Monday 16th August, 1999 G No. 9818جريدة الجزيرة الأثنين 5 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9818


أطباء وباحثون اختصاصيون يؤكدون لـ الجزيرة
أمراض وراثية خطيرة سببها زواج الأقارب

تحقيق : عذراء الحسيني
تعقد العديد من المؤتمرات التي تناقش الاعاقة واعادة التأهيل وتظهر الدراسات نسبا كبيرة من إصابات الاعاقة العقلية سببها زواج الاقارب وعلى الرغم من ان هذه المؤتمرات توصي في ختام اعمالها بعدم تشجيع الزواج من الاقارب لما لهذا الامر من انعكاسات خطيرة في المستقبل,, الا ان السؤال الصعب,, كيف تأخذ هذه التوصية طريقها الى التنفيذ العملي في المجتمع؟,, فهل حقاً زواج الاقارب ينتج عنه امراض وراثية يحملها الاطفال وتلازمهم طوال حياتهم وتكون عائقاً مستديماً؟,, واذا كان هذا صحيحاً فلماذا يتمسك اغلبية الناس بهذا الزواج؟,, والاجابة على هذا التساؤل وغيره مما يندرج داخل هذا الاطار نجدها في احاديث عدد من الاطباء والمختصين اوضحوها وبينوها وشرحوها فيما يلي:
كيفية انتقال الأمراض الوراثية:
* تقول الدكتورة منيرة عبدالله الحسين استشارية امراض الاطفال والوراثة بمستشفى الملك خالد الجامعي ورئيسة وحدة المختبر والوراثة: من خلال الواقع الذي نعيشه يومياً في العمل تتردد علينا حالات كثيرة تعود الى زواج الاقارب فكثيراً ماتأتي الينا حالات تشوهات خلفية وتخلف عقلي ومتلازمة داون,, اما اكثر الامراض فهي الامراض الوراثية المتنحية كأمراض الدم الوراثية والامراض الاستقلابية، وفي رأيي ان عدم تشجيع الزواج بين الاقارب لايعني منع زواج الاقارب ولكني انصح بزواج الاقارب الأباعد واعني بذلك ابناء العمومة والاخوال من الدرجة الثانية فأبعد حيث تقل نسبة او احتمال تشابه المورثات الضارة بينهم.
اما عن انواع انتقال الامراض الوراثية فتقول الدكتورة منيرة انها تصنف الى امراض احادية المورثة التي تخضع لقانون مندل الوراثي وبرغم ندرتها الا انها تشكل اهمية كبيرة في علم الوراثة وذلك لتعدد انواعها حيث تبلغ حتى الآن مايزيد على الاربعة آلاف مرض كما ان احتمال تكرار ظهورها في العائلة المصابة كبير ويمكن حساب احتمال تكرار المرض بعد تجديد نوع المرض الوراثي ودراسة تاريخ العائلة.
وتنقسم الامراض احادية المورثة الى الامراض الوراثية السائدة وهي تصيب كلا الجنسين الذكور والاناث على حد سواء ومن الممكن تتبع وراثة مرض معين واحتمالات الاصابة به لعدة اجيال في العائلة وينتقل الجين المسبب للمرض من الشخص المصاب الى نصف ذريته سواء كانوا ذكوراً ام اناثاً, ومن صفات الامراض السائدة انها لاتنتقل عبر الاشخاص السليمين الذين لايظهر لديهم المرض وقد يبدو ان حساب تكرار المرض سهل الا انه قد تظهر هذه الامراض لاول مره لدى عائلة ليس لديها تاريخ مرضي وذلك على هيئة طفرة جديدة وبالتالي فإن احتمال تكرار المرض بتلك العائلة قليل جداً ولايكاد يذكر.
كما ان الحالات السائدة تميل ان تكون مختلفة التعبير في العائلات المصابة وذلك بصورة واضحة وقد يتعذر التنبؤ بمدى حدة المرض في الذرية المصابة ومن امثلة هذه الامراض:
*زيادة الكوليسترول العائلي.
*ورم الوريقات الليفية العصبية.
*التصلب الدرني.
اما الامراض الوراثية المتنحية فهي تظهر في شخص يكون ابواه سالمين ظاهرياً الا ان كلا منهما يحمل الصفة المتنحية نفسها وتكون فرصة ظهور المرض في ذريتهما 25% وعادة الافراد المصابون لايوجد لديهم تاريخ عائلي للاصابة بالمرض بالرغم من ان الجين المسؤول عن المرض قد تتوارثه اجيال تلك العائلة جيلاً بعد جيل.
ويزيد زواج الاقارب من فرصة حدوث الامراض المتنحية وذلك لان الابوين قد يحملان نفس مورثة المرض والتي ورثها من جد واحد.
وتشمل هذه الامراض الاستقلابية كأمراض الدم الوراثية والتشوهات الخلقية.
وهناك نوع الامراض الوراثية المتنحية المرتبطة بالصبغي السيني ويكون المصابون من الذكور وينتقل المرض عن طريق اناث سليمات وحاملات لمورثة المرض, وتنقل الام الحاملة للمرض لنصف ابنائها الذكور ولنصف ابنائها الاناث اللاتي يكن في هذه الحالة حاملات للمرض, اما الذكر المصاب فينقل المورثة لجميع بناته,, وجميع ابنائه الذكور سليمون، ولهذا فان هذه الامراض لاتنتقل من ذكر الى ذكر بصورة مباشرة ومن امثلة هذه الامراض عمى الالوان ومرض نقص انزيم G6PD (جلوكوز 6 فوسفات النازع للهيدروجين).
ايضاً هناك الامراض الوراثية السائدة المرتبطة بالصبغي السيني:
وتنتقل الجينات المسببة للمرض بنفس الطريقة التي تنتقل بها الامراض الوراثية المتنحية المرتبطة بالصبغي السيني وبالتالي فان الاناث اكثر عرضة للاصابة وفي بعض الامراض يتوفى الذكور المصابون، لذلك يكون عدد الذكور المصابين في العائلة اقل بينما تكثر نسبة الاناث المصابات.
اما الامراض الوراثية متعددة العوامل والاسباب فهي التي تنشأ نتيجة استعداد وراثي مع عوامل بيئية متعددة ومختلفة وهي تشمل الامراض الشائعة كمرض القلب التاجي، مرض السكري، الربو الشعبي، انفصام الشخصية, وليس لها نمط وراثي واضح وعادة نسبة تكرارها بالاقارب قليلة, وتزداد نسبة تكرار المرض والاصابة به مع ازدياد نسبة القرابة.
واخيراً هناك الامراض الصبغية وتنتج عن خلل صبغي وتؤدي بشكل عام الى تشوهات خلقية متعددة وتخلف عقلي مثل (متلازمة داون) ويمكن انتقال هذه الامراض اذا كان احد الزوجين حاملاً لانتقال صبغي موزون.
دراسة عن زواج الأقارب
وتقول الدكتورة منيرة الحسين انها قامت ببعض الدراسات بالتعاون مع بعض الزملاء في كلية الطب وهي:
دراسة عن نسبة زواج الاقارب في مدينة الرياض حيث بلغت 51,3% وبلغت نسبة زواج الاقارب من الدرجة الاولى 28% وعملت هذه الدراسة في عام 1993م ونشرت في مجلة طبية بريطانية.
ودراسة عن نسبة انتشار متلازمة داون في الرياض:
حيث بلغت نسبة انتشاره 554 مولودا حيّاً في مستشفى الملك خالد الجامعي من عام 1982م الى عام 1991م وقد نشرت هذه الدراسة في مجلة امريكية طبية.
واجريت دراسة لمعرفة مدى انتشار الزيغ الصبغي في الاطفال المحولين لوحدة الوراثية بمستشفى الملك خالد الجامعي حيث كانت نسبة الانتشار 20,4% من الحالات التي تمت دراستها وهذه نسبة عالية مقارنة بدراسة امريكية في مدينة نيويورك حيث بلغت النسبة هناك 16,6% ونشرت هذه الدراسة في مجلة بريطانية.
التوعية الثقافية
ودعت الدكتورة منيرة الى تكثيف برامج التثقيف الصحي عبر قنوات الاعلام المختلفة لما لها من دور فعال في نشر الوعي الصحي، كما نبهت نقطة مهمة بأخذ الاستشارة الوراثية وعمل فحص وراثي اذا تطلب الامر عند نية زواج الاقارب وخاصة ابناء العمومة والاخوال من الدرجة الاولى.
الغزو الثقافي
*اما الدكتورة مها اللحيدان استاذة علم الاجتماع فتقول ان نمط الزواج من الاقارب يأخذ مرحلة من الاضطراب بين الاجيال الاجتماعية والتي تتسم بين مؤيد ومعارض له ومتحفظ,, وهذه المسارات السلبية والايجابية التي تغلب على اذهان الناس تنطلق من البنية الثقافية الاجتماعية حيث ان لكل مجتمع اعرافه وتقاليده وعاداته وقيمة وظروفه الاقتصادية و الاجتماعية التي تؤثر على بناء المجتمع وعلى قيمه الاجتماعية وعلى الاحكام التي تصدر تجاه هذه الظاهرة من ابنائه,, فالمجتمعات التقليدية كانت تميل نحو اتباع نظام الزواج الداخلي اي الزواج من الاقارب ,, واشارت الدكتورة الى ان من الامور التي ساعدت على ترسيخ هذا النظام السلطة المطلقة للاب وقوة التعصب في المجتمع العربي حيث وصلت العلاقة القرابية الى اعلى صورها في العائلة الممتدة القديمة.
ومن جانب آخر فاننا نجد بعض المجتمعات الحديثة يحجم افرادها عن الزواج من الاقارب ويعود ذلك الى ارتفاع مستوى التعليم والتأثر بحياة السفر والعمل في الخارج، وقد اشارت الدراسات الاجتماعية الى ان التغيرات الاقتصادية وانماط المعيشة والكسب وتحسن الاحوال الاقتصادية على مستوى الافراد ادت الى اظهار بعض الاصوات وخاصة من الشباب المعترضين على نمط الزواج الداخلي.
وتستطرد الدكتورة مها اللحيدان في حديثها قائلة: وفي اعتقادي ان هناك ظروفا اجتماعية موجبة لانتشار هذا النمط,, فعادات وتقاليد واعراض المجتمعات الاسلامية المحافظة مثل مجتمع المملكة احد الاسباب التي تشجع على الزواج من الاقارب، كما ان هناك اسباباً اخرى ذات دلالات اجتماعية واقتصادية منها مثلاً المحافظة على الاملاك والثروة داخل اطار العائلة وزواج الاقارب يضمن ذلك بلاشك,, كذلك تعزيز وحدة العائلة وترابطها وقوتها الداخلية والخارجية وتخفيض تكاليف الزواج عموماً بما فيها المهر والابقاء على البنت قريبة من اهلها وبالتالي التقليل من احتمالات وقوع الطلاق,, وعلم الاجتماع ينظر الى هذه الاسباب بنظرة ايجابية لما فيها من تحد للغزو الثقافي بشكليه المعنوي والمادي والمحافظة على الاصالة والتراث بمفهومه الجوهري القائم على التماسك والتساند بين الاقارب.
* وتقول الدكتورة زينب ابو طالب استشارية امراض نساء وولادة بمستشفى الملك خالد الجامعي: تأتي إلينا في العادة حالات تشوه الجنين ونستطيع التنبؤ بذلك مستعينين بالمعلومات عن الحمل السابق ووجود تشوهات خلقية في العائلة او الاجهاض المتكرر وعمر الحامل حيث انه من المعروف ان نسبة احتمال الحمل بطفل منغولي تزداد مع ازدياد عمر المريضة, علماً بان الاشعة الصوتية ساعدت كثيراً في اكتشاف الكثير من حالات تشوه الاجنة، وتتم معالجة هذه الحالات تحت اشراف وحدة طبية متكاملة مع اشراك الوالدين في اي قرار يتخذ من قبل الاطباء,, ونصحت باجراء فحص الدم المخبري للمقبلين على الزواج وخصوصاً الاقارب (بالمنطقة الجنوبية) وذلك لانتشار امراض وراثية معروفة مثل فقر الدم الناتج من خلايا الدم المنجلية او (المنطقة الشرقية) وذلك لانتشار مرض انيميا البحر الابيض المتوسط ايضاً هناك تشوهات خلقية مثل التشوهات المصاحبة لجمجمة الرأس والنخاع الشوكي ولكن اثبتت البحوث ان اعطاء حبة (حمض الفوليك) يومياً لمدة شهرين تقريباً قبل حدوث الحمل يقلل من نسبة حدوث هذه التشوهات.
خلافات عائلية
* واجمل الاستاذ رياض بن حجي احمد المزروع المدير التنفيذي بالنيابة بكلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي بعض النصائح لتفادي النتائج المترتبة لزواج الاقارب منها بث الوعي بمخاطر الزواج من الاقارب ونشر الاحصائيات المرتبطة به في وسائل الاعلام المختلفة ويفضل عمل فحص مخبري قبل الزواج وتمويل الابحاث والدراسات التي تتناول الامراض الوراثية التي يزداد حدوثها لدى المتزوجين من اقاربهم مقارنة بالمتزوجين من غير اقاربهم مثل مرض الخلية المنجلية ومرض السكري والتخلف العقلي, وضرورة التبصير بالمساوىء الاجتماعية التي تحدث في حال حدوث خلافات بين زواج الاقارب,, فالخلاف عادة لاينحصر بين الزوج والزوجة بل يتعداهما ليشمل جميع الاسرة اذ يميل بعض الاقارب لاحد الطرفين بينما يميل البعض للطرف الآخر.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
الطبية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved