Friday 30th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 17 ربيع الثاني


رئيسة جمعية الحوار المسيحي الإسلامي بسويسرا,, سامية عثمان
الإسلام دين حضارة ومنهج جماعة يرتكز على دور الفرد
البشرية فرداً وجماعة تحتاج إلى التحضير الإسلامي لتتخلص من المعاناة

* سويسرا - الجزيرة
يشعر المسلم الحق بالحسرة والإحباط وهو يرى قومه - في هذا العصر - متأخرين في امور سبقهم فيها حتى من هم ليسوا اصحاب دين سماوي، في حين اقتصر نصيب المسلمين من السبق على الفتات من امور الحياة.
تحدثت بذلك السيدة سامية حسين عثمان رئيسة جمعية الحوار المسيحي الاسلامي في سويسرا، واضافت بان الحضارة لا تتمثل في المنشآت العظيمة، او اقتناء السيارات على احدث الموديلات واغلى المجوهرات واثمن التحف، وهي ليست في امتلاك اطباق الارسال، فالعبرة الحقيقية تكمن في المنجزات التي تكفل للبشر اسباب الاستقرار والامن، والعبرة في الارتقاء بالانسان الى مرحلة استخدام مواهبه وقدراته في خدمة البشرية.
وقالت السيدة سامية: ان الحضارة هي ثمرة كل جهد يقوم به الانسان لتحسين ظروف حياته سواء المادية او المعنوية، وان المجتمع يبذل جهده لوضع الانسان من طفولته في القالب الحضاري المناسب والمتناسق مع الجماعة، فيعلمه قصدا كل ما ترضى عنه وتستحسنه الجماعة، وينهاه عما لا ترضى عنه وما لا يتفق مع قيمها، ومعنى ذلك ان دور الجماعة قائم على التوجيه، وهو الدور الذي يبرزه القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لأهميته في تحقيق هذا الدين، فهو دين جماعة ومنهج جماعة، مع التركيز على دور الفرد.
واضافت رئيسة الجمعية قائلة: هناك حضارات كثيرة قامت ثم وقفت في مكانها دون ان تتقدم, لان الظروف التي قامت فيها تغيرت ولم يسمح لها الا بالتقدم اليسير، او ثبطت حافز الجماعة على متابعة التقدم، ولذلك نجد انفسنا في الوقت الحاضر في عالم تسوده الصراعات عالم ممزق نفسيا وجسديا، الفرد فيه قلق لا يشعر بالاطمئنان ولا يستمتع بالامن والسعادة، عالم الحاجة فيه ضرورية الى تربية ضمير الفرد، ولن يتسنى لنا ذلك الا بالتثقيف الاسلامي (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة) (الإسراء: 82),ثم قالت: ان الاسلام جاء ليبني امة,, يبنيها لتقوم على امانة دينه في الارض، ومنهجه في الحياة,, ونظامه في الانسان، والاسلام يمنح الانسان قيمة اساسية اذ هو اللبنة الاولى التي يركز عليها الاسلام لبناء مجتمعه، ويعتبر ضمير الانسان المكان الاول الذي تنبت فيه العقيدة.
ان الاسلام جاء ليحكم حياة البشرية ويصرفها ويهيمن على كل نشاط فردي وجماعي في كل اتجاه ومن ثم فان آدابه وقواعده ونظمه كلها مصوغة عل هذا الاساس، وحين يوجه اهتمامه الى ضمير الفرد فانه يصوغ هذا الضمير على اساس انه يعيش في جماعة,وتابعت السيدة سامية عثمان حديثها قائلة: خلاصة القول ان البشرية فردا وجماعة تحتاج الى التحضير الاسلامي لتخلص من المعاناة (هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم) الفتح 4 .
وحول اهمية الاداب والاخلاق كدعامة للسلوك الحضاري قالت السيدة سامية: ان القيم الظاهرة التي يراها الرجال والنساء في انفسهم ليست هي القيم الحقيقية التي يوزن بها الناس، فهناك قيم اخرى قد تكون خافية عليهم يعلمها الله ويزن بها العباد، ومع ذلك فان آداب السلوك الظاهرة هي عنوان الخلق بالباطن، وان رسول الهدى خير مثال نحتذي به في آدابه واخلاقه المأثورة، (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الأحزاب 1 وان بيان آداب الرسول لا يعد ولا يحصى فهو العفو عند المقدرة، والسخي ذو الجود، المتواضع، الزاهد، ذو الشجاعة والبأس.
وتسترسل رئيسة الجمعية معددة صفات الرسول صلى الله عليه وسلم قائلة: وان اي امة سار افرادها على نهجه علا شأنها وترعرعت حضارتها وسبقت بها جميع الامم (لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريض عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) التوبة 128 فقد كان صلى الله وعليه وسلم كثير الضراعة والابتهال لله تعالى ان يزينه بمحاسن الآداب ومكارم الاخلاق، فاستجاب الله وادبه بآداب القرآن وآداب الخلق وأثنى عليه بقوله (وانك لعلى خلق عظيم) القلم 4 وقال الرسول صلى الله عليه وسلم عن نفسه: بعثت لأتمم مكارم الاخلاق .
وكان صلى الله عليه وسلم احلم الناس واشجع الناس، واعدل الناس، واعف الناس، واشدهم حياء، لايثبت بصره في وجه احد، ولا يستكبر عن اجابة الامة والعبد، ينفذ الحق وان عاد عليه ضرر امته، يعود المرضى، ويمشي بين اعدائه بلا حارس، وكان اشد الناس تواضعا، واحسنهم بشراً يحب الطيب ويكره الرائحة الرديئة ويكره ان يوجد منه الا ريحا طيبا، كان يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين، ولا يحتقر مسكينا لفقره، وكان له عبيد واماء لا يرتفع عليهم في مأكل او ملبس، كان صلى الله عليه وسلم يقبل معذرة المعتذر اليه، وفي مجلسه يبلغ في غير تطويل.
وتواصل السيدة سامية حديثها حول المصطفى صلى الله عليه وسلم فتقول: ماشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم احدا، وما لعن امرأة قط، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول انما بعثت رحمة ولم أبعث لعانا ما خير بين امرين الا اختار ايسرهما، وما كان يأتيه حر او عبد او امة الا قام في حاجته، وكان مجلسه وحديثه لطيفا يتوجه للجالسين اليه في حياء وتواضع وامانة ويدعوهم بما يستميل قلوبهم بصدد ذلك، وذلك في قوله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين) آل عمران 159 .
وكان ابعد الناس غضبا واسرعهم رضى، فيقول صلى الله عليه وسلم : ان بني آدم خيرهم بطيء الغضب سريع الفيىء ولم تكن الاصوات ترتفع في مجلسه، واذا تحدث كان أفصح الناس منطقا واحلاهم كلاما واوجزهم بلاغا وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان كلام النبي صلى الله عليه وسلم كلاما فضلا يفهمه كل من سمعه، واخيرا كان النبي صلى الله عليه وسلم اكثر الناس تبسما وضحكا في وجوه اهله واصحابه، ولربما ضحك حتى تبدو نواجذه.
بعد ذلك تطرقت السيدة سامية الى الحديث عما اصاب الامة الاسلامية من تأخر في هذا العصر فقالت: لقد وقع تغير كبير داخل الامة الاسلامية يستوجب ترتيب العقل الاسلامي من جديد، فالارض الاسلامية اليوم في امس الحاجة الى قواعد من التربية والتثقيف، تقوم على فقه واسع في الحياة والاحياء، ونحن لدينا - والحمد لله - ثروة طائلة من نصوص الكتاب والسنة تمثل رصيدا لاية محاولة للاصلاح، والاسلام يترك للعقول حرية التصرف والاختيار ويحث على التجديد، بل انه يزيح العوائق التي تحد من نزوع الافكار الى الابتكار بما يعود على البشرية بالخير والبر.
واستطردت بقولها: ان التربية الثقافية لابد وان تنبع من ظروفنا ومن اصولنا الاسلامية، ولهذا فنحن نحتاج الى تعبئة المؤسسات التربوية جميعا من اجل تحقيق هذا الهدف، قال تعالى: (واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) آل عمران 187 فالمراد اذن من تشريع الخالق هو التعليم والارشاد، وقد قال صلى الله عليه وسلم : من تعلم بابا من العلم ليعلم الناس اعطي ثواب سبعين صديقا ان المسلم المتعلم قد حمل امانة عظمى يساءل عليها يوم الموقف العظيم، لقد وضع العلم والتعليم في منزلة الجهاد,, وقد اعتبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فدية لفك رقبة الاسرى (غزوة بدر) وتعليم العلم صدقة وانس في الوحدة ومنار سبيل الهدى، وبالعلم يرفع الله اقواما وامما فيجعلهم في الخير قادة هداة، فالعلم حياة القلوب ونور الابصار.
ثم قالت: ان دور المؤسسات التعليمية سواء المدارس او وسائل التعليم والتثقيف السمعية والمرئية تقع عليها مسؤولية عظمى، وهذا يتطلب من اولي الامر ان يولوها عناية ومتابعة دقيقة ومدروسة ومتطورة على منهج متناسق تماما مع طبيعة البيئة واحوالها الجلية والخفية، قال تعالى:
(ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الرعد 11 .
ودعت رئيسة جمعية الحوار المسيحي الاسلامي بسويسرا الى اهمية تطوير المناهج الدراسية النظرية والخروج بها الى نطاق الربط العلمي لمعايشة المعاني السامية واقعية من خلال زيارات ميدانية للمؤسسات الاجتماعية، ليشارك الطالب على الطبيعة في تقديم الخدمات لذوي الحاجة، ويكتسب خبرة حية تقوي من تنمية المشاعر في وجدانه، فكلما بدأنا بالدارس من صغر السن تأصلت هذه القيم في سلوكه، فيمكن - مثلا - حث الاطفال في دور الحضانة على رسم اللافتات التي تحمل في طياتها التعبير عن القيم القرآنية.
كما يجب ان يقوم منهج اعداد الدعاة بحيث يشمل الالمام الواسع بالعلوم الطبيعية والفلسفة وعلم النفس والاقتصاد، وكذلك آراء العلماء المسلمين والمستشرقين الاجانب، مع العناية بالاسرة التي هي المهد الذي ينشأ فيه الفرد، بان تنظم دورات اجبارية للمقبلين على الزواج يتعرفون من خلالها على الاسس والمبادىء الاسلامية للاسرة، وعلى وظيفة وحقوق وواجبات كل فرد في اطار التشريع القرآني.
واخيرا يجب الا نغفل وسائل الاعلام السمعية والمرئية التي لم تعد وسيلة ترفيهية فحسب، بل وباجماع علماء النفس والتربية والاجتماع اصبحت هذه الوسائل في السنوات الاخيرة ذات نفوذ وسيطرة لايستهان بها في التأثير على ادراك وسلوكيات الافراد من كافة الاعمار، والوسيلة التي يستمد النشء منها رموز تكوين شخصيته وسلوكه، ولذا لابد من الجهد لتطوير العاملين في هذا الحقل بالصورة والاسلوب الذي يضمن مراعاة ظروف المجمع الشرقي ومتطلباته.
واختتمت السيدة سامية عثمان حديثها قائلة: لقد ظل الاسلام صاحب اليد الطولى على الانسانية جمعاء، وحامل لواء المدنية الحديثة وسعت مرونته وسماحته كل زمان ومكان، ولقد ظل الشرق الاسلامي احد عشر قرنا في طليعة العالم، واممة ارقى امم الارض، ولن نستعيد هذا المجد وهذه المرتبة الا اذا اقترب الشرق الاسلامي من دينه وارتبط بتعاليمه.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
أفاق اسلامية
تقارير
عزيزتي
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved