Monday 16th August, 1999 G No. 9818جريدة الجزيرة الأثنين 5 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9818


طباق وجناس
أداء الواجبات ونيل العقوبات
محمد أحمد الحساني

أصبح كثير من الذين يحضرون المناسبات الاجتماعية من زفاف واحتفال بمولود جديد وعقد قران وغيرها من المناسبات التي يدعى اليها الاهل والاقارب والاصدقاء والمعارف، اصبحوا يشعرون انهم يعاقبون من قبل صاحب المناسبة جزاء قيامهم بالواجب,, واجب حضور المناسبة، اخذا بالتوجيه الشريف إذا دُعيتم فأجيبوا ، وهذا العقاب الصارم يتمثل في قيام صاحب الوليمة بتأخير تقديم العشاء الى ما بعد الساعة الثانية عشرة بالنسبة للمدعوين من الرجال حتى يمل الحاضرون الانتظار ويبدأ بعضهم في التثاؤب الواسع فترى امامك نماذج مختلفة من اسنان اللؤلؤ والحليب فيخيل لك انك تشاهد أحد افلام الرعب التي تقض المضاجع,!
نعم,, إن حضور المناسبات الاجتماعية لا سيما لمن لا يحبون السهر الطويل ويفضلون ان يخلدوا الى النوم قبل الساعة الثانية عشرة ليلا أما حرصا منهم على اداء صلاة الفجر جماعة في وقتها او لارتباطهم بدوام رسمي او للاثنين معا، اصبح عبئا ثقيلا يجعل بعضهم يفكر أكثر من مرة في عدم الحضور وترك واجب إجابة الدعوة والانقطاع عن المشاركة في المناسبات وتحمل ما ينتج عن ذلك من عتب عادي او مرير من اصحاب الدعوات، لأنهم يرون ان كل ذلك اخف وطأة من الحضور وتحمل السهر الطويل الممل وتوابعه مما سيجري الاشارة اليه في السطور التالية.
لقد كتب الكتاب الاجتماعيون عن ظاهرة التأخر في تقديم الطعام للمدعوين ليلا وشرحوا ما يسببه ذلك التأخير من حرج وازعاج لا سيما للكهول والشيوخ بصفة خاصة ولمن لا يطيقون السهر بصفة عامة، ولكن ما يجري على ارض الواقع ان هذه الظاهرة اخذت تزداد مساحة وزمنا، فكلما لاحظ المدعوون تأخر تقديم الولائم تأخروا في الحضور أكثر, وآخر مناسبة حضرتها مرغما على البقاء حتى تناول طعام العشاء لوجود صلة بيني وبين اصحاب الحفل، لاحظت فيها ان بعض المدعوين لم يصلوا الى مقر الحفل الا في الساعة الثانية عشرة ليلا وقد ظننت انهم قادمون من حفل آخر (تعشوا) فيه ثم جاءوا الى الحفل الذي نحن فيه للمشاركة والتنهئة، ولكن ظني لم يكن في محله فعندما وضع الطعام قاموا اليه وشاركوا فيه بامعان مما يؤكد انهم قادمون للتو من منازلهم العامرة آخذين في الحسبان ان صاحب الحفل لن يقدم العشاء للمدعوين قبل الثانية عشرة ليلا، وهناك احتمال (ضعيف) وهو ان تكون هذه الفئة ممن يملك معدتين,, ملأت الاولى في الحفل الأول وأتت الى الحفل الثاني لتملأ فيه المعدة الثانية,؟!
ولقد كنا نحمد للقبائل والبدو تبكيرهم في تقديم العشاء في مناسباتهم وحرصهم على انتهاء حفلاتهم قبل العاشرة مساءً ولكن حتى هؤلاء اخذوا يتحضرون بشكل عنيف وأول ما اختاروا من الحضارة قصات الشعر وتأخير مواعيد المناسبات فتركوا ما لهم من تميز واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير فتباً لمن فعل ذلك منهم,!
وعندما يُدعى إنسان الى حفل اجتماعي فانه مضطر الى امور ثلاثة ليختار منها ما يناسبه, فقد يجد نفسه مجبرا على التأخر في الحضور مثل غيره فلا يصل الى مقر الحفل الا قبل تقديم الطعام بساعة على الاكثر حتى يسلم من الانتظار الممل, فإن لم يستطع ذلك لأي سبب وحضر في الساعة التاسعة والنصف مثلا فإنه سيجد نفسه من الاوئل ولكنه قطعا ليس من الروابح وعليه في هذه الحالة ان يدفع ثمن الحضور المبكر اربع ساعات من الانتظار وهو مخير خلالها اما ان يظل وحيدا فريدا يتأمل القاعة ويعُد لمبات السقف ويلاحظ النقوش وما فيها من جمال او عيوب حتى يصاب بالوسواس، او يبحث عن جليس انيس يقطع بالحديث معه الوقت، وهذا البحث فيه مخاطرة كبيرة لا يتحمل نتائجها إلا الاشداء من الرجال، لانه قد يقع فريسة لمتوحد ثرثار يغتنم فرصة الحديث ويبدأ برنامجا من الثرثرة لا ينقطع لمدة ثلاث ساعات بينها فواصل من السعال والرذاذ وربما البخر المحترم، غير آبه بالحالة المأساوية التي قد يصاب بها المستمع الضحية، وان ضغط الكلمات على أذنيه قد جعل الأذن الخارجية محمرة والاذن الوسطى تصاب بالطنين والاذن الداخلية عاجزة عن تلقي المزيد من الصدمات والكلمات واللكمات، وعندها يصدق على صاحبنا المثل الشعبي: إذا وقعت يا فصيح فلا يجوز لك ان تصيح ، وقد يقع فريسة لمكتئب مزمن لا يريد أن يتحدث مع احد او يحدثه أحد، فتجده، كلما فتح معه موضوعا قفله بسرعة واشاح بوجهه عنه وعندها يجد نفسه مضطرا الى الانسحاب بإنكسار والتوحد مرة اخرى والتحديق باتجاه باب القاعة لعل الله يرزقه بصديق او جار آخر ثرثار وغير مصاب بالاكتئات، ولعل اسوأ الحالات التي يتورط فيها المدعو المتوحد,, أن يقع في شخص من جنب القِّدة فيفرح به الاخير فرحا كبيرا ويمني نفسه بالعديد من الاماني في الهزيع الأخير من الليل، وقد يكون من الصعب أن يقوم المتوحد بإفهامه أن اقباله عليه هدفه قطع الوقت بالحديث العام ولا شيء أكثر من ذلك!
أما الخيار الثالث فهو أن يعقد المستجيب للدعوة العزم على الحضور محددا زمنا غير قابل للتمديد او الوقت الاضافي او ركلات الترجيح، لمغادرة مكان الحفل وليكن الساعة الحادية عشرة ليلا كحد اقصى فإن وضعت موائد العشاء شارك فيها وإلا غادر المكان إلى داره أو إلى أقرب مطعم شاورما ان لم يكن في داره مطعم، وبذلك يكون قد ادى واجب الحضور وترك واجب تناول العشاء لمن يحبون السهر ولمن يرون ان الواجب لا يكتمل الا بالمشاركة في العشاء مع استعدادهم لدفع ثمن الانتظار وفق ما تقدم شرحه من صور ومواقف.
وقد جربت شخصيا كل الخيارات فوجدت افضلها الخيار الثالث، لا سيما إذا كانت الدعوة موجهة لي من قبل انسان لا تربطني به علاقة وثيقة جدا أو صلة قربى، فعندما تشارف الساعة على الحادية عشرة ليلا تجدني مستنفرا للخروج معتذرا بوجود ارتباط مصمما على عدم التراجع او الرجوع، هذا إن لم يكن لقاعة الحفل مخارج للطوارئ والنجاة يمكن لامثالي استخدامها في هذه الحالة دون المرور بالمدخل الرئيسي الذي يقف عليه كالحراس من الجانبين أصحاب الحفل لاستقبال القادمين وتوديع المغادرين أو إعادتهم الى أماكنهم عنوة او بسيف الحياء او النظام وان لم يقدموا لهم ما يقنع للحصول على تأشيرة خروج مبكر!
أما اذا جئنا الى حفلات النساء والعوائل فإن المسألة هنا أشد وأنكى لأن المدعوات الكريمات لا يبدأن في التوافد على الحفل إلا حوالي الساعة الثانية صباحا (بعد منتصف الليل)، وعندما تكون العائلة الكريمة معزومة في مناسبة زفاف أو عقد قران فإن البعل يجد نفسه مضطرا الى السهر حتى الصباح لتوصيل (المدام) ثم الرجوع لأخذها في الساعة الخامسة فجرا سواء كان مدعوا في المناسبة نفسها ضمن القسم الرجالي او غير مدعو، فإن لم يستطع ذلك صحيا أو نفسيا او ماديا، قام بالواجب السائق، او المتبرعون من الشباب الذين يستعين بهم صاحب الحفل لتوصيل العوائل المنقطعة وهذه الحالات تحيط بها مخاطر لا تخفى على اللبيب,, أيها الحبيب,!
