Monday 26th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 13 ربيع الثاني


دور الأسرة في التربية

للأسرة دور كبير وهام للغاية في التربية والتنشئة، لا ينبغي ان يقلل من شأنه، او يقدم عليه غيره، كما لا يختلف اثنان في واجبات الاسرة نحو الأولاد، واجمل القول في دور الاسرة التربوي في النواحي التالية:
- المسئولية والرعاية:
فالأولاد مسئولية ورعاية، وتحمل وامانة، وقد وصف الله جل وعز الخلَّص من عباده المؤمنين، بصفات فاضلة، واخلاق كريمة عالية، جاء ذكرها في آخر سورة الفرقان، ختمها ربنا جل شأنه بقوله: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما).
سألوا ربهم ان يخرج من اصلابهم من يطيعه ويعبده، وطلبوا من ربهم كذلك ان يكونوا هداة مهتدين, دعاة الى الخير صالحين.
قال محمد بن كعب: (ليس شيء أقر لعين المؤمن من ان يرى زوجته وأولاده مطيعين لله).
والله جل وعز أمر المؤمنين بحفظ انفسهم واهليهم من النار، فقال وقوله الحق: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) الآية.
ففي هذه الآية توجيه للاباء، ان يحوطوا اولادهم بالادب والرعاية، والنصح والمتابعة، ومن ذلك تأديبهم على حب الفضيلة وبغض الرذيلة، وتعليمهم دين الاسلام وفرائضه، وحب العمل بتعاليمه ووقاية النفس بترك المعاصي، ولزوم الطاعات، ووقاية الاهل بحملهم على ذلك بالنصح والتوجيه.
وجاء في الحديث الذي رواه الترمذي: (ما نحل والد ولداً من نحل افضل من ادب حسن).
فمتى احسن الوالدان تربية ولدهما، ونشأ بينهما صالحا اديبا مهذبا، فذلك من اعظم نعم الله عل الوالدين.
ان المسئولية تجاه الاولاد وهم صغار، لايعذر احد بالتخلي عنها فهي مسئولية عمودي الاسرة (الأب والأم) وكثير من الاباء والامهات لايقدرون هذه المسئولية، وسبب فساد الاولاد وضياعهم يعود الى عاملين:
- اهمال تربيتهم وتركهم للمؤثرات الخارجية.
- تلقيهم مبادىء الهدم ونشأتهم عليها في غفلة الابوين.
والاب الذي يحرص على تربية اولاده ورعايتهم، سيجد الطريق معبداً مذللاً أمامه، لأن المولود يولد على الفطرة السوية التي توافق الإسلام، كما قال جل ذكره: (فطرة الله التي فطر الناس عليها).
وجاء في صحيح البخاري من حديث ابي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود يولد الا على الفطرة فأبواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه,,) الحديث وفي لفظ آخر (كل مولود).
ومن الخطأ بل من الخطيئة، ان تشوه هذه الفطرة النقية، وتدنس بما ينشأ عليه الطفل,, او يراه بفعل قوى شريرة متعددة، اجتمعت على طمس هذه الفطرة السوية، من شياطين الانس واعوانهم، ورؤوس الانحراف واضرابهم، من ذوي الاهواء والشهوات فيما يكتبونه او يبثونه في وسائل الاغواء.
ان التربية امر عظيم الخطر، كبير الاثر,, والطفل امانة عند والديه ، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة خالية من كل نقش، فان عود الخير وعلمه نشأ عليه ، وسعد في دنياه واخراه ، وشاركه في ثوابه ابواه، وكل معلم ومؤدب، وان عود الشر واهمل، شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة وليه والقيم عليه.
- التحطيم ومخاطره:
للتحطيم معان متعددة في لغة العرب، والمقصود بالتحطيم هنا، طمس الاخلاق والقيم عند الاولاد وهم صغار، ونزع الحياء منهم، وهدم قواهم العقلية، واضعاف شأن الدين في نفوسهم، وتنحيتهم عن الهدى والرشاد، وايقاعهم في الضلال والغواية، ويشتد اثر هذا الخطر ويعظم امره، حين يغيب دور الوالدين في التربية والتوجيه، اما لكثرة الاعمال وقلة الفراغ، او بحجة التسلية والترفيه، وادخال السرور، عليهم على علاته.
ولا يليق بالأب الواعي المدرك لخطورة الامر، ان يتغاضى عن هذا التحطيم الخلقي، او يتسامح في هدم الفضيلة بين اولاده، او يتجاهل في دفع الضرر عنهم.
ولا يخفى على احد ان التيار جارف، والخطر موجه - بتخطيط ماكر - من كل الجهات نحو الشباب، فينبغي ان تكون المقاومة قوية ومتينة، وذلك بحسن التربية والمتابعة في التوجيه، ومعرفة ما بداخل المنزل من وسائل الترفيه، التي يقضي الاولاد في ممارستها او مشاهدتها جل وقتهم.
اما اذا ترك الولد وشأنه، يصاحب من يريد، ويشاهد كل ما يقع على ناظريه ، ويسلك لنفسه منهج الحياة دون موجه او مرشد انفرط الزمام وضاع الامر، وعندئذ يصعب العلاج والاسترجاع، ويستحكم الطبع والتعود.
ولست اريد من هذا القول ان يسلك الوالد مع اولاده في التربية مسلك الشدة والقسوة، او العنف والغلظة، او شد الوثائق ، والاخذ بالخناق في كل الاحوال, كلا!! وانما تربية معتدلة، شعارها قوة من غير عنف، ولين في غير ضعف.
- لصوص العقول:
الواجب على الاباء دينا وعقلا وعادة، ان يوجهوا اولادهم ما داموا صغارا حيث شاءوا من وجهات الخير، ما لم يكن في ذلك اثم او قطيعة رحم، فاذا بلغوا سن الرشد تقاضى الاباء ذلك براً ببر، وحبا بحب، وإحساناً باحسان، فاذا وجهوا الوجهة الصحيحة في الدين والعبادة والاخلاق، كان ذلك نهاية البر بالاولاد، والنظر اليهم وكان في ذلك رضى الله ورسوله وصالحي المؤمنين، وكان ذلك معدودا عند العقلاء فيما يخدم به الرجال دينهم وامتهم واوطانهم.
لان ابناء اليوم هم ذخائر الوطن في المستقبل، وكل ما يزودون به من تربية صالحة، واخلاق وعلم، فهو اعداد وتجنيد وتسليح للدين.
ولكن, ما قول الاباء اذا اعترض ابناؤهم - وهم في طريقهم الى تقويم حياتهم بالاخلاق والعلم - لصوص يحاولون ان يقطعوا عنهم الطريق؟؟
أيسكتون ويقعدون عن نجدتهم؟ او يتركونهم للصوص يعبثون بهم فتضيع امالهم واموالهم، وتخيب نياتهم ومقاصدهم؟
أم يهبون سراعا الى استخلاصهم من ايدي هؤلاء اللصوص.
ان الدين والشرع والعقل والعرف، كل هذه تفرض على الآباء ان يصونوا اولادهم ويحفظوهم من هؤلاء اللصوص.
الا ان لصوص العقول والقلوب افتك من لصوص الاموال، واشد منهم عبثا وافسادا، وان هؤلاء اللصوص المعنيين هم لصوص عقول، يتحكمون بالابناء وهم في مطارح بيوتهم، وبين اهليهم وذويهم.
ان هؤلاء اللصوص هم وسائل الاغواء، المتمثلة في بعض القنوات الفضائية الداعرة، التي تزين للشباب سلوك طريق الفاحشة، وتقدمها اليهم في صورة زاهية، تغريهم بالانفلات من كل القيم، والجموح الى الفتن والشهوات.
فيضلونهم عن سواء السبيل، ويوجهونهم لغير الوجهة الصحيحة.
ويأتونهم كالشيطان من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم، ويصدونهم عن ذكر الله وعن الصلاة وعن الاخلاق والعلم النافع.
ان هؤلاء اللصوص القاطنين في المنازل، والداخلين اليها عن طواعية واختيار من اهلها، ان تركوا دون طرد ومقاومة، فسوف يعيثون فيها ويحققون مآربهم في افساد عقول الابناء، وفي غفلة من آبائهم، ويصدونهم عن القيم الفاضلة والاخلاق العالية، ويفقدونهم معنى التفكير الصحيح لخوض غمار الحياة.
وايسر ما في هذا الداء انهم يزينون لهم عقوق الوالدين، يهونون عليهم حقوقهم، ان هؤلاء اللصوص يغدون على الابناء ويروحون ويقعدون لهم بكل صراط وينتقلون بهم في الافساد، وتضييع الاوقات، وتعطيل المواهب، من منزلة الى منزلة، ومن مرحلة الى مرحلة، واخر مرحلة لمن تم تسليكه على ايديهم، ان يقتلعوه من قعر الفضيلة الى وكر الرذيلة,, أفلهذا يربى الابناء؟!!
ان على الآباء ان يقوموا باداء الامانة في توجيه هذا الجيل للدين والعلم، حتى لا يضل ويطغى، وإلى عقائده حتى لا تفسد وتزيغ، وان من اداء الامانة وحسن الرعاية، القيام على الاولاد بحسن الولاية، واعانتهم بقوة تجعل بينهم وبين اولئك اللصوص ردما، وما هذه القوة بزبر الحديد، ولكنها بالتوجيه والمراقبة والتسديد والمتابعة وبالوصاية الجادة والمخلصة للاولاد، بان يعرفوا قيمة الوقت والحياة، فيقصروا جهودهم واوقاتهم في النافع المفيد.
- كيف نحصن أولادنا؟
يكون التحصين للاولاد بقيام الاسرة بدورها التربوي في المنزل، ومتابعة سير الحياة خارج المنزل، واستشعار هذا الدور التربوي، وانه الحصن الواقي والسياج المانع، من الوقوع في شراك الغواية، وتضييع الاوقات في لغو وعبث، ولهو وخبث، او تسلية غير بريئة واثارة متعمدة.
فدور الوالدين يكمن في توجيه الاولاد إلى الشيء النافع والمفيد لهم، وتربيتهم على توحيد الله، واخلاص العمل له، والمحبة والتذلل والخضوع له.
* تنمية حواسهم ومداركهم، للنظر في نعم الله التي بين ايديهم، والتي لا يستغنون عنها من مأكل ومشرب، وملبس ومركب، وقيام وقعود، ونوم ويقظة والتأمل في هذا الكون البديع الواسع ، وتدبر اياته، وادراك بديع صنع الله فيه، بما يقوي روح العقيدة في نفوسهم، ويمكن تطبيق هذا في الخروج بهم الى نزهة او فسحة، او سفر ورحلة.
* تبصيرهم بالسلوكيات الخاطئة ليجتنبوها ويحذروها، وحفز هممهم لبناء حياة فاضلة في مستقبل ايامهم، وكل يخاطب بحسب فهمه وادراكه.
* بعث اليقظة الاسلامية في حياتهم، وتعميق جذور الايمان في نفوسهم، حتى يقفوا في وجه التيارات الفكرية الضالة، فيردوا زيفها، ويدفعوا باطلها بالبرهان والحجة.
* لا يتوانى الوالد في تعليم اولاده القرآن الكريم، ثم العلوم النافعة، لان في ذلك سعادتهم في الدنيا والاخرة، قال عبدالملك بن مروان: (يا بني تعلموا العلم، فان كنتم سادة فقتم، وان كنتم وسطا سدتم، وان كنتم رعية عشتم) وعلى قدر ما يبذل في التربية من جهد، وما يبذر فيها من بذر، يكون النتاج والحصاد.
* تعهد الناشئة، وتوفير البيئة الصالحة، التي تكفل لهم حسن النشأة، ونماء القوة، وبناء الشخصية، والقدوة الحسنة.
* عرف اسلافنا عظم الامانة، وثقل المسئولية، وادركوا ان عليهم واجبا عظيما، وهو ربط الجيل الناشيء بالاسس الثابتة، التي ان تغيرت اهتزت الحياة، واضطرب نظامها، وان ينشأوا على الدين الحق، ولا يتركوا لنزغات الشياطين، ووساوس المضللين، ومن هنا كان على الآباء ان يحافظوا على صفاء فطرة ابنائهم، وان يعمقوا في قلوبهم حقائق الايمان، شيئا فشيئا، حسب الطاقة والاستعداد، بما يناسب احوالهم، ثم عليهم ان يعلموهم معنى العبادة لله، وضرورتها للحفاظ على كيان الانسان، فهو لا يجد طمأنينته وثقته وقوته وراحته الا اذا غرس هذا في اعماقه، واستقر في فطرته، فاذا حرم حظه من العبادة تسرب الشقاء الى نفسه، وضل في الحياة سعيه، مهما اوتي من العلم والذكاء والقوة والثروة.
* وبعد الايمان والعبادة، يأتي الخلق والسلوك فلابد ان يكون الآباء قدوة للابناء، في الالتزام بمكارم الاخلاق، والترفع عن الدنايا والرذائل، والا فأي جدوى من النصح والوعظ والزجر؟!!
* يربى الولد على الشجاعة والاقدام، والجود والصبر، والانصاف والايثار، والسماحة واليسر، والعفة والامانة، والمروءة والوفاء، والعزة والكرامة، وهذه اخلاق دعا اليها القرآن، ثم تغرس هذه الصفات في نفوس الناشئة، وتسقى بماء النصح والارشاد، حتى تصبح ملكة من ملكات النفس، ثم تكون ثمرتها الفضيلة والخير، وحب العلم لنفع الدين والأمة والوطن.
* من احسن تربية اولاده، قاموا بواجبه ، ورفعوا من مقامه، وكانوا له خدما في كبره، يوم لا يجد من يخدمه سوى اولاده البررة، الذين قام بواجبهم في زمن نشأتهم، كما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل.
* من النافع المفيد للاولاد وللاسرة جميعا ايصالهم بالكتاب ذي الفكر النزيه، والتوجيه السليم، واسماعهم الكلمة الطيبة، وهذا يقتضي أن يكون في البيت مكتبة خاصة بالاسرة، ووجودها اهم بكثير من التوسع في الامتعة والزخارف والتحف، التي تشترى باغلى الاثمان, والطفل عندما يفتح عينيه على مكتبة في المنزل، ويرى افراد الاسرة يترددون عليها، ويتعاملون معها، قراءة ومراجعة، واطلاعا ومساءلة، حينئذ تتكون لديه رغبة في المطالعة وحب القراءة.
د, عبدالله بن عبدالرحمن الشثري

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
الطبية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved