كثير ممن شهدوا مهرجان جدة الصيفي هذا العام سعدوا برؤية جدة القديمة التي كان الحفاظ عليها حسنة من حسنات المهندس محمد سعيد الفارسي الذي كان أميناً لجدة إبان فترة توسعها وخروجها الى خارج السور، وكان هذا البقاء لجدة القديمة بصمة من البصمات التي تحسب تاريخياً له أما البصمة الأخرى فهي كورنيش جدة الذي ميَّزها وكان لها كثياب العرس للعروس تختال به على المدن الأخرى، فكانت جدة بقديمها وحديثها عروس البحر الأحمر التي يرتاح فيها الزائر.
جدة القديمة مشاهد حيَّة من التاريخ، فهناك المنزل القديم، والزقاق الصغير، والنوافذ التاريخية، والدكاكين التقليدية، والأسواق الاثرية، ويقف كل ذلك شاهداً على اصالة القديم كما تشهد منازل اليوم وشوارعه على التوسع العمراني الحديث في جدة، ولو أزيلت المدينة القديمة لما زادت عن أن تكون ساحة صغيرة، ولكن الحفاظ عليها جعلها معادلة بعمرانها وشوارعها وأسواقها لمساحة جدة الجديدة على سعة رقعتها.
يخيل إليّ أننا لانجد مدنا قديمة - فيما اطلعت عليه من مدننا - سوى في جدة وفي الأحساء منطقة الكوت وماحولها ففيهما نرى نموذجاً لمدننا التاريخية التي تدل على العمق التاريخي، ونجد فيها متعة الماضي وذكريات الصبا.
وفي مقابل جدة القديمة يقع الكورنيش بزخارفه واشكاله الجمالية ومنحنياته وجزره وأرصفته ومساجده، ليكوّن الوجه الآخر لجدة، ومن يزر جدة دون ان يذرعه من الشمال إلى الجنوب فإنه لم يزر جدة، ولم يذق متعة رؤية البحر، ويرى سماءه ونافورة جدة تخترق عنانها، بل إن زحام الكورنيش في سياراته وجلسات المتنزهين حول بعضهم متعة أخرى من متع جدة.
غير ان الملاحظ على كورنيش جدة ان مساحته بدأت تتناقص بإقامة بعض المشروعات الاستثمارية لأمانة جدةعبر بعض المستثمرين كما كتب عليها وهذا يعني تقليص المساحة العامة المتاحة للناس إلى مساحة خاصة سيقتصر دخولها على من يدفع قيمة تذاكر الدخول ومابعده، وإذا تقلص الكورنيش الجميل فإنه لن يعود في جدة بحر قريب، أما المشروعات الاستثمارية فهي عمل مطلوب ولكن ينبغي ان تكون على مساحات غير معمورة، وليس في أماكن جهزت لتكون عامة للناس كلهم، وبخاصة أن أجور الدخول والملاعب والوجبات في الاماكن القائمة حالياً (مما يطل على البحر) مرتفعة الاسعار.
جدة جميلة بقديمها وحديثها والتطلع ان تكون أجمل كلما خطت سنواتها للامام.