ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد ان نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - بلغ الرسالة، ونصح الامة، وجاهد في الله حق جهاده، ومامن خير إلا ودلنا عليه، وما من شر إلا حذرنا، ونهانا عنه.
لقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى ان المال زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير املا)، وبالمال يقاس الغنى والفقر، فالغني هو من لديه مال كثير والفقير من عدمه، وهو عصب الحياة، ولكن نبهنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - الى حقيقة قد تكون غائبة عن اذهاننا او متغافلين عنها، فقد اخرج مسلم - رحمه الله تعالى - في صحيحه عن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اتدرون من المفلس؟ فقال الصحابة - رضوان الله عليهم -: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته حتى اذا فنيت حسناته قبل ان يقضي اخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، فطرح في النار), ففي هذا الحديث الشريف بين لنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - حقيقة الافلاس، فالإفلاس الحقيقي يكون يوم القيامة، وليس في الدنيا، فلو كانت الدنيا تساوي عند الله شيئا لما شرب الكافر منها جرعة ماء، فقد فهم الصحابة كما يفهمه الكثير ان المفلس هو من ليس لديه مال او متاع، فلذلك بين لهم رسولنا- صلى الله عليه وسلم - حقيقة المفلس.
فالمفلس الحقيقي هو من لم يحافظ على اعماله الصالحة من الضياع، فهذا الحديث يبين لنا ان على كل انسان حقّين: حق لله سبحانه وتعالى، وحق لعباده، فالمسلم كما يجب عليه ان يؤدي حقوق الله، فكذلك يجب عليه ان يؤدي حقوق الآخرين، فالصلاة والصيام والزكاة وغيرها هذا من حق الله علينا، وعدم التعرض للآخرين بالقذف والشتم، واكل أموال الناس بالباطل، وسفك الدماء من حقوق الآخرين، كما بينه لنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - حينما خطب يوم عرفة في حجة الوداع، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه .
فيجب على المسلم ان يتقي الله في حقوق الآخرين، فالشهيد يغفر الله له كل ذنوبه ماعدا الدَّين، وذلك بسبب تعلقه بحق الآخرين.
كما اننا لو تدبرنا هذا الحديث، وعقلناه لحلت كثير من المشاكل الاجتماعية التي تحدث بين الناس، فلو ان انسانا زار دور مراكز الشرطة لوجد كثيرا من القضايا، وان مواضيع هذه القضايا تتعلق بالتعدي على حقوق الآخرين من قذف او شتم او اخذ اموال الناس بالباطل او سفك دماء، وكذلك نفس الشيء في دور المحاكم الشرعية.
اذن فليكن في ذاكرتنا ان الغني هو من يأتي يوم القيامة محافظا على اعماله الصالحة من الضياع، اي انه ادى حق الله عليه، وادى ما عليه تجاه اخوانه الآخرين.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
الشيخ/ عبدالرحمن بن محمد المكي جابري *
* المدينة المنورة