يتعامل البعض مع الوقت وكأنه لا قيمة له، فطالما ان ضياع الوقت لا يسبب في نقص ملموس فيما لديه من نقود فإذن ليس هناك اية خسارة, فالشخص الذي لديه مائة ريال لو ظل يشاهد التلفزيون طوال اليوم فإن المائة لن تنقص فلماذا الاهتمام بالوقت؟ لو نظرنا الى الوقت من منظور اقتصادي بحت لوجدنا انه مورد اقتصادي مثل المال تماما, فالكمية المتاحة منه محدودة والأغراض التي يمكن استخدامه فيها متعددة وكثيرة, ومتى ما انفق في غرض ما فإن الوقت المنفق لا يمكن صرفه مرة أخرى في استخدام آخر، ولذا فإن ثم مشاهدة برنامج مدته ساعة هو ما يمكن ان تدره هذه الساعة من فائدة او منفعة لو وجهت نحو استخدام آخر, فلو فرضنا ان هذا الشخص من الممكن ان يعمل هذه الساعة ويحصل على عشرة ريالات فالخسارة التي يتحملها الشخص نتيجة لمشاهدة البرنامج هي هذه العشرة ريالات, والطالب الذي يضطر لاعادة دراسة السنة التي فشل فيها بسبب اضاعته لوقته يخسر الدخل الذي من الممكن ان يحصل عليه فيما لو أنهى دراسته بشكل طبيعي، فلو كان الدخل المتوقع لهذا الطالب عند تخرجه هو خمسين ألف ريال فثمن اضاعته لوقته هو هذا الدخل والأمثلة أكثر من ان تحصى, ولكن القاعدة ان الشخص لديه العديد من الاستخدامات لوقته فمتى ما صرفه لاستخدام معين فإن تكلفة هذا الاستخدام هو العائد الذي من الممكن ان يحصل عليه فيما لو انفق هذا الوقت في أفضل استخدام آخر.
واذا كان الأمر كذلك فالحرص على الوقت واستغلاله واستثماره أمر مطلوب وضروري وإلا اصبح الشخص مثل من يهدر أمواله بدون مقابل, والاستفادة من الوقت مثلما هي مسؤولية الفرد هي ايضا مسؤولية المجتمع ومثلما ان الفرد مطالب بالاستفادة من وقته فالآخرون مطالبون باحترام أوقات الناس وعدم التعدي عليها وإضاعتها بدون حق، فالموظف الذي يتأخر عن موعد عمله او يتأخر في إنهاء معاملات ومصالح الناس يكون قد اعتدى على أوقاتهم والتي من الممكن ان يصرفوها في أمور تعود عليهم بالفائدة, فهو يشبه من يعتدى على آخر ويسلبه شيئا من نقوده لأن هذا المراجع قد يكون موظفاً وفي حالة تأخره أو غيابه لانهاء معاملته سيحسم عليه شيء من راتبه والسبب هو الموظف المتأخر او المتهاون في أداء عمله.
ولا شك ان عدم احترام الوقت سمة من سمات التخلف هي أكثر شيوعا في الدول النامية منها في الدول المتقدمة, وكما أنها سمة من سمات التخلف فهي سبب قوي له ولذا فلا يمكن ان تتقدم أمة وهي تتفنن في إضاعة أغلى مورد لديها, ولذا فهي تدفع ثمن اضاعتها لهذا المورد وإهداره في شكل مستوى معيشة متدن ودخول أقل, وعملية احترام الوقت واستثماره فيما يعود على الشخص لها بعد تربوي فهي تغرس في الطفل منذ صغره في نمو الإحساس لديه بقيمة الوقت وأهميته ويشعر بفداحة إضاعته, وفي هذا لا بد وان تتضافر جهود الأسرة والمدرسة والمجتمع لانجاح هذا الأمر وان يقترن القول بالعمل, واتصور ان المسلمين أولى من غيرهم بالاهتمام بالوقت وصرفه فيما ينفع في الدنيا والآخرة فهناك القدوات بدءا من الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبته رضوان الله عليهم وعلماء وعظماء هذه الأمة والذين تدل حياتهم وسيرتهم واقوالهم على ضنهم بأوقاتهم عن العبث وصرفها فيما لا طائل تحته, وقد عد المفكر ابن خلدون من أسباب انهيار الأمم عدم احترام أفرادها لأوقاتهم والتخاذل عن العمل والخلود الى الراحة وتجاوز الحد في التمتع بأساليب الترفيه.
* قسم الاقتصاد الإسلامي
جامعة الإمام بن سعود