اشرف الصباغ نموذج للمثقف المتعدد المواهب، فهو حاصل على الدكتواره في الفيزياء النظرية، يعمل بالنقد المسرحي والترجمة من الروسية، بجانب انه مبدع اصدر ثلاث مجموعات قصصية خلال عشر سنوات هي: قصيدة سرمدية- خرابيش- العطش,, عند اشرف الصباغ حكايات كثيرة عن المجتمع الروسي الذي شهد تحولات سريعة، كما ان لديه هموم المترجم حول مانعانيه في المجتمع العربي، من ضعف حركة الترجمة رغم تطور وسائل الاتصال,, عن هذه الحكايات والهموم التقينا به وكان هذا الحوار:
بدايات صعبة
*لماذا السفر؟ وإلى روسيا تحديداً؟
-بعد تخرجي من كلية العلوم حاولت العمل بالتدريس ولكني فشلت واضطررت للعمل بورشة كاوتشوك بعد التخرج، واثناء فترة الجيش، وكانت بداية صعبة لشاب مثلي، ثم أتيحت لي فرصة العمل في جريدة المساء كمحرر فني، واثناء عملي بالجريدة منذ اثنتي عشرة سنة تقريباً جاءني احد الاصدقاء وعرض علي فرصة السفر الى روسيا لاكمال دراسات عليا في الفيزياء النظرية، وهكذا سافرت بالصدفة وانا لا اعرف كلمة واحدة روسية لكني كنت قد تربيت على الادب الروسي الكلاسيكي، وهذا جعلني معايشاً لتلك الاجواء قبل ان اراها, وبالفعل حصلت علىدبلوم في تدريس وترجمة اللغة الروسية، كماحصلت على الماجستير والدكتوراه في الفيزياء النظرية.
الانهيار الكبير
* بعد سفرك بسنتين سقط الاتحاد السوفيتي، فما أثر ذلك عليك؟
-قبل سقوط الاتحاد السوفيتي كنت اعمل بالتدريس في جامعة موسكو ، وكنت اقبض راتباً حوالي 80 روبلاً، اي مايعادل عشرين دولاراً، وكان هذا المبلغ يكفيني سواء لشراء الملابس او الطعام او الكتب، اما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي فقد تغيرت الظروف كثيراً واضطررت لترك العمل بالجامعة لاسباب مادية وبدأت العمل بالكتابة والترجمة من الروسية الى العربية.
* وكيف رأيت هذا الانهيار الكبير؟
-استطيع ان اتكلم عن بعض مظاهر الانهيار في المجال الثقافي على وجه الخصوص، بداية انحسر الكتاب الجاد وسيطر كُتّاب ما بعد الحداثة بشكل فج، ورواية الاكشت، واصبح هنا كتاب جادون لايكتبون، كما اصبح المجال رائجاً للمجلات المشبوهة التي تروج للعرى والتفاهة, وفي مجال الباليه فقد بدأ يعاني انحطاطاً شديداً بعد ان كان اعظم باليه في العالم، بجانب اتجاه راقصات البولشوي للتدرب على الرقص الشرقي بغرض اكل العيش، وتذكرة مسرح البولشوي بعد ما كانت ب(20)روبلاً اصبحت حالياً بمائة دولار, والمسرح الروسي يعاني حالة من التخبط بعد ان كان في موسكو وحدها اكثر من مائة مسرح وكان سعر التذكرة اقل من ثمن علبة السجائر, ومع غلاء اسعار المؤسسات التي تقدم المنتج الثقافي، انحطت ايضاً الطبقة الوسطى التي تهتم بالثقافة واصبحت معدمة حالياً.
* وماذا عن دار التقدم ودار رادوغا اشهر دارين قدمتا الادب الروسي الى قراء اللغة العربية؟
-بكل اسف دار التقدم تحولت الى بوتيك يباع فيه كل شيء، العدس المصري والفول اللبناني والملابس الداخلية الفرنسية والايطالية, اما رادوغا فلم تعد على وجه الارض منذ سنة 1990م, وهذا بالطبع مرتبط بانهيار الاتحاد السوفيتي وتغير منظومة القيم الثقافية والاجتماعية.
