Wednesday 18th August, 1999 G No. 9820جريدة الجزيرة الاربعاء 7 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9820


رؤى وآفاق
العمر البشري والمكتبة العربية

كم من أجيال وأجيال عبرت هذا الوجود وهي لا تعرف عن المكتبة العربية قليلاً ولاكثيراً، وكم من علماء قرءوا وألفوا مع انهم لم يطلعوا الا على القليل من كتب المكتبة العربية، انها مكتبة الكون بأسره، تغمر العقل فيهيم في محاسنها ويندهش من عجائبها، ان رغب في شعر حلق به في اوهام الرؤى ونقله الى بلاد عبقر وأرض التوابع فرأت عيناه من الصور البديعة ما لم تره من قبل، يعيش مع الزير ومريمه فيرى العجب من امرىء القيس وفاطمته وعنترة وعبلته وعروة وعفراء والصمة وريا وتوبة وليلى وكثير وعزة وجميل وبثينة، وان رغب القارىء في صهيل الخيل في ارض المعارك وهز الرماح في ايدي الابطال فعليه بقراءة شعر عنترة، وامثاله عندما تغمر الشاعر حماسة القتال فتجود يمينه بطعنة فارس، ويتبعها لسانه بنظم ابيات من شعر الحماسة.
لقد جرح عنترة في وجهه في معركة من معارك داحس والغبراء وخرج من صف القتال ليضمد جراحه، وكان قيس بن زهير يدير المعركة فعز عليه جرح عنترة فصاح بالخيل وسار في مقدمتها فأقبلت على صفوف ذبيان كقطيع من الوحش فرت من قسورة فدهش عنترة لمنظر الخيل واستجابتها لصوت قيس ابن زهير فنسي جرحه واقبل على القتال وقتل من اصابه بجرح ونظم الفخر في انتصاره، انها اشعار تتجدد بتجدد القراءة لا تبلى جدتها بتقادم الزمن ولا يخبو بريقها بمرور الأيام، فالشعر يحمل الحكمة الخالدة التي نجدها في شعر زهير وطرفة وعبيد وابي العتاهية والمتنبي من امثال قولهم: (والدنيا لمن غلبا) (لكل امرىء من دهره ما تعودا) و(يأتيك بالأنباء من لم تزود) وفي الشعر العربي عامة حكم تقيد صاحبها وترشده الى ما يريد من امور الدنيا والآخرة من ذلك:
(فإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعول في الدنيا على رجل)
(قيمة الانسان ما يحسنه)
(شر الورى بمساوئ الناس مشتغل)
(مثل الذباب يراعي موضع العلل)
(لا خير في ود امرىء متملق)
والنثر رياض فيح لا يمل منها المتنقل فهي متنوعة مغرية، فإن رغب القارىء في رصف الكلام وقوة التركيب، وتتابع العبارة من غير اعداد سابق، فعليه بأسلوب العرب الأوائل كقول ام الخير من خطبة لها في صفين (اللهم قد عيل الصبر وضعف اليقين وانتشر الرعب وبيدك يا رب ازمة القلوب فاجمع الكلمة على التقوى وألف القلوب على الهدى وأردد الحق الى أهله) وان رغب في اساليب التأليف وبسط الكلام والاطناب في القول فعليه بقراءة كتب القرن الثالث التي تحوي اسلوب العربية في تطويع للمعاني المستجدة والعلوم المنقولة بعد ان اطلع كتاب العربية على المنطق وشيء من الفلسفة، فامتد الاسلوب واتسع للمعاني المتشعبة، كما نجد في كتب الجاحظ وابي حيان التوحيدي فمن تلك الأنماط قول الجاحظ في رسالة التربيع والتدوير (يعد اسماء الكتب ولا يفهم معانيها ويحسد العلماء من غير ان يتعلق منهم بسبب، وليس في يده من جميع الآداب الا الانتحال لاسم الأدب) وفي المكتبة العربية ما يروح عن النفس من الاطلاع على الكتابة الهزلية فينتقل البصر بين اسطر المرح جالباً الى الصدر الانشراح في سعة خاطر واقبال على الكتاب، من ذلك ما اوصى به طفيلي الى خليفته من قوله:
(من التطفل على اهل مدينة السلام وما يتصل بها من ارباضها واكنافها ويجري معها في سوادها واطرافها لما توسمته فيك من قلة الحياء، وشدة اللقاء وكثرة اللقم وجودة الهضم).
ومن رغب في السياحة وهو قابع في بيته ففي المكتبة العربية من كتب البلدان والرحلات ما ينقله الى اقصى البقاع فيعرف البر والبحر والمدن والقرى، وتحوي المكتبة العربية سير الرجال وتراجم الابطال فيعرف القارىء من هو وبمن يقتدي, إن اطلالة من قبل القارىء على كتب الفهارس القديمة تجعله في حيرة من امره ماذا قرأ؟ وهل تفي بقية العمر بالاطلاع على مجمل كتب المكتبة العربية؟ انه سؤال يحتاج الى جواب!.
د, عبد العزيز بن محمد الفيصل

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved