 * القاهرة- أمير نبيل- أ,ش,أ
وصف الرئيس الروسي بوريس يلتسين جمهوريتي الشيشان وداغستان بأنهما منطقة توتر بسبب التعقيدات العرقية والدينية فيهما,, وذلك في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة المركزية الآخذة في الضعف في روسيا مرة أخرى تهديدا بفقدان أرض جديدة في منطقة القوقاز التى تفجرت فيها احداث التوتر والعنف بعد أن ظن الكرملين أنه اخمد نار التمرد هناك في الشيشان.
فبعد ثلاث سنوات من السيطرة على النزعة الانفصالية في الشيشان يشتعل نوع جديد من التمرد مفجرا حربا أهلية في جمهورية داغستان المجاورة وهي منطقة جبلية تطل على بحر قزوين الممتلئ بالتوترات الاجتماعية والعرقية.
وخلال الأيام الأخيرة استولى نحو ألفي مسلح -من أفراد الميليشيات المسلحة ممن يعلنون أنهم ينتمون للحركة الاسلامية- على عدة قرى قريبة من حدود داغستان مع الشيشان,, وأعلنوها أرضا مستقلة,, بل وطالبوا القوات الروسية بالرحيل عن داغستان.
وتوجه روسيا -التي تسودها أزمة سياسية تفجرت في التاسع من شهر أغسطس الحالي عندما عزل الرئيس الروسي رابع رئيس وزراء خلال ثمانية عشر شهرا- الاتهام الى الزعماء الشيشان بدعم ومناصرة بل وتنظيم الهجوم.
ونسبت وكالة -ايتارتاس- الروسية للأنباء الى القائم بأعمال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوله في العاشر من أغسطس ان الأزمة سوف تنتهي في غضون أسبوعين في أعقاب حشد موسكو لقوات من وزارة الداخلية والطائرات المروحية المقاتلة لطرد المسلحين- الذين وصفتهم بالاسلاميين المتشددين -من القرى الداغستانية.
ويذكرنا الزعم الروسي -بالسحق القريب للتمرد الداغستاني- بتورط روسيا في جمهورية الشيشان وهو النزاع الذي استمر عامين وكأن التاريخ يكرر نفسه مع جنرالات روسيا الذين تنبأوا آنذاك -في بداية الأزمة- بتحقيق الانتصار وسحق المتمردين في غضون وقت مماثل.
وعند هذا الحد يحذر معارضوا العمليات الروسية في داغستان من أنه مهما كانت نتائج هذه العمليات فان موسكو ستكرر فيها أخطاء ارتكبتها منذ أن غزت المنطقة في اوسط القرن التاسع عشر وهي بذلك تخاطر بالدخول الى حلقة مفرغة ومطولة من الاضطرابات في الجمهوريات غير الروسية وغير المعتنقة للمذهب المسيحي الأرثوذكسي في شمال القوقاز وفي نهاية المطاف حسب قولهم فان هذا سيؤدي الى اختلال النظام الفيدرالي برمته في روسيا والذي يضم مزيجا من العرقيات والقوميات.
ويقول سيرجي كازيينيف احد المحللين بمعهد الأمن القومي والبحوث الاستراتيجية في موسكو ان النزاع الراهن في داغستان- ليس ولسوء الحظ -حالة مفردة بل هو نموذج لحالات أخرى وهولاء الداغستانيون أو غيرهم ليسوا - في الواقع- روسا اما الحكومة الفيدرالية فلم تنتهج سياسات تنزع الى جعلهم يشعرون أنهم من الروس الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام توطيد علاقاتهم بالقوى الخارجية ومع -أيديولوجيات الاسلام ودول العالم الاسلامي- على حد قوله.
ويضيف كازيينيف ان العمل على احتواء هولاء الأشخاص قد يستلزم استثمارات اقتصادية هائلة ونظاما كاملا للفكر السياسي للمنطقة ويبدو أن هذه العوامل ليست متاحة في موسكو في الوقت الراهن.
وتزعم روسيا أن الاضطراب في داغستان مستورد من الخارج وهو زعم يمثل نظرة ضيقة للغاية على حد قول الكسندر اسكاندرايان نائب مدير مركز الدراسات القوقازية في موسكو والذي يضيف ان الشيشانيين متورطون في هذا الاضطراب وأيضا دعاة التحريض من -العالم العربي- على حد زعمه ومن مناطق أخرى,, غير أن معظم المتمردين في داغستان محليون مثلهم مثل أسباب تمردهم.
ويقول اسكاندرايان ان المد الاسلامي - في تصاعد في داغستان ويرجع ذلك جزئيا الى انتشار الفقر الذي ازداد حدة منذ انقطاع الاعانات وتوقف التنمية بعد انتهاء الحقبة السوفيتية حيث تبلغ نسبة البطالة ثمانين في المائة,, مرددا إن الشباب في جميع أنحاء العالم الاسلامي يصبحون متطرفين في ظل عدم وجود أرض أو مال أو وظيفة أو طموحات.
وأوضح أن انهيار الأيديولوجية الشيوعية ترك فراغا ملأه بسرعة الدين الاسلامي التقليدي في المنطقة وزعم مثل العديد من المثقفين الشيوعيين بأن القمع بالاساليب السوفييتية كان يعني احتضان معظم الحركات الاسلامية المتطرفة.
ويقول الكساندرايان ان اندماج مثقفين ملتزمين مع كم كبير من الشباب الغاضب الذي يعاني من الفقر انما هو بمثابة ديناميت اجتماعي, مشيرا الى أن هذه الظروف هي نفس الظروف السائدة في داغستان وفي أنحاء شمال القوقاز اليوم.
ويقول الكساندرايان أن روسيا لن تترك منطقة القوقاز تفلت من يديها لان الدولة التي حلت محل الاتحاد السوفيتي -والتي تمثل اتحادا مهزوزا يتألف من عشرين جمهورية عرقية و69 اقليما- تحرم بموجب الدستور أي مطالبة بالاستقلال,, مشيرا الى أن موسكو تنظر الى أي تحرك نحو اعلان الاستقلال على أنه عمل اجرامي وتهديد لبقاء الفيدرالية ذاتها, ويرجع تاريخ دخول الاسلام في داغستان الى القرن السابع الميلادي منذ 12 أو 13 قرنا حيث لعب الاسلام بالفعل دورا حاسما في حياة المواطنين هناك وكان الاسلام واللغة العربية والعلاقات التاريخية والثقافية مع دول الشرق الأوسط الاسلامي عوامل أساسية في تعزيز ظهور وتطور الثقافة الاسلامية العربية المكتوبة والنظام الفكري للاسلام في تلك المنطقة.
ومن الناحية الفقهية فان الأغلبية الساحقة من السكان يتبعون مذهب أهل السنة كما أن هناك عددا من الشيعة ينتشرون في البلاد.
وفي سنوات الحكم السوفييتي وجهت المساندة الحكومية للالحاد ضربة قوية لمواقع الاسلام حيث أغلقت المدارس الدينية في كل مكان وأغلقت المساجد وصودرت ممتلكات المسلمين وتعرضت الدراسات الدينية والعلماء المستعربون للقمع الشديد بل للابادة الجسدية كما أحرقت المصاحف والكتب الدينية, بل واعتبر كل ماهو مكتوب باللغة العربية رجعيا وخطرا.
ويكفي للدلالة على ذلك الاتجاه أن نذكر أنه كان يوجد في داغستان عشية الثورة البلشفية -17 أكتوبر 1917- ألف وسبعمائة مسجد لم يبق منها حتى عام 1988 سوى 27 مسجدا.
ومثلت البيروسترويكا التي أعلنها ميخائيل جورباتشوف أخر رئيس سوفيتي دفعة للنمو السريع للوعي الذاتي الوطني والديني حيث كانت تتم عملية رد اعتبار الاسلام في داغستان على نطاق واسع, والظاهر ان الاهتمام العام بالدين جاء كذلك تحت تأثير الحركات الشعبية والاحزاب ووسائل الاعلام وما شابه, وفي الوقت الراهن لايمكن تسوية أية أمور مهمة بدون الاستعانة بمجلس العلماء وبالمشايخ لاسيما في المناطق الريفية.
ولقد تكثفت عملية اعادة الأسلمة بالأخص في مجال ممارسات الشعائر وزيادة جرعة الثقافة الاسلامية وهناك أكثر من الف وخمسمائة مسجد وعدد من معاهد التعليم العالي الاسلامي وعدد لابأس به من المدارس والكتاتيب المشاركة في عملية احياء الشعور الاسلامي في الجمهورية كما يتم نشر الكتب الاسلامية على نطاق واسع وهناك المئات من الشباب الداغستانيين المسلمين يدرسون في المدارس الدينية العليا في دول العالم الاسلامي كما أن هناك عددا -وان كان لايزال قليلا- ممن يحفظون القرآن الكريم كاملا وتقام المسابقات على مستوى الجمهورية وتقدم المكافأت لمن يتم حفظه.
وقد بدأت حرب داغستان تأخذ طريقها الى محطات التلفاز الروسية اذ تظهر لقطة على شاشات التلفزيون تمثل طائرة حربية وهي تنطلق في عنان السماء وتطلق صاروخين يخلفان وراءهما خطوطا بيضاء فيما تتردد اصوات قذائف المدافع ثم تنقلنا اللقطات سريعا الى منظر الجنود وقد قبعوا في خنادقهم خائفين.
وتأخذنا اللقطات الى امرأة قروية وهي تسارع بالهرب من منزلها وقد امسكت بطفلها الصغير وتقول وهي تنتحب -نحن حتى لانعرف من تركناه خلفنا-.
كما يعرض الثوار المسلمون لقطات من شريط فيديو يصورهم وهم يطلقون قذائف المدفعية ويصيحون ابتهاجا عندما حولت نيرانهم طائرة هليكوبتر روسية الى كتلة من النار وتعلو هتافات الله اكبر,, الله اكبر وبعد اسبوع تقريبا من نشوب القتال بين القوات الروسية والثوار الانفصاليين في جمهورية داغستان بدأت اولى الاشتباكات في الظهور على شاشات التلفاز لتعيد الى الروس ذكريات هزيمتهم المخزية على يد المقاتلين الشيشان في الحرب التي دارت رحاها بين عامي 1994و 1996 .
واعلن الثوار استيلاءهم في مطلع الاسبوع على ثلاث قرى جبلية في داغستان قرب حدودها المشتركة مع الشيشان واعلنوا قيام جمهورية داغستان الحرة ودعوا الى حرب تحرير مقدسة.
وحاولت شرطة داغستان والقوات المسلحة الاتحادية طرد الثوار من معاقلهم دون جدوى فهم مدربون علىالقتال في المناطق الجبلية.
ويصر الزعماء الروس على انه لن تكون هناك حرب جديدة وانهم سيقمعون في غضون ايام الحركة الانفصالية الجديدة.
وقال فلاديمير بوتين الذي عينه الرئيس الروسي بوريس يلتسن قائما بأعمال رئيس الوزراء انه سيتعامل بسرعة مع الحركة الانفصالية في داغستان.
ولكن يبدو ان هذه التصريحات لاتختلف كثيرا عن اعلاناتهم المتفائلة التي واكبت دخول القوات الروسية الى الشيشان عام 1994.
وقال الثوار انهم اسندوا قيادتهم الى قائد الحرب الشيشاني شامل باسييف الذي يعيد الى الروس ذكريات مؤلمة عام 1995 عندما احتجز اكثر من الف رهينة في مستشفى بجنوب روسيا.
واحضر شامل الصحفيين الى الجبال ليعلن انه يرأس شخصيا حركة التمرد ودعا لوحدة الشيشان وداغستان واصابت عودة شامل الى شاشات التلفاز اجواء توتر سبق ان عاشتها روسيا ابان الحرب الشيشانية.
ويقول شامل انه حضر مع ثلاثة الاف رجل مقاتل الى داغستان -لتلبية نداء الواجب لمساعدة مسلمي داغستان-.
وكتب المحلل العسكري بافيل فليجنهاور في صحيفة موسكو تايمز التي تصدر بالانجليزية يقول ان روسيا تواجه حتى زعماء -الحرب- انفسهم وقال مجددا ان القيادة العسكرية الروسية فشلت في انزال قوة عسكرية قادرة على الوقوف في وجه الذين يتسمون بالصلابة.
واضاف :يلتقون اليوم مرة اخرى في داغستان، المقاتلون الذين تدربوا في الشيشان ويتميزون بتدريب جيد واجادة الحركة السريعة وجها لوجه مع قوات مفككة يقودها الروس.
واردف اذا استمر شامل بقوة في داغستان فربما يكون الجيش الروسي على موعد مع كارثة كبيرة اخرى.
وبدأت قيادات موسكو بالفعل تتبادل اللوم على المأزق الجديد في وقت لم يستوعب فيه المسؤولون بعد قرار الرئيس بوريس يلتسن المفاجىء باقالة رئيس وزرائه سيرجي ستيبا شين يوم الاثنين.
ويقول رئيس الوزراء الاسبق سيرجي كيريينكو :نحن ندفع ثمن ضعف سلطاتنا المركزية.
واردف :لااحد لديه الرغبة في تسوية مشكلة داغستان, وحتى لو حدث وقضت موسكو سريعا على حركة التمرد كما يعد الزعماء الروس فانها ستثير شكوكا حول قدرة روسيا على حماية مواطنيها,
وخرجت صحيفة ازفستيا بعنوان في صدر صفحتها الاولى يوم الخميس يقول - اذلال لقوتنا العظمى- ووضعت تحته صورا لاطفال مشردين مع تعليق يذكر القراء بان الاطفال هم اكثر من يعانون من الحروب.
وحتى الآن فان اقوى تصريح عن قوة روسيا خرج من بوتين وهو جاسوس سوفييتي سابق معروف بصرامته.
وقال بوتين في تصريح في وقت سابق ان السبب الوحيد في عدم دحر الثوار هو انهم يرفضون الخروج من مخابئهم الى ساحة المعركة ولكن يبدو ان ايجور سترويف رئيس مجلس الاتحاد وهو المجلس الاعلى في البرلمان الروسي يقدم صورة افضل عن شعور الشارع الروسي تجاه الازمة.
ويقول :كانت هناك خيانة كبيرة في الشيشان,, فهل سنمسح صورة منها, وتعتبر داغستان من أكبر مناطق العالم من حيث عدد الأعراق حيث توجد بها أكثر من مائة قومية وثلاثين تجمعا من السكان الأصليين ينقسمون بدورهم الى جماعات لغوية متعددة منها الأيبيرية القوقازية والتركية والايرانية والهنود الأوربيون وأخرون.
ويبلغ تعداد سكان داغستان مليوني نسمة وهو مايمثل 2الى 1 في المائة من اجمالي تعداد روسيا.
ومن بين العرقيات الموجودة في داغستان الأفار والدارجين والكوميك واللجين واللاك والتاباساران والنوجاي والروتول والاجول والتيخور ويهود المرتفعات -ويمثلون ما بين 17 الى 18 الف والازيريسو الشيشان والروس وتقع داغستان في شمال القوقاز وهي جزء من جنوب روسيا وتطل على بحر قزوين وتحدها خمس دول هي أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان وايران ومساحتها 50,3 الف كيلومتر مربع وهي كبرى جمهوريات شمال القوقاز وتنقسم الى 42 منطقة وعشر مدن.
|