بين العلم والأدب
*نريد ان تحدثنا كيف بدأت علاقتك بالعلم ثم علاقتك بالادب؟
-ربما لا تصدقني اذا قلت لك انني كنت بليداً في الرياضيات وانا في الصف الثالث الاعدادي، وحصل لي موقف شخصي غير جيد جعلني اصمم على دخول القسم العلمي والالتحاق بكلية العلوم قسم الفيزياء، وكنت احصل على تقديرات عالية لكن ظروف الحياة لم تجعلني اكمل الدراسات العليا حتى حدثت تلك الصدفة الجميلة.
* وماذا عن علاقتك بالادب؟
-بالطبع الاهتمام بالادب كان منذ الصغر، وكنت حريصا على غرس الابداع الفني بداخلي، ومنذ ايام الجامعة وانا أكتب في مجلة القاهرة التي نشرت لي بعد ذلك اكثر من مجموعة قصصية، عدا بعض الكتب المترجمة.
* وهل استفدت من تخصصك العلمي في اعمالك الادبية؟
-في الواقع ان دراساتي في الماجستير والدكتوراه كانت اقرب الى حالة علمية تأملية, وهذا يضفي على رؤيتك عمقاً اكثر في علاقتك بالكون، ويساعد على تنظيم افكارك في استقبال العالم والتعامل معه,, انا في الاساس ناقد مسرحي، وارى ان المسرح علم كسائر العلوم، وثمة شبه كبير بين نظرية ميكانيكا الكلم مثلاً وبين نظرية بريخت في المسرح,, وهذا كلام يبدو مضحكاً ولكنه قابل للتحقق,, فالعلم ليس بعيداً عن الادب، ولم يعد هناك اديب فقط او عالم فقط,, فاينشتاين كان يعزف الموسيقى وينقدها كافضل موسيقي، وكونديرا وامبرتو ايكو كلاهما استاذ جامعي يعرف العديد من اللغات، ويتعاطى الفنون المختلفة كالسينما والموسيقى، ومن هنا اصبحت اعمالهما الروائية مختلفة وفائقة,, فالقاعدة المعرفية لإنسان القرن العشرين اصبحت قاعدة رأسية شديدة الخطورة.
* وهل كُتّابنا على هذا المستوى؟
- كُتّابنا متواضعون للغاية بالنسبة لكبار كتاب الرواية في العالم الآن، لأن لدينا وهم ان الكاتب يضع فكره السياسي والاجتماعي في الرواية، وهذا كلام بديهي يحدث ضمناً، لكن الذي يميز الكاتب الكبير امران: فكره الاجتماعي ومعايشته الواقع الادبي والفني والتعامل معه بعين نقدية، ثم مشاركته في الاحداث السياسية والاجتماعية التي يمر بها الناس حوله، فيشارك بشكل فاعل كمثقف عضوي ينتمي الى مجتمعه فلاينعزل عنه ولايتاجر بشعارات اجتماعية جوفاء.
فصول من دفتر الترجمة
* ماهي جسور التواصل حالياً بين الادب الروسي والادب العربي؟
-لم يعد هناك اي تواصل منذ سنة 1985 فبعد ان كان الروس يهتمون بترجمة ادبنا الى الروسية، اتجهوا حالياً الى الغرب، ولم يعد هناك اهتمام بعجلة الترجمة في الشرق, وبالمثل نحن لم نعد نترجم الادب الروسي، واذ احدثت بعض الترجمات في سوريا والكويت فإنها لاتتجاوز الادب الكلاسيكي, وهذا نتيجة طبيعية لانهيار المؤسسات الثقافية في روسيا وايضا احجام المؤسسات الثقافية لدينا، رغم ان هناك اشياء كثيرة تستحق ان تترجم، ولابد ان نركز على آداب روسيا والصين والهند لان هذه الشعوب تربطنا بها أواصر ثقافية كما انها تشهد بالفعل طفرة ثقافية، بدلاً من التقوقع على الادب الاوربي فحسب.
* واين المترجمون الكبار الذين ابدعوا في ترجمة الادب الروسي الى العربية؟
-هناك اسمان هامان لدينا، ولكليهما جهد وافر في حقل الترجمة، وهما الدكتور سامي الدروبي الذي كان يترجم عن الفرنسية، ورحل منذ فترة بعيدة، والدكتور ابو بكر يوسف الذي يكاد يعتكف في بيته منذ عشر سنوات وقلما قابل احداً وقد توقف عن الترجمة.
* ولماذا لاتستمر جهود الاجيال التالية من المترجمين؟
-الترجمة مثل عمل المرأة في البيت ، اي أنه جهد غير واضح او غير مرئي، فانت في النهاية تترجم ولست مبدعاً، وعادة لايأخذ المترجم حقه الادبي او المادي، ونظراً لاننا في الوطن العربي لانراعي حقوق المؤلف، عزف كبار المترجمين عن الترجمة، وتحول الشباب منهم- لاسباب مادية وصحية- الى مراسلين لبعض الصحف والاذاعات, ولم يعد لدينا مجموعات محددة للقيام بجهد الترجمة، لان المؤسسات التي كانت ترعى هذا لم تعد موجودة ، فالمترجم الذي يترجم موسوعة في عشر سنوات مثلاً يحتاج الى رعاية شاملة من احدى المؤسسات خلال هذه المدة.
* هل يعني هذا ان حركة الترجمة في الوطن العربي في تدهور؟
-الترجمة في العالم العربي وهمية خادعة وصورية، بدليل ان مصر مثلاً بها امية تزيد عن (70%) رغم ان هناك اكثر من مشروع للترجمة في اكثر من مؤسسة، فما فائدتها والمواطن يحتاج اساساً الى محو امية، ونسبة المثقفين لدينا لاتزيد عن (1%) وهم يقرؤون لبعضهم البعض، فمثلاً اذكر من فترة قريبة ان احد المتقدمين لامتحان المذيعين قال عن نجيب محفوظ انه سينارست وكانت هذه هي اقرب اجابة للصواب,, ومن ثم تصبح حركة الترجمة او مايسمى بالازدهار الثقافي مجرد حالة زائفة.
* الايمكن ان يكون هناك مترجم من الروسية الى العربية والعكس؟
-ازدواج الترجمة يتم بسهولة بين العربية والانجليزية مثلاً، اوبين الانجليزية والفرنسية، لكن اللغة الروسية صعبة للغاية مثلما ان اللغة العربية صعبة للغاية، وبذلك يحتاج نقل النص العربي الى الروسية الى مستعرب روسي, اما الترجمة المتبادلة فيجب ان تتم من خلال مشاريع بين اتحاد الكتاب في روسيا وبين المؤسسات المهتمة في البلاد العربية.
* وماذا تترجم حالياً؟
-اترجم كتاباً عن الادب الروسي في آخر عشر سنوات، ومقالات عن كونديرا بالروسية.
* أثمة كُتّاب روس حالياً يستحقون الترجمة؟
-هناك بالطبع سولجنست رغم انه توقف عن الكتابة الابداعية ولكنه يكتب حالياً في السياسة والتاريخ والاجتماع، فسولجنست رغم انه حاصل على نوبل الا انه لم يترجم الى العربية فيما اعلم,, وهناك ايضا راسبوتين، وفيكتور بليفين خاصة روايته الرائعة تشابايف والخواء .
الإبداع هم خاص
* اصدرت حتى الان ثلاث مجموعات قصصية,, فماهي حدود تجربتك الابداعية؟
-عالمي محدود وضيق، هو عالم الورش الصغيرة والمصانع والحواري الضيقة وهذه هي الاغلبية الموجودة في اغلب دول العالم, ففي مصر هناك الصبي بليه وفي أمريكا ايضاً يوجد بليه لكن على الطريقة الامريكية,, وهذا جعلني اكتب بمفردات حادة جارحة وجافة تناسب الجو الجاف الذي اعرض له رغم ان هذا اوجد قطيعة بيني وبين بعض النقاد.
* وكيف تعيش حالياً في موسكو؟
- اعمل هنا بالترجمة والابداع وانشر في اغلب الدوريات العربية، كما انني اتابعها من خلال مايصلني بالبريد, وحياتي الى حد كبير مستقرة حيث تزوجت من ارمينية ونعيش في موسكو، دون ان انقطع عن التواصل مع الوطن من وقت لآخر.
شريف صالح