لقد حاولت الجهات المختصة ان تضع حداً أقصى تنتهي عنده الحفلات لا سيما الخاصة بالنساء وجعلت الساعة الثانية صباحا هي الحد الاقصى وعمم ذلك على قصور الافراح ولكن هذا التنظيم لم يعجب المجتمع وقاومه مقاومة عنيفة ودخلت الصحافة طرفا في الموضوع بين مؤيد ومعارض وانتهى الامر بانتصار ساحق للسهارى ومن شايعهم وبقي الحال على ما هو عليه سهر وانتظار ممل وتمادٍ في ذلك واعتباره قاعدة أساسية لاقامة الحفلات والمناسبات.
ولعل الانسان يتساءل عن مصدر هذه العادة القبيحة خصوصا ان اكثر عاداتنا السيئة قد جاءتنا من ادعياء الحضارة في الشرق أو الغرب ولكن هذا التساؤل يتحول الى تعجب عندما نعلم ان معظم المجتمعات في اوروبا وآسيا وافريقيا واستراليا وامريكا لا تعرف السهر الطويل في المناسبات الاجتماعية وقلما يمتد حفل إلى الساعة الثانية عشرة ليلا، بل يكون الحفل ما بين الساعة التاسعة حتى الحادية عشرة على اكثر تقدير للرجال والنساء على حد سواء، أما الساهرون حتى الفجر في تلك المجتمعات المفتوحة فلهم اماكن اخرى ليس من بينها المناسبات الاجتماعية, فهل يعني ذلك ان المجتمع لدينا قد قلَّد في سهره المتواصل خلال المناسبات الاجتماعية الساهرين في الاماكن الاخرى على سبيل الاسقاط النفسي ام ان للمسألة وجها غير معروف؟!
لم تجدوا إلا بورجر كينج
قامت جامعة الدول العربية مؤخراً بمقاطعة فروع مطاعم بورجر كينج الامريكية الاصل، الموجود في العالم العربي ما لم تقم إدارة هذه المطاعم بقفل فرعها الذي افتتحته مؤخرا في احدى المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية,!
والجامعة تفعل ذلك وتهدد اعتمادا على نظام المقاطعة العربية للكيان الصهيوني الذي صدر ذات يوم بحماس شديد وكان الهدف من صدوره عزل اسرائيل اقتصاديا حتى ترضخ للمطالب العربية الفلسطينية العادلة وتقبل بالسلام الشامل العادل، ثم كانت النتائج التي تعيشها الأمة العربية وفي المقدمة الفلسطينيون او بالاصح زعماؤهم، ان الجميع رضخوا للصهيونية وشروطها المهينة وبدأوا يتقاطرون لعقد الصلح المهين معها وفق ما تمليه عليهم بل وأصبح العلم الصهيوني يرفرف بكل صلف في قلب أكبر العواصم العربية واعتبر كل ذلك الهوان حكمة بالغة ومن جره وساهم فيه حكيما يتم الاشارة إليه إن كان من الاحياء والترحم عليه ان كان من الهالكين، كما ان المقاطعة المزعومة لم تؤد الى التأثير الاقتصادي الحار على اسرائيل وان زعمت ذلك لتظهر ضعفها وعدوان العرب عليها ولكن الواقع يؤكد نموها عسكريا واقتصاديا وتجاريا في الوقت الذي توقف فيه نمو معظم الدول العربية هذا إن لم يتراجع هذا النمو خطوات واسعة الى الخلف حسبما يؤكده الذين يعرفون احوال بعض العواصم العربية قبل نصف قرن مقارنة بأحوالها في هذه الايام,!
ان الجامعة العربية لم تجد امامها الا مطاعم (بورجر كينج) لتقاطعها وهي بذلك تؤكد أنها تعيش خارج التاريخ والجغرافيا بعيدا عما يجري على ارض الواقع من تنازلات وهوان وفقدان للكرامة والعزة دون الحصول على اي ثمن لكل هذه الاشياء المفقودة او المضيعة قصدا، فماذا ينفع القضية العربية الاولى حسب التسمية الرسمية لقضية فلسطين ان يقاطع العرب اكل دجاج محلات بورجر كينج وقد تحول العديد منهم الى دجاج بخمسة أرجل,, الجبين واليدين والقدمين في سعيهم الحثيث نحو السلام!
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
الطبية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved