Friday 23rd July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 10 ربيع الثاني


محاكمات
سليمان الحلبي طليعة المجاهدين الشباب
محاكمة وحشية في مزاعم حضارية
رفض الاحتلال فأعدموه على الخازوق

سليمان الحلبي وجه من الوجوه التي اضاءت صفحات تاريخ الجهاد العربي المشرِّف,, ضد الهجمات الاستعمارية التي حاقت بوطننا الحبيب في فترة من فترات التاريخ.
ففي عام 1798م تمكنت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابورت من الاستيلاء على مصر, واستمر نابليون في قيادة الحملة حتى رحيله في 22 اغسطس عام 1799 لفرنسا نظرا لاضطراب الظروف الداخلية بها, وتكتل القوى الاوروبية ضدها وتولى الحملة من بعده الجنرال كليبر في قيادة الجيش الفرنسي وهو احد القواد المقربين لنابليون.
واجه كليبر ثورات شديدة منها ثورة القاهرة الثانية (20 مارس - 21 ابريل 1800) وكان من زعماء تلك الثورة عمر مكرم والسيد محمد السادات والسيد احمد المحروقي وغيرهم.
وقد اسرف الفرنسيون في اهانة سكان القاهرة، وإذلالهم، فاعتقلوا الكثير واقيمت المذابح في الميادين وتزايدت اساليب القمع والارهاب واشتد الضيق بين الناس وهكذا كانت بشائع الاحتلال حتى ذكر المؤرخون انه قلما توجد في تاريخ الثوارت فجائع تشبه ما عانته القاهرة بعد اخماد ثورتها الثانية، حتى ان الامر قد وصل الى سلاح الغدر لقتل المصريين جوعا، فمنع القوت عن القاهرة.
وفي الوقت الذي كانت تموج فيه البلاد بمساوئ الاحتلال وقد أيقن المستعمر انه في اوج انتصاره وانه قد اخمد الانفاس وقضى على حركة التحرير، في ذلك الوقت قدم من سوريا سليمان الحلبي وعمره اربعة وعشرون عاما ليدرس بالازهر الشريف واقام بالقاهرة مع زملائه.
وكان الازهر الشريف في ذلك الوقت مشعلا في إذكاء روح الثورة وفي قيادة المقاومة الشعبية، وهكذا ولدت من بين جدران الازهر فكرة الانتقام من الاحتلال في شخص قائد الحملة كليبر فقد كان لابد من عمل وطني يهز الحملة الفرنسية ويجعلها تشعر ان المقاومة لم تمت رغم قتل معظم قادتها، وان الشعب لم يستسلم.
وفي صباح يوم 14 يونيو عام 1800 حينما توجه كليبر في عرض عسكري لكتيبة الأروام الذين انخرطوا في سلك الجيش الفرنسي بمصر لم يكن يعلم انه نهايته على يد شاب عربي سوري اسمه سليمان الحلبي, وعاد (كليبر) من استعراضه هذا ليتفقد اعمال الترميمات التي كانت تجرى في دار القيادة العامة,, وبينما كان مارا بحديقة السراي يتحدث مع المهندس المختص خرج عليهما شاب نحيل متوسط الجسم ظن كليبر ان له ملتمسا او رجاء او انه قدم ليقبل يده، وما كاد يلتفت اليه حتى عاجله بطعنات خنجر مميتة اصابته في صدره وبطنه وذراعه, وصاح كليبر (اليّ ايها الحراس) ثم سقط على الارض وحاول (سليمان الحلبي - 24 عاما) الفرار غير ان المهندس الفرنسي حاول الامساك به فطعنه هو الآخر,, ثم عاد الى (كليبر) الساقط ارضا,, وطعنه عدة طعنات اخرى ليتأكد من انه قتله.
وتمكن (سليمان الحلبي) من الهروب تاركا عمامته,, غير ان الجنود الفرنسيين سارعوا خلفه وعثروا عليه.
** المحاكمة,.
وفي اليوم التالي مباشرة للواقعة قدم سليمان الحلبي امام محكمة عسكرية فرنسية مكونة من تسعة ضباط بجلسة علنية بتهمة قتل القائد العام والشروع في قتل كبير مهندسي الحملة وقدم معه ايضا اربعة من زملائه الدارسين بالازهر ومقيمين معه بذات المسكن بحي الحسين وهم:
(محمد وعبدالله وعبدالقادر الغزي) واحمد الوالي وجميعهم من غزة,, وقد وجهت اليهم تهمة عدم ابلاغ السلطات بالجريمة رغم علمهم بها.
وقد أنكر سليمان الحلبي في بادىء الامر مانسب اليه ثم عاد واعترف بالواقعة مقررا انه حضر من سوريا مصمما على قتل القائد الفرنسي ليخلص مصر من الاحتلال الاجنبي، وقد اعترف زملاؤه الثلاثة بأنهم علموا بنية سليمان الحلبي وتصميمه على قتل كليبر الا أنهم لم يحرضوه على ذلك وحاولوا إثناءه واعتقدوا انه غير جاد وان ما قرره مجرد حديث عابر.
وقد صور المدعي العمومي في مرافعته ظروف الجريمة تفصيليا، ووصف المتهمين بانهم قتلة مأجورون ارتكبوا جريمتهم لحساب العثمانيين، وانهم ليسوا اصحاب مبدأ او عقيدة او قضية.
وقد صدر الحكم في زمن قياسي لتكون جملة ما استغرقه التحقيق والمحاكمة اربعة ايام فقط وصدر بادانة كل من سليمان الحلبي (ومحمد وعبدالله وعبدالقادر الغزي) واحمد الوالي على ان ينفذ الحكم على النحو التالي:
اولا: تحرق اليد اليمنى لسليمان الحلبي ثم يعدم فوق الخازوق وتترك جثته فوقه حتى تفترسها الجوارح وان يكون ذلك خارج البلاد فوق التل المعروفة باسم (تل العقارب) وان يقع التنفيذ علنا عقب تشييح جنازة القائد العام وبحضور رجال الجيش واهل البلاد.
ثانيا: ان يعدم عبدالقادر الغزي على الخازوق ايضا وان تصادر امواله من عقار ومنقول لحساب الجمهورية الفرنسية.
ثالثا: ان يعدم كل من محمد الغزي وعبدالله الغزي واحمد الوالي بقطع الرأس ثم توضع رؤسهم فوق الرماح وتحرق جثثهم بالنار وان يكون ذلك فوق تل العقارب ايضا، وامام سليمان الحلبي قبل ان ينفذ فيه الحكم.
وفي يوم الاربعاء 17 يونيو عام 1800 بدأ تنفيذ الحكم بعد دفن جثة كليبر وقد تم الاعدام باحراق يد سليمان الحلبي اليمنى التي امسكت بالخنجر الذي اودى بحياة كليبر ثم اعدم عقب ذلك بالخازوق.
وقد اعدم زملاء (سليمان الحلبي) الآخرون وذلك بقطع رؤوسهم واحراق جثثهم عقب ذلك على الفحم وقد تم ذلك كله امام سليمان الحلبي وقبل اعدامه لمزيد من الايلام والرهبة ووضعت مع الجثث اليد اليمنى لسليمان الحلبي.
وعقب تشريح جثة سليمان الحلبي نقلت رأسه الى فرنسا ووضعت في متحف باريس الجنائي.
وهكذا كان إعدام سليمان الحلبي بمنتهى القسوة والوحشية وعلى الرغم من تمسك الفرنسيين اثناء المحاكمة بالاجراءات القضائية الحديثة, واهتمامهم بابراز اخذهم بمظاهر الحضارة الاوروبية الا ان ما تم من اجراءات كان بعيدا عن الحضارة الانسانية.
ترنيمة ياسين

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
أفاق اسلامية
لقاء
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved