Monday 16th August, 1999 G No. 9818جريدة الجزيرة الأثنين 5 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9818


حماية البيئة وحكاية المعلِّم مقبول

على مدار يومين كاملين استطاع فريق حملة الصافي جمع الأطنان من النفايات التي امتلأ بها منتزه القرعاء السياحي ضمن الحملة البيئية التي نظمتها شركة الصافي وهي الحملة الثانية، إذ سبقتها حملة تنظيف شعيب الخفس بمنطقة الرياض في العام الماضي, والمؤكد ان حملة من هذا النوع كانت ضرورية لانقاذ منتزه القرعاء ومن قبله شعيب الخفس من ان يتحولا الى منطقتي نفايات.
السبب المباشر لهذه الانتكاسة في المنتزهات البيئية يعود بالدرجة الاولى الى البعض ممن اصبحوا لا يتورعون عن رمي المخلفات والفضلات خلال فترات التنزه والاستجمام في تلك المنتزهات, وفي كثير من الاحيان فان الأمر يتعدى الممارسات الفردية من بعض السياح ليصبح ظاهرة عامة لا يستثنى منها احد الا من رحم ربي.
اما انتشار الحملات البيئية التي يقودها القطاع الخاص ممثلاً بشركة الصافي فهو بحق ظاهرة صحية تعكس مدى الوعي الذي وصلت اليه بعض الشركات في بلادنا لكن المؤكد هو ان حملة بيئية في يومين او ثلاثة لن تحل كل المشكلة.
وعلى النقيض مما نراه في المنتزهات والأماكن العامة نجد ان البعض وهو في زيارة للمنتزهات العامة خارج المملكة ملتزم بقواعد السلوك العامة حريص على رمي المخلفات في السلال المخصصة لذلك، لكن الأمر لا يستغرق سوى ساعات قليلة هي الزمن اللازم للعودة الى ارض الوطن واذا به يمارس هوايته من جديد, وهذه ازدواجية في ذهنية البعض تتطلب منا مراجعة ودراسة عميقة.
نحن هنا امام ظاهرة بيئية خطرة لها جذورها التربوية, والأمر في غاية البساطة إذ يستطيع اي واحد منا ان يذهب الى اي مدرسة خاصة او عامة عندما يعود التلاميذ الى فصولهم بعد وجبة الافطار في باحة المدرسة خلال اليوم الدراسي, سيصيبك شعور بالحسرة لما تشاهد من اوساخ ومخلفات متناثرة هنا وهناك وربما الى جوار سلة المهملات حتى انك تظن ان عدداً من الأشقياء قد دخلوا المدرسة عنوة.
المعلمون (والمعلمات) والصحيح ان نقول المربون (والمربيات) في مدارسنا لا يرون ان هناك خللاً تربوياً في هذا الأمر وهم لا يبذلون جهداً تربوياً لتصحيح ذلك, اما الأمر بعدم رمي المخلفات فلا يعد جهداً تربوياً والا لأصبح كل من هبّ ودبّ صالحاً للتربية والتعليم الكثير من المعلمين لا يحاول تنمية الاتجاهات والمهارات السوية الخاصة بالنظافة والمحافظة على مكتسبات الوطن في عقول التلاميذ وقد يطلب الواحد منهم من احد التلاميذ ان يخط له لوحة رائعة ليعلقها على احد الجدران وقد كتب عليها النظافة من الايمان دون ان يكون هناك اي اثر لهذا المعنى, هل نفهم الآن لماذا اصبح البعض لا يتورعون عن رمي المخلفات في المنتزهات والاماكن العامة.
وليس كل المعلمين على هذه النحو فهناك نماذج رائعة وقد عرفت معلماً يدعى مقبول التحق بمهنة التربية والتعليم ليس لأنه وجد فيها مصدراً جيداً للمال ولكنه التحق بكلية التربية لأنه احب المهنة في وقت كانت فيه ظروف قبول الطلاب في الجامعات افضل بكثير مما هي عليه هذه الايام لكنه فضل ان يصبح معلماً للعلوم على الالتحاق بكليات علمية اخرى, حدثني انه اراد ذات يوم ان يخرج من نمطية التلقين وتكرار مفردات المنهج على الطلاب وكان الموضوع عن البيئة والمحافظة عليها, يقول استأذنت مدير المدرسة في ان نخصص الدرس القادم للخروج الى حديقة المدرسة وان نقوم بتنظيفها من جميع المخلفات وقلت للطلاب ان ما ترونه الآن في احواض الاشجار من مواد بلاستيكية ومعدنية يحتوي على مواد ضارة تقتل النبات وعندما تموت النباتات فإننا سنتأثر نحن البشر لأن النبات يمدُّنا بالأوكسجين والطعام ويمتص ثاني اكسيد الكربون ومن اجل ذلك فانه يلزم علينا الآن القيام بتنظيف الأحواض وجمع جميع المخلفات, وقد ابدى التلاميذ تفهماً وحماساً لذلك، لكن الأمور سارت على غير ما يرام, قلت ما الذي حدث؟! قال: في صباح اليوم التالي جاء احد الآباء الى مدير المدرسة وهو يصرخ اسمع يا مدير لم نرسل اولادنا الى المدرسة حتى يعملوا فيها زبالين ولا اسمح ان يقوم ولدي بتنظيف الحديقة! واني سأتقدم بشكوى لدى وزارة المعارف ولم يجد المدير بُدّا من الاعتذار وتوبيخي بأشد الكلمات، ومع الايام كان على هذا المعلم ان يكون مثل الآخرين.
ربما ان القارىء العزيز قد ادرك ان جذور الظاهرة لا تمتد الى داخل اسوار المدرسة ولكنها قابعة في بعض البيوت, المعنى انه لا تبدو لدى البعض من اولياء الأمور اتجاهات رأي واضحة تجاه البيئة ولذا فهم لا يقومون بدورهم التربوي ويظل هذا الجيل الصاعد تائهاً بين ما يجب وما لا يجب ان يكون، غير قادر على ان يرسم خطّاً فاصلاً بين الصحيح والخطأ فينساق وراء التقليد والاقتداء بالآخرين، وهو ما يفسر ازدواجية السلوك لدى البعض تجاه المحافظة على المنتزهات والأماكن العامة في الداخل والخارج.
ولذا فان جهود المحافظة على البيئة لا تتطلب حملات بيئية ولكنها ايضا بحاجة ماسة الى برامج تربوية واضحة المعالم.
د, عبد العزيز علي الخضيري
جامعة الملك سعود

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
الطبية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved