تزايد الاهتمام في السنوات الأخيرة بالبيئة وذلك نتيجة لتعاظم الآثار السلبية الناتجة عن سوء التعامل معها وتنامي خطر التلوث بجميع أنواعه، ومن المعروف ان اخطار التلوث لاتعرف زمانا ولا مكانا ًبعينه فهي تؤثر على رفاهية وحياة الاجيال القادمة مثلما تؤثر علىحياة الجيل الحالي وحياة المجتمعات ولو كانت تعيش على بعد الاف الأميال من مصادر التلوث, وربما ينتقل التلوث من مكان الى آخر بشكل مباشر عبر الهواء والأنهار والبحار والمحيطات او بشكل غير مباشر عبر انتقال السلع وبخاصة الغذائية والتي تعاني من التلوث بشكل أو بآخر, والتعامل السيىء مع البيئة يؤثر سلباً على حياة الإنسان وعلى مستوى معيشته وعلى صحته وعلى الإنتاج وعلى جوانب متعددة أخرى.
لذا اصبح الاهتمام بالبيئة وحمايتها من أولويات البرامج الحكومية والهيئات الدولية وقد سنت العديد من التشريعات والقوانين لهذا الغرض, ولو نظرنا الى قضية حماية البيئة من زاوية اخرى لوجدنا ان حماية البيئة تعني تكاليف باهظة بالنسبة للحكومة وللمنتجين وللافراد, فالحكومة مطالبة بالانفاق على برامج حماية البيئة ومراقبة الأنشطة التي يحتمل ان تسيء اليها الى جانب ماسبق وان ذكر من سن التنظيمات والتشريعات ذات العلاقة بحماية البيئة والتأكد من تطبيقها والالتزام بها, ويجد كثير من المنتجين ان برامج حماية البيئة إما أنها تحد من التوسع في الإنتاج او انها تعمل على رفع تكلفة الإنتاج نتيجة لضرورة استخدام اساليب وطرق إنتاجية تراعي مقتضيات حماية البيئة, وسينعكس ذلك على الافراد في شكل اسعار اعلى من ذي قبل وقد تلجأ الحكومات احيانا الى فرض ضرائب على بعض السلع لزيادة سعرها وبالتالي الحد من استهلاكها لما ينتج عنه من ضرر على البيئة.
وهذه النظرة في مجملها صحيحة الى حد بعيد إلا انه لاينبغي ان يغيب عن الذهن ان حماية البيئة والحفاظ عليها ليس عبئا خالصا بل انه ربما شكل احد اشكال الاستثمارات المربحة, فقد ظهرت صناعات تعتمد على الاستفادة من النفايات وإعادة تصنيعها مرة اخرى, وتعمل هذه الطريقة على تخليص البيئة من قدر كبير من النفايات الصلبة والتي يمكن الاستفادة منها مرة اخرى بدلا من بقائها في شكل مواد ضارة بالبيئة كما تعمل على توفير مواد اولية للعديد من الصناعات, كما تعمل هذه الطريقة على الإقلال من استنزاف المواد الخام, واسلوب اعادة تصنيع النفايات يطبق الان في كثير من دول العالم المتقدم والنامي ويقوم بتوفير فرص العمل والدخل لشريحة كبيرة من افراد المجتمع, ويمكن عن طريقه التخفيف من اكوام النفايات التي تجمع يوميا من شوارع واحياء المدن ويمكن ان يساهم الافراد في هذا العمل من تلقاء أنفسهم فيما لو انشئت مراكز لتجميع الصحف القديمة والعلب المعدنية والزجاجية والبلاستيكية عن طرق شرائها من الافراد ومن ثم توريدها لمن يقوم بإعادة تصنيعها مرة أخرى, وتطبيق هذه الفكرة يعني وفراً ماليا لا بأس به بالنسبة للجهات المسؤولة عن نظافة المدن, ان التعامل مع البيئة وحمايتها على انه استثمار افضل من تصويره على انه عبء وسيؤدي إلى نتائج اكثر فاعلية, وفي هذا الإطار فإن النظرة الاقتصادية للبيئة توجب على من يقوم باستخدام احد مكوناتها ان يدفع مقابل هذا الاستخدام فالمنشآت التي تقوم بتلويث الهواء النقي او شواطىء البحار او ماشابه ذلك لابد ان تدفع مقابل استخدامها لهذه العناصر تماما مثلما تدفع لصاحب المبنى إيجارا وللعامل اجراً لأنها ملك للمجتمع كله الأمر الذي سيجبرها على وضع حماية البيئة ضمن خططها وبرامجها الاستثمارية, فمن غير المقبول ان تستخدم شريحة من افراد المجتمع الموارد الاقتصادية المملوكة له على وجه يضر ببقية الملاك واستفادتهم من هذا المورد بدون ان تتحمل تبعات هذا التصرف وتعوضهم, وبمثل هذه الإجراءات وغيرها يمكن جعل الاستثمارات التي تراعي الاعتبارات البيئية اكثر ربحية من الاستثمارات المنافسة التي لاتهتم بهذه الجوانب.
* قسم الاقتصاد الإسلامي - جامعة الإمام محمد بن سعود