Thursday 12th August, 1999 G No. 9814جريدة الجزيرة الخميس 1 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9814


فنان عالمي ,,عمل بحاراً ومارس التجارة واشتهر بعد موته
الحل والترحال طلبا للعمل اهم ما واجهه غوغان في حياته

الفنان غوغان ابن للصحفي كلوفيس غوغان الذي كان يعمل في صحيفة الناسيونال,, ولد غوغان في باريس عام 1848ه ولم يستقر بها اذ نزح هو وعائلته مهاجرين الى (ليما) وحدثت اثناء تلك الهجرة حادثة بين والده وبين قبطان السفينة التي كانوا فيها فتسببت تلك المشادة بموته,, فاصبح غوغان ثاني اثنين هو وشقيقته ماري التي تكبره سنا.
كانت تلك الرحلة من باريس والاستقرار في ليما بمثابة نقلة جديدة من عالم الى عالم اكثر سحرا وجمالا مما كان له اثر على طفولته الا ان تلك الحياة لم تدم طويلا اثر وفاة عمه,, فعادت العائلة مرة اخرى الى باريس والى الريف ليعيشوا حياة الفقر والرتابة والفرق بالطبع بين هذا المواقع وواقع بلاد البيرو كبير لما فيها من اثارة وجمال ومغامرة,, عاش بول غوغان حياته الريفية بصبروحاول ان يجد اي عمل يساعدهم على ظروف الحياة فلم يوفق في بداية بحثه حتى التحق بالبحرية التجارية ثم انضم الى الاسطول الحربي عام 1870 - وبعد ان انتهت الحرب عمل في احد البنوك في باريس وتحقق له من خلال هذه الوظيفة ان يعقد قرانه على فتاة دانمراكية اسمها (ميت نمار) وفي خلال مدة وجيزة خلفت له خمسة اولاد.
يتمتع بول غوغان بالنباهة وحب المغامرة مما جعله ينهمك في مضاربات البورصة فحقق ربحا وفيرا جعله في مكانة عائلية واجتماعية ممتازة إلا ان الحظ لم يدم لغوغان فعقبها انتكاسة هزت موقعه المالي فأعلن افلاسه عام 1882م وعاش بعدها عاطلا عن العمل يعاني من الفاقه والبؤس.
ساقته تلك الظروف الى موهبته التي دفنها في بداية عمره وانشغل عنها بأمور الكسب والخسارة في مجال المادة والتجارة واخذ يعود تدريجيا الى الرسم الا ان زوجته ابنة العائلة الثرية وهي اسرة اسكندنافية برجوازية الحياة لم يعجبها ذلك الوضع فهي معتادة على الترف والاستقرار فلم تحتمل حياة الرسم والبوهيمية فأقنعته بالانتقال والبحث عن مصادر رزق جديدة فكانت (رودان) هي المحطة الثانية كون الحياة فيها اقل تكلفة من باريس ولكن الواقع لم يكن مربحا له فانتقل الى الدانمرك آملا في ايجاد عمل ولكن الحياة او الظروف لم تكن ايضا مواتية فعاد هاربا الى باريس ولكنه هذه المرة مع واحد فقط من اولاده وهو الابن (كلوفيس) تاركا الاولاد الاربعة مع امهم التي رغبت المكوث او العيش في (كوبنهاغن) بجانب اهلها مؤملة في ان تتحسن ظروف زوجها الا ان الرياح لم تأت بما تشتهيه سفن بول غوغان فانتقل من باريس الى بانما في امريكا ثم غادرها الى (المارتنيك) باحثا عن مدن وارياف هادئة وملهمة لابداعه الذي اصبح هاجسه الاخير الا انه وجد الحياة العصرية الحديثة تلاحقه في كل مكان يصل اليه.
اخيرا عاد غوغان الى فرنسا والى ريف بريتانيا الهادىء ورغم ذلك لم يكن يجد في ريف فرنسا ما كان يعرفه من جمال فطري فكانت فكرة البحث عن مواقع اخرى ليستقر بها وينشىء بها مرسما للوحاته فاحتار بين مدغشقر وتاهيتي واخيرا استقر رأيه على (تاهيتي) فكانت هذه الجزيرة هي حلمه الذي يبحث عنه بألوانها الجميلة الزاهية وبساطة اهلها وعلى الرغم من تلك الظروف الصعبة التي مر بها بين ترحال وافلاس مما اثار في نفسه الكثير من مشاعر النقمة والتمرد الا ان رابطة الشعور بالجمال والاحساس به في جزيرة ناهيتي كانت اقوى في كل الظروف فاستقر بها فترة طويلة انتقل بعدها الى جزر الماركيز عام 1901م ومات في (هيفا - اوا) عام 1903 وفي عزلة تامة عن كل الناس وعن العالم بأسره.
لقد كان للظروف التي مر بها من بؤس وشقاء ما يضفي عليه طابعا خاصا هو الرمزية باعتباره هو الاسلوب السائد ايضا في ذلك العصر,, ولكن المؤسف ان غوغان لم يشتهر وتصبح اعماله في قمة اهميتها الا في آخر ايامه لقد مات غوغان وهو يحمل لغزا كبيرا نتيجة لحياته المضطربة نتيجة لاصطدامه بالمجتمع والتناقضات داخل ذلك المجتمع,, لقد كان للرسائل التي كان يبعث بها الى زوجته طرفا للخيط الذي اوصل المؤرخين الى معرفة ابعاد تلك الحياة لهذا الفنان العالمي اضافة الى المخطوطات التي كتب فيها وجهة نظره وتلقي الضوء على الكثير من حياته.
من اهم المواقف الفنية في حياة غوغان ما اوجده من اثر هام في تاريخ الفن الفرنسي اذ ظهر في وقت كانت في الانطباعية اسلوبا غير مألوف لدى الجمهور فانضم اليها باعتبارها حركة جديدة ثم تحول عنها الى ما هو اكثر قربا الى نفسه وهي البحث عن غاية الفن وما يعنيه التعبير به فأخذ موقفا من الانطباعية عبر منظور جديد خصوصا بعد التقائه بأميل برنار الذي كان ايضا يحاول تجربة اسلوب جديد يحدد الشكل بديلا عن المتداخل فكان ذلك مؤشرا او وميضا لغوغان ليوجد تقنية قادرة على الوقوف امام الانطباعية والقدرة على اخضاع اللوحة لهم ثابت ببناء وطيد الاركان.
ويرى الفنان غوغان - ان الانطباعية - تعني الموقف العاطفي تجاه الواقع والطبيعة ونقلة هامة في تاريخ التصوير الفرنسي في القرن التاسع عشر بعد مرحلة الرومانسية والواقعية فالانطباعية هي محاولة لتسجيل احاسيس الفنان تجاه منظر ما - وفي وقت معين من النهار - وتحت تأثير ضوئي معين هذه المحددات او الشروط لم تكن مقنعة بالنسبة لغوغان كونه يبحث عن شكل اكثر قربا بالتلوين الشخصي للانسان ولم يكن يرى في الطبيعة بكل عناصرها سوى اغرائها.
ورغم ان اعمال غوغان قد استوحاها من واقع حياة تلك الجزيرة وما يسودها من حياة بدائية اقرب الى السذاجة الا ان معاصريه لم يقدروا في البداية هذا الواقع واهمية ذلك العطاء الا ان ذلك الرأي قد تغير اذ لمسوا الحيوية وقوة الارادة في اعماله فاستقبل في الاوساط الادبية والفنية بحرارة.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved