كثيراً ما نسمع بالكوليسترول وعلاقته بأمراض القلب والسمنة، لدرجة ان كلمة كوليسترول قد تعني للبعض المرض، او قد ينظرلها البعض الآخر على انها مادة كيميائية تسري في دمائنا وتنتظر اقرب فرصة لكي تهاجم الاوعية الدموية! فهل هذا الاعتقاد صحيح؟ ام انها مجرد تهم ألصقت جزافاً بالكوليسترول.
ولكي نعرف الحقيقة العلمية خلف هذه المادة، يجب ان نعرف طبيعة الكوليسترول، ماهو؟ وماهي اهميته؟ وهل هو مفيد ام ضار؟
الكوليسترول: مادة من فصيلة الستيرول ، تشبه الشمع، وهي ليست مادة دهنية كما يعتقد البعض، لا تذوب في الدم او الماء، ولهذا يصعب نقله داخل الجسم بسهولة, وتركيب الكوليسترول يمر بعدة خطوات كثيرة قد تصل الى 36 خطوة، يتكون على اثرها الكوليسترول من تركيبات الغذاء ومن العناصر التي يحتويها, ويتوفر الكوليسترول في كل انسجة الاجسام الحيوانية.
اهميته: الكوليسترول ضروري للحياة اذ يدخل في تركيب اغشية الخلايا واملاح الصفراء التي يفرزها الكبد لمساعدة الهضم، وفيتامين د الضروري لامتصاص الكالسيوم، وكذلك في تركيب العديد من الهرمونات المهمة مثل: هرمونات التناسل، الاستروجين والبروجستيرون عند المرأة والتستوستيرون عند الرجل، وهرمونات الغدة الكظرية، الكورتيزون والاليدسترون.
في دراسة اجريت باحدى مستشفيات ولاية اوهايو الامريكية وجد ان نسبة الفئران التي احتوى غذاؤها على نسبة 10% من الدهون المركزة وكمية قليلة من الكوليسترول، قد نمت بسرعة وعاشت اطول من تلك التي احتوى غذاؤها على نسبة 10% من المواد الدهنية غير المركزة وبدون الكوليسترول.
* انواع الكوليسترول:
يوجد نوعان من الكوليسترول: النوع الاول: وهو غيرالجيد او الضار والذي يتسبب في انسداد الشرايين، ويطلق عليه البروتين الدهني المنخفض الكثافة او الكوليسترول الخفيف ! النوع الثاني، وهو الجيد، والذي يطلق عليه البروتين الدهني العالي الكثافة او الكوليسترول الثقيل ويعتبر ارتفاعه في الدم دليلاً على الصحة، كما انه يعتبر عاملا وقائيا ضد الاصابة بالذبحة الصدرية يقوم بحمل ما قد يترسب في جدران الشرايين من الكوليسترول الخفيف وينقله للكبد ليتم التخلص منه .
* نسبة الكوليسترول في الدم:
تم الاتفاق اخيراً بعد دراسات مضنية قام بها العلماء الامريكيون والاوروبيون،على المعيار السليم لنسبة الكوليسترول بالدم, وقد اتفقوا على الا يزيد حد الكوليسترول عن 5,2 مليمول او 200 ملغ في الديسلتر, كما اتفقوا ايضاً على الا يزيد حد الكوليسترول الخفيف، او الضار عن 3,4 مليمول او 130 ملغ, ولكن ماذا يحدث اذا ارتفعت نسبة الكوليسترول عن هذا الحد؟
لقد اجريت دراسات عديدة اثبتت بمجال لا يدع للشك ان ارتفاع الكوليسترول في الدم فوق 5,2 مليمول له ردة فعل سيئة:
1- يبدأ الكوليسترول بالتراكم داخل جدران الشرايين مما يؤدي مع الوقت الى تضييقها وتعرضها للانسداد بالتخثر الدموي الحاد.
2- يختار الكوليسترول الشرايين التاجية والتي تروي عضلات القلب حيث يحدث عملية تعصد تخريبية تسمى اثيروما مما ينتج عنه ضيق الشرايين ومن ثم تحدث الذبحة الصدرية، او انسدادها ومن ثم يحدث الاحتشاء القلبي.
3- عندما تصل نسبة الكوليسترول في الدم الى 6,5 مليمول، فان خطر الاصابة بأمراض القلب والشرايين تصل الى الضعف مقارنة بالنسب الطبيعية اقل من 5,2 ملمول .
4- هناك علاقة طردية بين نسبة الكوليسترول في الدم ونسبة الاصابة بأمراض القلب والشرايين.
من هذه الدراسات، الدراسة التي اجريت في بريطانيا والتي بدأت عام 1978م ومازالت مستمرة الى الآن، حيث تم دراسة 7735 رجل تتراوح اعمارهم بين 40-59 سنة تم جمعهم من 24 مدينة في بريطانيا، والتي اثبتت بمجال لا يدع للشك ما ذكرناه سابقاً عن الكوليسترول وعلاقته الوحيدة بأمراض القلب والشرايين.
ايضاً دراسة اخرى اجريت في بلدة فيرمنجهام، وجاءت مؤكدة لكلام البريطانيين عن اثر الكوليسترول السيء على القلب والشرايين، وعن ارتباطه الوثيق مع العوامل الاخرى والتي تشكل خطراً على القلب والشرايين, وهذه الدراسة بدأت في عام 1940م ومازالت مستمرة الى وقتنا الحالي.
ولكن هل الكوليسترول هو العامل الوحيد المرتبط بأمراض القلب والشرايين؟ الاجابة- لا، فهناك عوامل اخرى ايضاً لها دور واهمها:
1- ان يكون المرء ذكراً لا انثى تقل نسبة امراض القلب في النساء .
2- ان يكون مصاباً بارتفاع الضغط.
3- ان يكون مدخناً يشمل ذلك الشيشة والمعسل وغيرهما .
4- ان يكون مصاباً بالسكري.
5- ان يكون بديناً زيادة الوزن 15-20% من الوزن المثالي .
6- وجود تاريخ للاصابة بالذبحة او احتشاء القلب في سن مبكرة لدى احد افراد العائلة.
7- ان يكون الكوليسترول المفيد او الثقيل، منخفضا اقل من 35 ملغ .
8- ان يكون متعاطياً للكحول.
9- عدم مزاولة الرياضة.
في دراسة اجريت في المدينة المنورة على 136 شخص، سعودي الجنسية 68 منهم مصابون بأمراض القلب والشرايين , وجد ان نسبة العوامل المؤدية للاصابة بأمراض القلب لديهم كالاتي:
ارتفاع الضغط 42%، السكر 41% التدخين 24% وارتفاع الكوليسترول بلغت نسبته 32% مما يؤكد ما ذكرناه سابقاً عن العلاقة والترابط بين تلك العوامل- والتي منها الكوليسترول- وامراض القلب والشرايين.
متى يجب قياس نسبة الكوليسترول؟
قياس نسبة الكوليسترول في الدم لا ينطبق على اي شخص، بل ان هناك مقاييس ومواصفات معينة يجب التأكد منها قبل الإقدام على ذلك, والحقيقة ان الدوائر العلمية والصحية لم تتفق تماماً بعد حول مواصفات الذين يجدر بهم ان يستفيدوا من الكشف باكراً, ولكن الجميع اتفق على الفئة الاكثر تعرضا لحوادث القلب- وهم الرجال الذين تتراوح اعمارهم ما بين 35-70 سنة اما الفئة الاخرى والتي يمكن ان تستفيد من هذا الفحص:
1- المرأة بعد تجاوز سن اليأس تصبح المرأة بعد سن اليأس معرضة لاصابة بأمراض القلب تماماً كالرجل .
2- عند توفر احد العوامل والتي ذكرت سابقاً السكر، التدخين، ارتفاع الضغط,, الخ هذا بالنسبة للرجل، اما المرأة فعند توفر عاملين او اكثر.
3- عند وجود خلل في دهون الدم او حالة فرط الكوليسترولية لدى احد الاقارب او الوالدين.
4- وجود العوامل المؤدية لارتفاع الكوليسترول لدى الشخص السليم: كتناول العقاقير- مثل مشتقات فيتامين أ والمستعملة لعلاج حب الشباب، الهرمونات الذكرية، مدرات الحبول من مشتقات الثيازايد، حبوب منع الحمل وغيرها.
كيف تتم عملية خفض نسبة الكوليسترول في الدم؟
سواء كان الشخص يعاني من ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم ام لا، فان الاكل الصحي السليم هو الاكل المحتوي على نسب منخفضة من الدهون المشبعة ومن الكوليسترول, فما هي المأكولات التي تحتوي على الكوليسترول ويجب علينا تجنبها؟
يوجد الكوليسترول في الاطعمة ذات الاصل الحيواني- مثل اللحوم ومنتجاتها، منتجات الالبان الجبن، الزبد، الآيس كريم ، الزبد، صفار البيض، بعض انواع الصدفيات والربيان والكافيار,, لحوم البط والاوز، جلد الطيور والدجاج.
ولانه من الصعوبة على الانسان الاستغناء عن المأكولات التي ذكرت سابقاً، فان اقرب الحلول هو الاعتدال في كل شيء او استبدال تلك المأكولات ببدائل اخرى، اذكر منها:
1- استبدال لحم الغنم او اللحوم الحمراء بصفة عامة بلحوم السمك ولحوم الدجاج المنزوع الجلد.
2- الاقلال بقدر المستطاع من المأكولات المقلية.
3- طبخ الارز بالبخار بدون اضافة الدهون.
4- استبدال الالبان كاملة الدسم بقليلة او منزوعة الدسم.
5- تجنب تناول صفار البيض.
6- الاقلال من الزيوت او الدهون او الاستعاضة عنها ببدائل كزيت الذرة او الصويا او السمسم او زيت الزيتون.
7- اضافة الثوم والبصل الى قائمة الطعام.
ذكرت سابقاً ان هناك نوعا جيدا من الكوليسترول والمسمى بالكوليسترول الثقيل والذي يعمل كدرع واق ضد الاصابة بالجلطة وتصلب الشرايين ولقد اكتشف العلماء عدة عوامل تساعد على رفع نسبته بالدم وتحسين نوعيته, وتشمل هذه العوامل:
1- انقاص الوزن لمن يشكو من السمنة.
2- الابتعاد عن التدخين.
3- ممارسة الرياضة بانتظام، والرياضة المقصودة هنا ليست الرياضة المرهقة، بل يكفي ان يزداد النبض الى 75% من حده الاعلى لمدة 20-30 دقيقة، ثلاث مرات اسبوعياً, ولمعرفة النبض الاقصى والملائم للعمر، يحسب بعد طرح العمر من الرقم 220.
واوصت الجمعية الامريكية لامراض القلب بألا تزيد نسبة الكوليسترول في الطعام عن 300 جم، وتقليل تناول الدهون الى اقل من 30% من كمية السعرات الحرارية التي يكتسبها الانسان اما الدهون المشبعة فألا تزيد عن 10%.
واذا فشلت عملية الحمية في تخفيض الكوليسترول ووجد الطبيب الشخص معرضا للاصابة بأمراض القلب وتصلب الشرايين وذلك لوجود اكثر من عامل يتم اللجوء الى العلاج بالدواء وهناك انواع عديدة من الادوية تختلف باختلاف عملها وآثارها الجانبية.
وقد يقول بعض المرضى لماذا اتعاطى دواء له اعراضه الجانبية ومخاطره وذلك لأخفض نسبة الكوليسترول بداعي حمايتي من الاصابة بأمراض القلب كما تقول النظريات الطبية , اجيب عليه- بأن العلماء لم يفتهم ذلك، فقد اجريت دراسات مستفيضة كلفت الملايين من الريالات، والتي اوضحت بمجال لا يدع للشك ان خفض نسبة الكوليسترول بنسبة 10% خلال فترة سنتين باستخدام العقاقير الطبية، فانه يقلل نسبة الاصابة بأمراض القلب والشرايين بنسبة 16%، وهي نسبة طيبة,وفي الختام، اكرر واقول ان الكوليسترول مادة غذائية ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها، ولكنها تنقلب الى عدو قاتل عندما ترتفع في دمائنا واجسادنا وذلك باتباعنا انظمة خاطئة في الاكل وعدم التقيد بنظام غذائي متزن بأصناف الاطعمة المطلوبة في الاعمار المختلفة ونوع النشاط, وابتعادنا عن الرياضة وميلنا للخمول، كما ان نقص الثقافة الطبية والصحية وقلة الاطلاع لمعرفة ماهو نافع وماهو ضار، له دور في الوقاية.
حمانا الله واياكم من الامراض.
د, أسعد عرفة
طبيب الاسرة والمجتمع