Monday 9th August, 1999 G No. 9811جريدة الجزيرة الأثنين 27 ,ربيع الثاني 1420 العدد 9811


دراسة الأدب في جامعاتنا في عصر العولمة
د, مصطفى رجب

من اخطر موض وعات كتاب في الادب الجاهلي للدكتور طه حسين تلك الموضوعات الاولى من الكتاب التي تحدث فيها طه حسين عن تدريس الادب في جامعاتنا, حيث كان ينتقد بشدة مناهج وطرق تدريس الادب العربي، وقد قوبلت آراؤه في هذا الموضوع بتجاهل كبير يرجع غالباً الى ما اثير حول بعض عبارات اخرى وردت في الكتاب وحملها خصومه اتهامات عديدة ادت فيها السياسة دوراً كبيراً, وكأنها هي كل ما في الكتاب من افكار مع ان الرجل قام بتغييرها ولم تعد موجودة في الطبعات الحالية من عام 1928 حتى اليوم.
وفيما تلا ذلك من سنوات، سارت دراسة الادب العربي في جامعاتنا في مسارات جامدة لا تقبل المساس بها، فأصبح الادب يقسم الى عصور تاريخية تبدأ بالعصر الجاهلي فالاسلامي والاموي فالعباسي فالاندلسي فالعصر الحديث.
وغالباً ما تكون الكتب الدراسية التي يقررها اساتذة الادب على الطلاب وفقاً لهذا التقسيم غارقة في تفاصيل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ثم تأتي اشارات الى حركة الشعر في كل عصر يغلب عليها الابتسار والعجلة.
والامر الاسوأ ان كثرة كتب الادب التي تجري على هذا التقسيم ينقل بعضها من بعض، ويكاد معظمها ان يكون صوراً مشوهة من موسوعة الدكتور شوقي ضيف تاريخ الادب العربي الشهيرة.
وقد اقترح بعض الدارسين- خروجاً من هذا المأزق- ان يتم تدريس الادب العربي على هيئة فنون فيدرس مثلاً الشعر مقسماً الى اغراضه التقليدية: من مدح وغزل ورثاء وفخر ووصف.
وتدرس الرواية باتجاهاتها المختلفة وكذلك المسرح والقصة القصيرة.
غير ان هذا الاقتراح لا يصلح بديلاً لدراسة الادب موزعاً على العصور التاريخية التي ألفها الباحثون وطلاب العلم لما في الاقتراح الجديد من صعوبات فنية وندرة المراجع التي تغطي متطلبات هذا الاقتراح الجديد.
كما ان هناك محاذير اخرى تتعلق بدراسة الادب على ضوء ذلك الاقتراح منها غموض معايير اختيار النصوص التي ستعكس- مع كل مؤلف- شخصية صاحبه وذوقه الخاص.
ان تداعيات العولمة او الكوكبية المطروحة الآن بقوة على مجتمعاتنا العربية تجعل من المحتم علينا ان نعيد التفكير في تدريس الادب في جامعاتنا لعدة اسباب.
اولها: ان الادب هو مرآة الشعوب العاكسة لهويتها وثقافتها ونحن بحاجة الى تبادل المرايا مع شعوب العالم جميعاً بمعنى ان ادبنا الذي يترجم لابد ان يخضع لمعايير نشارك نحن في وضعها ولا نترك الغرب يختار من ادبنا ما لا يعبر الا عن شخصية كاتبه لا شخصية مجتمعه, كما اننا بحاجة الى ان ندرس الآخر من خلال ادبه.
ثانيها: ان دراسة الادب في جامعاتنا تتجاهل الآداب العالمية وماتزال تقف عن بعض رموز الادب العالمي التي اصبحت تراثاً من كثرة تداولها وتكرارها.
ثالثها: ان تدريس الادب في جامعاتنا يقف عن حدود الادبين الانجليزي والفرنسي ومازال لدينا جهل كبير بالآداب الافريقية واللاتينية والآسيوية, فنحن لا نعرف عن آداب امريكا اللاتينية الا النزر اليسير عن اولئك الذين فازوا بجوائز دولية مثل جائزة نوبل مثلاً, ونفس الشيء يمكن ان يقال عن معرفتنا بالآداب الصينية واليابانية وغيرها من شعوب آسيا البعيدة.
كما ان معرفتنا بالادب الافريقي تكاد تكون مقصورة على ما ترجم منه الى لغات اوروبا, مع ان الاوربيين في اختياراتهم لا يترجمون الا ما يرون فيه شبهاً بثقافاتهم.
ان تحديات العولمة والبث المباشر والتداخل الثقافي بين دول العالم تفرض علينا ان نعيد النظر بجدية واهتمام في طريقة دراستنا لأدبنا العربي من جهة، وفي نظرنا الى آداب العالم من حولنا من جهة اخرى، فلم يعد من المنطقي ان ينشأ الشاب في شرق الوطن العربي وهو لا يعرف شيئاً عن ادب بلاد المغرب ثم ندعو بعد ذلك الى الوحدة الثقافية ونتغنى بوحدة التاريخ, لقد نبغ اسلافنا وفرضوا ثقافاتهم على العالم بعد ان وحدوا معايير ادبهم، وترجموا آداب العالم وهضموها فصنعوا نوعاً رائعاً من العولمة في عصورهم تلك الزاهرة اشد وأقوى اثراً مما يحاول الغرب التكريس له حالياً.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
الطبية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved