Friday 30th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 17 ربيع الثاني


بنادر
شرق وغرب

لا أذكر بالضبط ان كان الشاعر الانكليزي المعروف روديارد كيبلنغ (1865 - 1936) الذي ولد في بومباي بالهند ودرس في انكلترا وصاحب (كتاب الأدغال) ورواية (كيم) و(البحار السبعة) وعشرات غيرها من المجموعات الشعرية والروايات والدراسات وكتب الرحلات والتاريخ والحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1907.
أقول لا أذكر بالضبط في اي كتاب او اية قصيدة قال رويارد كيبلنغ (ان الشرق شرق والغرب ولا يلتقيان) ولكن الذي اذكره ان هذه الجملة الشعرية القوية رسخت في داخلي وأبت المغادرة بسبب كم الشعر الهائل في داخلها وبسبب الأبعاد التي من الممكن ان تأخذنا اليها.
ومنذ ان سمعتها قبل اكثر من ثلاثين سنة، وانا اجادلها في مفهوم الشرق والغرب خاصة وان كيبلنغ معروف بنزعته الاستعمارية وتمجيده للامبراطورية البريطانية المسيطرة على ثلثي دول العالم والتي لا تغيب عنها الشمس في ايام عزها الذي ساد ثم باد.
رغم ان كيبلنغ هذا عاش اغلب سنوات عمره في الهند وتشبعت روحه من الثقافتين (الشرقية والغربية) الا انه لم يفهم ان الجهات لم يضعها الانسان الا لمعرفة الطريق اكثر من كونها لتوزيع العالم حسب القوة والضعف او ان هناك شعبا اذكى من شعب آخر، وبالتالي لا بد للشعب الأقوى ان يسيطر على الشعب الأضعف كما حدث هذا في القرون الماضية وكما يحدث حالياً بصورة مختلفة في الشكل لكنها تحمل نفس المضمون.
ان كان للجغرافيا دور في تشكيل ثقافات الشعوب وعاداتها وتقاليدها واعرافها وافكارها وقادرة على اعطائها طابعها المتميز عن غيرها في الشكل الا ان احلام وطموحات كل الشعوب واحدة في الجوهر.
كلنا يعرف ان ثقافة المدن النهرية غير ثقافة المدن الصحراوية وحضارات الدول الجبلية غير حضارات الدول البحرية ولكنها تلتقي في قاعدة مهمة وهي ان الشعوب تصنع ثقافتها من محيطها وبيئتها.
الشرق والغرب جهتان مثل الشمال والجنوب.
الشرق والغرب جغرافيا مثل البحر والصحراء والسهل والجبل لكل منهما جماله الخاص به وله زهوره وألوانه واعشابه وحيواناته ونكهته.
والذي يقول: ان الغرب افضل من الشرق او بالعكس كأنما يقول ان اليد اليمنى افضل من اليسرى او ان العين اليسرى اجمل من اليمنى ولا يعرف هذا القائل إن الانسان دائماً في حاجة للاثنين.
لا يمكن ان نعرف الشرق دون ان نعرف الغرب ولا يمكن ان نشعر بالبارد دون ان نشعر بالحار.
الشرق والغرب هما زفير الارض وشهيقها.
الشرق والغرب جهتان تلتقيان في بؤرة القلب البشري.
ومن يحاول أن يفصل بينهما كأنما يشطر الانسان الى نصفين.
علي الشرقاوي

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
أفاق اسلامية
تقارير
عزيزتي
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved