Monday 9th August, 1999 G No. 9811جريدة الجزيرة الأثنين 27 ,ربيع الثاني 1420 العدد 9811


بعد الجهد الإبداعي وسهر الليالي
الأدباء يتبرؤون من أعمالهم
إنكار وتجاهل الإبداعات من الأربعينيات وحتى التسعينيات
الفريد فرج: الأعمال المظلومة ليست قضية الأديب

القاهرة- مكتب الجزيرة- عثمان انور:
يتعب المبدع كثيراً من اجل ان يرى ابداعه يخرج الى حيز الواقع بين دفتي كتاب يقرؤه الجميع ولكن سرعان ما يتبرأ منه ويتجاهله ويسقطه من حاجاته ولا يذكره في ثبت اعماله المنشورة فيما يشبه انكار البنوة وعلى عكس مقولة كتبي مثل ابنائي اعتز بهم ولا تفرقة بينهم التي تتردد على السنة الكثير من المبدعين والادباء يتجاهل المبدعون كتبهم وقد يخفونها بعيداً عن الاعين.
عن تجاهل الادباء لأعمالهم وكيف يتبرؤون منها يدور هذا التحقيق الذي يتناول كذلك التجاهل النقدي الخارج عن ارادة المبدعين والادباء.
إنكار متعمد
من بواكير الاعمال التي لاقت ظلماً كبيراً من النقاد والقراء وحتى من الشاعر نفسه ديوان للشاعر الراحل محمود حسن اسماعيل الذي اصدره عام 1946 فقد اسقطه الشاعر من ثبت اعماله، ولم يذكره في خواتيم كل ديوان، ولم يعد طبعه مرة اخرى كما حدث مع بقية دواوينه التي بلغت 14 ديواناً بدأت بديوان اغاني الكوخ عام 1934، ثم هكذا اغني واين المفر، نار وأصفاد، قاب قوسين التائهون، هدير البرزخ، نهر الحقيقة الموسيقي رياح الغضب وغيرها.
والسبب في هذا التجاهل قيام ثوره يوليو بعد صدوره بست سنوات فالشاعر الراحل محمود حسن اسماعيل كان يشغل وظيفة عامة منذ قيام الثورة ترقى فيها حتى اصبح المستشار الثقافي بالاذاعة المصرية ورئيس لجنة النصوص وقد تصور الشاعر ان قصائد الديوان تسيء اليه والى صورته بعد قيام الثورة وخاصة ان خصومه وأعداءه والحاقدين عليه من اصحاب الموهبة المتواضعة لم يرحموه منذ صدور ديوانه الاول اغاني الكوخ ورأوا فيه خروجاً على المألوف الشعري وفي هذا الاطار يرى الشاعر فاروق شوشة في مقال له عن الديوان المظلوم ان الشاعر الراحل محمود حسن اسماعيل بتجاهله لهذا الديوان ارتكب جريمة كاملة في حق تراثه الشعري، ولكن يعلل شوشة ذلك بقوله ان الدارس لحركة الابداع الشعري في هذه الحقبة ربما يدرك حجم المنافسة الحقيقة التي كانت بين علي الجارم اعلى الكلاسيكيين صوتاً واكثرهم جهارة وبين محمود حسن اسماعيل وعلي محمود طه وهما من شعراء الحركة الرومانسية، وكان التنافس غير المعلن شديداً وضارياً بالرغم من انه لم يكن متكافئاً فقد كانت قوة الجارم تجتذب المتعاطفين مع الشعر التقليدي بينما الشعراء الرومانسيون كانوا يعوضون ذلك بمغامرات غير مألوفة في ذلك الحين.
قيمة أدبية
كذلك شهدت تلك الفترة تجاهل ديوان له قيمته الادبية والابداعية الكبيرة وهو بعنوان لزوميات مخيمر للشاعر احمد مخيمر الذي ولد عام 1914 ورحل عام 1971 ومن اعماله ظلال القمر, انفاس الظلام.
اما ديوانه لزوميات مخيمر فقد عارض به ديوان لزوميات ابي العلاء المعري متحدياً سطوته الموسيقية واللغوية والفكرية ولم يجرؤ اي شاعر عربي قبل مخيمر على معارضة ابي العلاء المعري الاان ديوانه ذلك قوبل بتجاهل نقدي شديد وساق الشاعر تفسيره لهذا التجاهل فقال عام 1971، ان مستوى النقد في السنوات العشرين التي خلت الى اليوم هابط الى درجة خطيرة فلم يظهر ناقد واحد يوثق به في رأي او في حكم وبعض من ظهروا من النقاد يجهلون تراثهم ومعرفتهم باللغة واساليبها لا تتجاوز معرفة الطالب العادي وبعضهم باستثناء قليل من اساتذة الجامعات فاقد لملكة النقد وهي ملكة التذوق الفطري وهي قريبة من موهبة الشاعر والموسيقي وهذا هو السر في اختلال المقاييس وتفاهة الاحكام ومن اللافت ان للشاعر نفسه مسرحية بعنوان عفراء وهي لم تنشر حتى الان وقصور الماساي العاطفية للشاعر العذري عروة بن حزام ومحبوبته عفراء وعلى الرغم من انها مثلت في الاربعينات باستديو بدير وشاركت في تمثيلها امينة رزق والراحل صلاح منصور فانها لم تنشر في كتاب حتى الان.
***
ايضاً للشاعر احمد عبدالمعطي حجازي ديوان يسقطه دائماً من حساباته ويتبرأ منه ويرفض الحديث عنه والديوان بعنوان مع الله ويحتوي على اولى تجاربه في ميدان الادب والفن والتعبير وهي تجارب قلقة.
المسيرة تتواصل
مسيرة تجاهل الاعمال لم تقتصر على اجيال الرواد في الادب بل تمتد وتتواصل وان حدث اختلاف في زاوية التجاهل فهو في الاجيال التالية خارج عن ارادتهم، ورغم اننا لسنا في مجال احصاء الاعمال المظلومة ولكننا نحاول تقديم رؤية تقويمية تكشف جوهر عملية التجاهل، فالاديب الكبير والكاتب المسرحي الفريد فرج يقول ان هذا يعود غالباً الى امور خارجة عن ارادة الاديب والمبدع، فالمبدع يكتب العمل ولكن التجاهل يأتي من الخارج، وعن نفسي تعرضت مسرحيتي سقوط فرعون لتجاهل وظلم نقدي شديد فقد تجاهلها النقاد في البداية وبعد فترة كتب عنها نقد لاذع ولم ير فيها النقاد شيئاً ايجابياً وربما يعود ذلك الى انها كانت تعتبر مفاجأة في الوسط الثقافي في ذلك الحين الذي كانت تشيع فيه الكوميديا الاجتماعية التي تجري احداثها في الصالونات وعلى الكراسي، اما مسرحيتي فتجري احداثها خارج هذه الاطر المستقرة واعتقد ان النقد الشديد مصدره ان المسرحية كانت خارج الخطوط المعتادة فكانت عن مأساة اخناتون وكتبت بلغة جديدة بعدها كتبت حلاق بغداد التي اشاد بها النقاد وضاعت مسرحية سقوط فرعون الى ان اعيد لها الاعتبار فيما بعد.
ظلم نقدي
اما الشاعر الدكتور حسن فتح الباب فيؤكد ان دواوينه وكتبه النقدية لم تنل حظها من الذيوع والشهرة فيقول لقد صدر لي 12 ديواناً كان اولها ديوان من وحي بورسعيد عام 57 واحدثها ديوان الخروج الى الجنوب عام 98 ومعظم هذه الاعمال لم يكتب عنها سوى دراسات ومقالات قليلة على الرغم من شهادة ناقد كبير لشعري بالتميز والتفرد هو محمود مندور اذ قال ان قصائدي تمثل افضل نموذج للشعر الحر نظراً لما تتسم به من نزعة درامية ولتعبيرها بالاسطورة عن الواقع، ويضيف د, فتح الباب انه ربما يعود هذا التجاهل الى ظروفي الشخصية اذ امضيت معظم حياتي ضابطاً للشرطة فكنت بعيداً عن المجتمع الادبي وليس لي علاقات صداقة مع النقاد ومن المعلوم ان الاتصالات والصداقة تلعب دوراً كبيراً في الحركة النقدية كما يوجد سبب آخر لقلة نصيبي من الشهرة وهو معارضتي السياسية في السبعينات بعد ذلك استقرت حياتي في القاهرة واعتقد ان حظي بدأ في التزايد في طريق الشهرة في الفترات الاخيرة.
ومن ناحيته يرى الاديب يوسف ابو رية ان كل اصداراته مظلومة وكذلك اصدارات جيلي الادبي كله وهذا ليس راجعاً كما يقول الى المستوى الادبي والفني بقدر ماهو راجع للظروف التي خرجت فيها هذه الاعمال حيث تقلص الاهتمام بالادب والفن وحدث مزيد من التهميش للادب الرفيع واعتقد ان روايتي عطش الصبار كما قال عنها كثير من النقاد لا تقل اهمية عن رواية الارض لعبدالرحمن الشرقاوي ولكن الظروف اختلفت ولم تلق حظها كما توقعت لها.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
الطبية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved