Thursday 12th August, 1999 G No. 9814جريدة الجزيرة الخميس 1 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9814


تيارات العولمة
علينا استغلالها لخدمة قضايانا

عزيزتي الجزيرة,.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,.
ان ما احدثه الإنسان من قفزة تكنولوجية في وسائل الاتصال وايجاد البث الفضائي الذي يخترق الحدود وينقل الرأي الآخر وايجاد شبكة المعلومات الدولية وارتباط الاقتصادات ببعضها البعض,, نتيجة تلك التطورات كان لها أثرها في التغيرات الكونية وظهور الثقافة العالمية حيث بدأ الناس ورؤوس الأموال ومنتجات الأفكار تنتقل وتؤثر في بعضها البعض، وجاءت العولمة لتصف العملية الجارية والتوجه الذي يسير فيه العالم إلى التوحد في الهياكل الاقتصادية والمقومات الثقافية وانماط التفكير لمختلف شعوب الارض وخرجت بمفهوم جديد: بأن العالم قرية صغيرة , واخذت العولمة في النمو بسرعة متوالية مع سرعة تلك التطورات مما جعل مسألة تحديدها بأطر وتحجيمها وتعريفها مسألة صعبة فلها أشكال وصيغ، فهناك عولمة سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية وأمنية,, وليس من السهولة فصل جوانب العولمة بعضها عن بعض فهي متشابكة الحلقات يفضي بعضها الى بعض، وأخذت أبعادا مختلفة، ومثلت شبكة متداخلة مترابطة, وحسب اختلاف النظرة للعوملة من منظور سياسي او ثقافي او اجتماعي او اقتصادي تختلف التعريفات، وثمة تعريفات رأينا طيها لأنه موضوع لا يزال مصطلحه ومدلوله في مرحلة التكوين, وحسب الموقف الفكري المفرط في التفاؤل أو التشاؤم يزداد الحديث غموضا وإبهاما وامتلأ برموز المؤامرة والتهويل والتعويم,, وكان من الأجدر بنا بدلا من الخلاف في تعريفاتها ورسم معالم حدودها وتقديم خطوة والرجوع خطوتين ان نحدد العمل المخطط المرحلي والابتعاد عن الخيالات والعمل بواقعية وبالتالي القدرة على تشكيلها وصوغ مفاهيمها والخروج برؤية منسجمة مع طبيعة التوظيف للعولمة بالنهل من وعاء الاستثمار الفكري الناجع.
تقدم العولمة الانجازات الكبيرة في مجال العلوم والثورة التقنية وتضعها بين يدي شعوب العالم, فالعولمة الاقتصادية مثلاً تهدف الى تسهيل التبادل التجاري وانسياب السلع والخدمات وتدفق رؤوس الاموال والاستثمارات عبر الحدود الدولية وكأن العالم سوق كبيرة مترامية الاطراف, ولوجود آلية نزيهة لتحقيق العدالة والرخاء والمنافسة الاقتصادية الشريفة انطلقت منظمة (الجات) من مبدأ ان سياسة غلق الأسواق أمام الآخرين تؤدي الى إفقار العالم وسعت إلى فتح الأسواق ليعم الرخاء والسلام على الجميع ورفع القيود التي تحد التبادل التجاري بين الدول.
التحولات في النشاط الاقتصادي العالمي يقف وراءها ثورة المعلومات التي لها اثرها في نقل الأموال فلم تعد النقود جسما ماديا واصبح معلومة مسجلة هذه الخاصية مكنت النقود من مرونة الانتقال بسرعة وسهولة عبر الحدود، ويقف وراءها الشركات المتعددة الجنسيات التي تنتج في أكثر من بلد وتعمل على التعرف على احتياجات المستهلكين ومن خلال وسائل الاتصال تقرر ماذا تنتج وفي اي قطر هذه الشركات تتميز بضخامة نشاطها وإيراداتها ومبيعاتها, هذه الشركات تسيطر على الكثير من المصانع والشركات، مثل شركة ABB التي تسيطر على 300 شركة منها 130 في العالم الثالث و41 في بلدان شرقي اوروبا.
العولمة ليست مجرد فكرة أو أطروحة قابلة أو غير قابلة للتطبيق إنما هي ممارسة حقيقة موجودة عاملة، فهي تعني الاتصال الإنساني في أرقى صوره, ومحاولة الاستفادة الاقتصادية والانتشار الثقافي لمجتمع من المجتمعات تجاه غيره من المجتمعات البشرية بهذا المعنى هي ظاهرة إنسانية تاريخية، وإذا أحسنا تفهم هذه الظاهرة واستثمارها لصالحنا يمكن استخدامها لنشر الدين والعمل من خلال رؤية استراتيجية واضحة ومدروسة ومبسطة واستغلال كافة القنوات العولمية للانتشار في أكبر مساحة فضائية ممكنة والخروج من قمقم المحلية والاقليمية الضيقة لتحقيق الحوار والمجادلة بالتي هي احسن, وخوفا من تذويب الموروثات الثقافية وانصهارها في الآخر، وخوفاً من الاجتياح العولمي الثقافي يستدعي المثقفين في ظل المواجهة الواعية ان يوضحوا للناس الخطوات العملية وبإضفاء مسحة التألق واللياقة الحضارية وتشريح الحالة الثقافية واستخلاص العبر من مشهدها للإفاقة والنهوض، والسعي الى تحري الذات بإدراك الخيوط التي تكون نسيجها ونعني به التراث وبالعودة الى تراث الأمة و ثوابتها القائمة على الكتاب والسنة, فالخروج من المأزق مرهون بمدى ما يتوفر من آراء حقيقية للبقاء والتوازن بدلاً من الانهيار والتلاشي وسنستطيع العثور على حلول علمية قابلة للحوار مع الآخر والتحول من الخطاب المحلي الى العالمي وأن نتجاوز الانفعال الى الفعل المتواصل.
وأمام واقع العولمة وتكون التكتلات الاقتصادية الكبرى، وأمام الجهود المكثفة المهيمنة الثقافية في إطار العولمة يتحتم اتخاذ موقفين متلازمين ومتكاملين في آن واحد: التفاعل مع العولمة والسعي إلى التكتلات التجارية مما يدعم العالم العربي من جهة والحفاظ على الهوية الثقافية الإسلامية من جهة أخرى.
المملكة قد أدركت المتغيرات وتعاملت معها بما يخدم المصالح العليا ويحفظ للأمة كرامتها وقد بيّن صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني في كلمة المملكة في قمة الخليج (19): ان العالم يواجه تياراً قوياً عارماً هو تيار العولمة الذي ينادي بفتح الحدود وإزالة العوائق أمام حركة البشر والأفكار ورؤوس الأموال والبضائع، وكل الدلائل تشير الى ان هذا التيار سوف يزداد قوة واندفاعا في السنوات القادمة، على نحو يحتم ان نتخذ نحوه سياسة واضحة ثابتة تتجاوز موقف المتفرج الذي يكتفي بالتأييد أو الشجب عن بعد كما اوضح سموه في جانب العولمة الاقتصادية: ان اقتصاد الخليج لا يمكن ان يظل بمنأى عن تأثيرات الاقتصاد العالمي، وقد اصبح من الواضح للجميع أن أي هزة اقتصادية في أي مكان لها أثرها القوي في مكان آخر,, فنحن لا نستطيع ان نعيش بمعزل عن العالم ,, وبالاضافة الى ما ذكر بين كيف يمكننا أن نتعايش مع هذا العصر وأن نعمل وفق عقيدتنا السمحة مستنيرين بكتاب الله وسنة رسوله.
فؤاد أحمد البراهيم

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved