Monday 9th August, 1999 G No. 9811جريدة الجزيرة الأثنين 27 ,ربيع الثاني 1420 العدد 9811


من الاثنين إلى الاثنين

يقبع في دكان متواضع لا تتجاوز مساحته الثلاثين متراً يلوك سنواته الستين بمرارة,, ظاهره عصبي المزاج الا انه طيب القلب لا يعرف عنه الا انه العم عبد الله أين يسكن,, لا احد يعرف متزوج ام أعزب,, له اقارب,, اصدقاء لا احد يعرف يصحو الحي والعم عبد الله في دكانه,, وقبل ان ينام الحي في الثانية عشرة يختفي وكأنه الهواء.
يتحدث مع مرتادي دكانه فيما يخص تعاملهم معه فقط وباختصار شديد يقسم من يراه انه يخفي وراء صمته قصة مريرة وألماً عظيماً
قلت آه من صبرٍ صبرته على الكود
ومن ونةٍ للقلب جاحت وقدت
ونة عتب,, ونة غضب,, ما لها حدود
يا ليتها عن مغلق الصدر,, صدت
لو هي بحيدٍ ذوبت كل جلمود
على الضماير بالهضايم تحدت
قامت تعرض لي بالايام والسود
ان قلت قضّت عودت لي,, وردت
الغريب ان آلامه تغيب طالما يوجد في دكانه طفل او طفلة ويفاجأ اهل الحي ان اطفالهم يحصلون على اكثر من حقهم من الحلوى والألعاب المتواضعة مقابل ما معهم من الريالات,, ويقف احيانا أمام دكانه بعض الاطفال وليس معهم ما يشترون به,, ويعطيهم دون مقابل,,!! وكأنه يعوض حرماناً غائراً في النفس:
دنياك تجري بين الاقفا والاقبال
واليا اوجهت غارات خيل مهاذيب
يالادمي ما طاوعت كل عذال
كم ليعت بالبوق من يفعل الطيب
باقفايها تعرض ولا ترحم الحال
وباقبالها تملا كبار المحاليب
دخل عليه احد جيرانه مرة ووجده مغرورق العينين محتبس العبرات,, مكفهر الوجه معتل المزاج فوق اعتلال مزاجه الذي يلازمه دقيقة بدقيقة,, سأله خيراً ان شاء الله؟
وللمرة الاولى منذ ان ظهر في الحي يتكلم فيما لا يتعلق ببيع او شراء اذ قال: خلها على الله .
كل شيء على الله لكن وش فيك؟؟,, يا ابن الحلال حنا جيران ولبعضنا وانت رجال طيب وكريم,, يكفي تعاملك مع عيالنا .
ويهم بالاجابة فيدخل عدد من الاطفال بصخب ظاهر وينقذونه من الحديث ليدخل معهم في حديث واخذ ورد,, يمسح به بعض آثار ضيقه ويجفف به دمعة كادت ان تسقط وهم بالحديث فيلتفت الى الرجل قائلاً:
جا من فكني من سواليف تتعبك وتتعبني فهم الرجل ما يريد وخرج تاركاً ذلك الغريب مع اصدقائه من الاطفال.
هنيكم يا اهل القلوب المريحات
ترعون بالدنيا مثل رعي الانعام
تمشي ليالينا والايام عجلات
والله بما يخفى على العبد علام
يقرر الرجل الا يتركه قبل ان يعرف ما به وما هي قصته وسر وحدته وانعزاله,, ربما كان يدفعه الفضول او الرحمة والرأفة برجل طاعن في السن,, اذ يعود اليه بعد العاشرة مساء وما ان يراه حتى يبادره,, انت,,؟؟
والله انك ابن حلال قبل شوي كنت اهوجس فيك واقول ليته يجي ويقفل الدكان ويركب مع الرجل في سيارته مشيراً له ان اذهب الى حيث شئت.
وبدون نقاش يذهب به الى بيته وبعد تناول العشاء ينطلق الغريب متحدثاً وكأن لسانه كان غائباً وعاد لتوه قال متحدثاً:
بعد ان توفي والدي ولم ابلغ الثامنة عشرة توليت تربية اخوتي الستة حتى بلغوا مبلغ الرجال واشتريت باسم كل واحد منهم قطعة ارض كبيرة ومن عرق جبيني اذ كانت الارض وقتها لا تكلف كثيرا وعندما كبروا فرحت كثيراً انني استطعت ان افعل لاخوتي شيئا يذكر فهاهم بين طبيب ومهندس وضابط,, ومدير عام وطيار ومدرس.
لم يكتب الله لي الخلف فاعتبرت أولادهم اولادي وكنت اقيم في بيت الوالد رحمه الله وقد كان دخلي على قدر حاجتي لا زيادة ولا نقصان.
اما الاراضي التي حدثتك عنها فقد قفزت مع الطفرة من خمسة ريالات حين اشتريتها لهم الى الف ريال للمتر الواحد,, فرحت لهم كثيراً بدأت زياراتهم تقل شيئا فشيئاً حتى لم اعد ارى الواحد منهم الا في مناسبة عامة او عيد رغم اقامتي معهم في مدينة واحدة,, وقد فوجئت بهم يزورونني جميعاً فرحت اول الامر بهذه الزيارة وعندما تكلم احدهم تمنيت لو ان الارض ابتلعتني قبل ان اسمع ما سمعت اذ طلبوا مني اخلاء البيت ودفع حقهم من ايجاره اثناء اقامتي به انا وزوجتي خلال خمسة عشر عاما والسبب ان موقعه اصبح تجاريا ويريدون ان يستفيدوا منه بتحويله الى مجمع تجاري:
لا خاب ظني بالرفيق الموالي
ما لي مشاريه على نايد الناس
يا عل قصر ما يجي له ظلالي
ينهد من عالي مبانيه للساس
لا صار ما هو مدهل للرجالي
وملجا لمن هو يشكي الظيم والياس
الابيات من شعر محمد الاحمد السديري.
علي المفضي

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
الطبية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved