادي التوحيد مرشدهم وحياة الخير والايثار مبتغاهم ولكنها سنة الله في الارض يرحلون واحداً تلو آلآخر,, (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام).
رحمة الله عليك يا شيخ مناع، فلقد خسرت الأمة الاسلامية بشعوبها عامة ورجال الدعوة فيها خاصة رجلاً كبيراً ذا قدرة ومهابة وخسرت واحداً من الدعاة المخلصين الذين ندعو الله ان يعوض هذه الأمة عنهم.
ولا يفوتني هنا الاشارة الى ان شيخنا الجليل قد توفاه الله بعد ان عانى من مرض عضال (لقد خلقنا الانسان في كبد).
وكان الصبر رفيقه الذي لازمه على الدوام، ولم يتوقف ابداً عن العطاء طوال سنوات مرضه بسرطان الكبد حيث واصل خطابته بالناس في جامعه بشارع المطار وكان يشرف على الكثير من الرسائل العلمية، وشارك في التفسير الميسر للقرآن الكريم الذي اصدره مؤخرا مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وكان دائماً محاطاً بطلاب العلم الذين يتوافدون ليلاً ونهاراً على منزله ومسجده وفي مقر عمله.
كما انني اود في هذا المقام الجلل ان اشير الى تجربتي الشخصية في علاقتي الطويلة، مع شيخنا مناع القطان فمعرفتي به كانت عندما كنت في المرحلة الابتدائية حيث اشاهد هذا الشيخ الورع يأتي الى منزل احد اقاربه المجاورين لنا ما بين الفينة والاخرى للاصلاح بينهم (الزوج والزوجة) وكان دائم البشر والترحاب تعلو محياه ابتسامة دائمة، وازدادت معرفتي به اكثر عندما التحقت بالمعاهد العلمية طالباً وكان خير مثال يحتذى كمعلم وكوالد للجميع، ولقد استمرت صلتي بفقيد الأمة - رحمه الله رحمة واسعة - حتى توليت الاشراف على ملحق آفاق اسلامية الذي تصدره جريدة الجزيرة يوم الجمعة من كل اسبوع حيث كان من اوائل المرحبين بالمشاركة في اثراء الملحق بمقالاته وآرائه وتوجيهاته التي كان لها عظيم الاثر في نجاح الملحق، وكل ذلك احتساباً لوجه الله تعالى.
ان المصاب جلل ولكننا لا نقول الا ما يرضي ربنا سبحانه (إنا لله وإنا اليه راجعون) واننا نطمع برحمة الله الواسعة في ان يعوضنا عما خسرناه فأمة الاسلام فيها الخير الى ان تقوم الساعة ونتضرع الى العلي القدير ان يتغمد الشيخ مناع القطان بواسع رحمته وفيض كرمه وان يسكنه فسيح جناته جزاء ما قدمت يداه من خير لهذه الامة وما تلفظ به لسانه من كلام طيب يرضي الله ويدخل قلوب العباد، لقد افاد الأمة ولم يبخل بعلمه بل اذاعه ونشره وعسى ان يهدي الله به من يشاء.
لقد كان الشيخ مناع عالماً كبيراً متواضعاً يتحلى بأخلاق العلماء الناصحين الراشدين وكان انساناً بالمعنى الحقيقي للكلمة لا يعرف الا طريق الخير والمحبة وكان نشاطه العلمي والدعوي منذ عهد الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - خير دليل على ذلك فقد ولد الشيخ مناع بن خليل القطان في قرية شنشور احدى قرى محافظة المنوفية سنة 1345ه - 1925م وحفظ القرآن الكريم في كتاب القرية وانهى الدراسة الابتدائية ثم التحق بالأزهر وحصل على الشهادة العالية من كلية اصول الدين والتحق بالتخصص وحصل على العالمية واجازة التدريس.
اما عن الأعمال الوظيفية فقد قام بالتدريس بمصر قبل سنة 1373ه، والتدريس بالكليات والمعاهد العلمية منذ سنة 1373ه في المملكة - كلية الشريعة - كلية اللغة العربية- والمعهد العالي للقضاء ومدير المعهد العالي للقضاء وعضو هيئة التدريس بدرجة استاذ بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية ومشرف على الدراسات العليا.
ومن أعماله العلمية انه قام بالاشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه حيث يبلغ عدد رسائل الماجستير التي اشرف عليها نحو 80 رسالة وعدد رسائل الدكتوراه التي اشرف عليها نحو 35 رسالة.
كما شارك في مناقشة رسائل اخرى بجامعة الامام وجامعة ام القرى وكليات البنات وجامعة الملك سعود واكاديمية نايف للعلوم الامنية.
كما قام بفحص العديد من الانتاج العلمي لترقية اساتذة الجامعات وفحص عدة كتب احيلت اليه من بعض الجامعات والهيئات العلمية من داخل المملكة وخارجها لمعرفة مدى صلاحيتها للنشر.
كما عمل عضواً في هيئة التحكيم في مجلة الشريعة التي تصدرها جامعة الكويت.
وله الكثير من المؤلفات والابحاث المطبوعة منها تفسير آيات الاحكام مجلدان ومباحث في علوم القرآن وتاريخ التشريع الاسلامي ونزول القرآن على سبعة احرف ووجوب تحكيم الشريعة الاسلامية، والحديث والثقافة الاسلامية وثلاثة كتب مقررة في المرحلة الثانوية للبنين والبنات بالمملكة العربية السعودية ونظام الأسرة في الاسلام وموقف الاسلام من الاشتراكية والدعوة الى الاسلام والاسلام رسالة الاصلاح، والشريعة الاسلامية، ورفع الحرج في الشريعة الاسلامية ومزايا الثقافة الاسلامية والحاجة الى الرسل في هداية البشرية واقامة المسلم في بلد غير مسلم ورعاية الاسلام للمعاقين والتكييف الفقهي للتبرع بالأعضاء وزراعتها والقضاء في العهد النبوي وفي عهد الخلافة الراشدة وحرب الخليج في ميزان الفقه الاسلامي.
اما المخطوطة فهي: تاريخ التفسير ومناهج المفسرين، والفرق الاسلامية، والعقيدة والمجتمع، والزواج بأجنبية، والتوجيه الاسلامي للعلوم، وتعليم الفتاة.
ولقد افل نجمك ايها العالم الجليل ولكن اعمالك سوف تظل علامات مضيئة وسيرة خالدة تتعاقب عليها الأجيال وسوف يذكرك طلابك ومن يأتي بعدهم ليستفيد من مؤلفاتك ودراساتك، نتوجه بالدعاء الى الله ان يتغمدك برحمته ويسكنك فسيح جناته انه سميع مجيب.
ففي أمة الاسلام الخير الى يوم الدين ونحن لم نيأس يوماً ولم نقنط ابداً من رحمة الله فدين الله على الارض راسخ، والعلماء الذين تنجبهم - وستنجبهم - الأمة سيحملون الراية الخفاقة باقتدار انها راية الحق والخير والعدل والمساواة، انها راية التوحيد الخفاقة الابية انها الراية التي اعزنا الله بها.
إنا لنعلم ان نفسك ايها الشيخ الجليل كانت تتوق للقاء ربها، انا لنعلم انك استقبلت صعود الروح الى بارئها بقلب مطمئن خاشع، وإنا لندعو الله ان يحيطك برحمته انتم السابقون ونحن اللاحقون.
وعزاؤنا الكبير لأبناء الفقيد وابنتيه وحرمه واسرة القطان ومحبيه وتلاميذه.
ولا حول ولا قوة الا بالله وانا لله وانا اليه راجعون.
سَلمان بن محمد العُمري

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved