Friday 23rd July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 10 ربيع الثاني


القيمة الاقتصادية للمعرفة في زمن العولمة

المعرفة أشبه بالنور,, فهي بلا وزن ولا ملمس ولكنها تستطيع الانتقال بسهولة في العالم فتستضئ بها حياة الشعوب في كل مكان,, ومع ذلك، فما زال هناك مليارات من الناس الذين يعيشون في ظلمة الفقر.
هكذا ورد في ديباجة تقرير البنك الدولي للانشاء والتعمير عن التنمية في العالم لعام 98/ 1999.
إن المعرفة يستضاء بها في كل عملية اقتصادية فهي تبين الافضليات، وتوضح المبادلات، وتنقل المعلومات الى الاسواق.
والافتقار إلى المعرفة هو الذي يتسبب في انهيار الاسواق او في عدم قيامها اصلا.
إن تأمل التنمية من منظور المعرفة يعزز بعضا من الدروس المعروفة مثل: أهمية نظام التجارة المفتوح والتعليم الاساسي الشامل، كما يركز الاهتمام على الاحتياجات التي اغفلت في بعض الاحيان، التدريب العلمي والتقني والبحث والتطوير، لتسهيل تدفق المعلومات الى الاسواق.
كما ان تبنّي سياسات تزيد من كلا نوعي المعرفة: وهما الدراية الفنية، والمعرفة المتعلقة بالجودة، من شأنه ان يحسّن حياة الشعوب من جوانب متعددة، بالاضافة الى تحقيق دخل اعلى.
فزيادة المعرفة بشؤون التغذية، قد تعني صحة افضل حتى لمن ليس لديهم غير القليل لانفاقه على الطعام.
والمعرفة بشأن كيفية الحيلولة دون انتقال مرض الايدز من شأنها ان تنقذ الملايين من الامراض الموهنة للصحة ومن الموت.
كما ان برامج الائتمان الصغيرة جدا، من شأنها ان تتيح للفقراء فرصة الاستثمار في مستقبل افضل لهم ولأولادهم.
وصفوة القول، ان المعرفة تهيئ للناس ان يسيطروا على مقاديرهم وأمورهم سيطرة افضل.
وللاسف، فإن هناك فجوة واسعة في المعرفة بين البلدان النامية والبلدان الصناعية، بل ان هناك فجوات معرفية داخل البلدان.
وكثيراً ما تنطوي الاستراتيجيات الخاصة بسد هذه الفجوات على نفس العناصر، ومن شأن تطبيقها تطبيقا فعالا ان يقطع شوطا بعيداً نحو الحد من التفاوت واستئصال الفقر.
ان العلاقة بين فجوة المعرفة ومشكلات المعلومات مثلا، هي علاقة واضحة من تاريخ الثورة الخضراء، إذ اتضح مع الوقت ان النوعيات المحسنة من النباتات كانت ضرورية ولكنها لم تكن كافية لتحسين حياة فقراء الريف.
وفي آخر المطاف، أفلحت الثورة الخضراء في تعظيم دخل المزارعين الفقراء والذين لا يملكون ارضاً.
وقد أدى انفجار المعرفة الجديدة وتعاظم التقدم التقني والتزايد المتوصل في المنافسة الى جعل التعلّم مدى الحياة اهم مما كان في اي وقت مضى, وعلى المجتمعات في سبيل تضييق فجوة المعرفة ان تكفل التعليم الاساسي للجميع.
حيث يعتبر التعليم بالنسبة للافراد والبلدان مفتاح تكوين المعرفة وتطويعها ونشرها, فالتعليم الاساسي يزيد من قدرة الناس على التعلم وتفسير المعلومات.
ولكن تلك هي البداية فحسب، لان هناك حاجة كذلك للتعليم العالي والتدريب الفني من اجل بناء قوة عمل قادرة على مسايرة التيار المتدفق في التقدم التقني، ذلك التيار الذي يضغط دورات الانتاج، ويزيد من سرعة انخفاض قيمة رأس المال البشري.
فالتعليم الاساسي، الذي يعني في معظم البلدان التعليم الابتدائي - المتوسط - الثانوي، يحقق تطوير قدرة الشخص على التعليم وتفسير المعلومات، وتطويع المعرفة مع الظروف المحلية, ومن خلال تأثيراته على الانتاجية الاقتصادية وعلى نواحي الحياة الاخرى، مثل الصحة فإنه يساعد في تحديد رفاهية الانسان.
ثم ، إن التعليم المدرسي يدعم الابتكار الزراعي، ويعزز قدرة المرء على اعادة تخصيص الموارد استجابة للتغير الاقتصادي، لمواجهة تقلبات الاسعار أو فترات صعود وهبوط دورات الاعمال.
كذلك يشجع التعليم المدرسي على استخدام التقنيات الجديدة في المنزل لاغراض الصحة والتغذية والتعلم وتنظيم الحمل.
وعلى ذلك فإن التعليم الاساسي ضرورة لتعزيز قدرة الناس على تسخير المعرفة، خاصة في البلدان الاكثر فقراً.
وهناك بعض الشواهد كذلك على ان التعليم العالي امر مهم للنمو الاقتصادي.
فإنتاج معارف جديدة وكذا تطويعها لاوضاع بلد معين يرتبط بصفة عامة بمستوى عال من التعليم والبحث.
ولتعزيز امكانية ان تظل المناهج الدراسية والابحاث العلمية ينبغي ان تعمد كثير من المدارس والجامعات إلى اقامة شركات اوثق مع الصناعة، وبناء جسور مع الصناعة من خلال المناهج الدراسية التي تضمن مكونات تعليمية قائمة على العمل.
كذا ينبغي على الاكاديميين ان يدعموا البحث الذي يؤدي مباشرة الى الابتكار التقني، وان يرحبوا بتقديم الاستشارات للقطاع الصناعي الخاص.
إن المعرفة عنصر حاسم في التنمية، لان كل ما نفعله يستند الى المعرفة, فلكي نعيش يتعين علينا ان نحوّل الموارد المتاحة لنا إلى اشياء نحتاج إليها وهو ما يتطلب معرفة.
وإذا أردنا أن نعيش في الغد افضل مما نعيش اليوم، وإذا اردنا ان نرفع مستوى حياتنا كأسر وبلد وأن نحسّن صحتنا ونعلّم اولادنا تعليما افضل ونحافظ على بيئتنا، فعلينا ان نقوم بما هو اكثر من مجرد اجراء تحويل المزيد من الموارد، لأن الموارد شحيحة.
وعلينا ان نستخدم هذه الموارد بالطرق الكفيلة بتوليد عوائد متزايدة بما نبذله من جهود ونقوم به من استثمارات,, وهذا يتطلب معرفة تزيد بنسبة اكبر من زيادة مواردنا.
إن السعي في سبيل الحصول على المعرفة يبدأ بالقرار بأن المعرفة ليس من السهل شراؤها من على الرف وكأنها خضر أو أجهزة حاسب, فقابلية المعرفة للتسويق تحدها خصيصتان تميزانها عن السلع الاكثر تقليدية.
أولاهما، ان استخدام شخص لهذا الجزء او ذاك من المعرفة لايحول دون استخدام الآخرين لنفس هذا الجزء، فهي كما يقول الاقتصاديون ليست تنافسية.
وثانيتهما، انه متى صار جزء من المعرفة ملكا مشاعا، تعذر على منشئي هذه المعرفة ان يحول دون استخدام الآخرين لها، فالمعرفة غير قابلة للاستئثار بها.
وهاتان الخصيصتان للمعرفة وهما الخصيصتان الاساسيتان في السلع العامة، تهيئان للناس في كثير من الاحيان استخدام هذه السلع دون دفع مقابل لها، وهو ما يقلل من المكاسب التي يجنيها المبتكرون في استحداثهم للمعرفة وهي مكاسب ليست قليلة.
إن التنمية الناجحة إذن تنطوي على ما هو اكثر من الاستثمار في رأس المال المادي فهي تنطوي كذلك على الحصول على المعرفة واستخدامها، من خلال:
(1) الحصول على المعرفة العالمية، واستنباط المعرفة محليا.
(2) الاستثمار في رأس المال البشري لاستيعاب المعرفة.
(3) الاستثمار في التقنية لتسهيل الحصول على المعرفة.
ختاماً أقول ان السياسات الفعالة للحصول على المعرفة واستيعابها ونقلها هي مكونات يدعم بعضها بعضا لاستراتيجية شاملة ترمي إلى سد فجوة المعرفة.
فهل آن أوان ذلك؟!.
د, زيد بن محمد الرماني
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو الجمعية الدولية للاقتصاد الاسلامي
عضو الجمعية السعودية للادارة

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
أفاق اسلامية
لقاء
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved